بقلم:&nbspHassan Haidar&nbsp&&nbspيورونيوز

نشرت في

اعلان

في تصعيد لافت تجاه الجنوب السوري، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، يوم الثلاثاء 15 تموز 2025، أن إسرائيل “أعطت الأوامر للجيش بمهاجمة القوات السورية وأسلحتها في محافظة السويداء”، مبرّرين ذلك بخرق لاتفاق “نزع السلاح” في المنطقة. غير أن المسوّغ الأبرز الذي قدّمه نتنياهو وكاتس في بيانهما كان التزام إسرائيل بـ”حماية الطائفة الدرزية في سوريا”، انطلاقًا مما وصفاه بـ”تحالف الأخوّة” مع دروز إسرائيل.

هذا الخطاب، الذي جمع بين الرسالة العسكرية والبعد الطائفي، يكشف أن ما يجري في السويداء يتجاوز عملية عسكرية معزولة، ليُدرج في سياق أوسع من سياسة تبدو بنظر البعض وكأنها تستثمر في الانقسامات الداخلية السورية لبناء نفوذ عابر للحدود.

الفسيفساء الإثنية والطائفية في الشرق الأوسط

لطالما اتُهمت إسرائيل بأنها تعتمد منذ عقود على سياسة إدارة الانقسامات داخل مجتمعات المنطقة. ومع سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي، برزت السويداء ذات الغالبية الدرزية، كبيئة مؤاتية لظهور ما من شأنه أن يذكي النعرات الطائفية. فالمحافظة تشهد منذ سنوات حالة من التوترات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وسط غياب فعّال للدولة المركزية في دمشق، وتنامي التباينات بين المكونات المحلية، سواء على صعيد المرجعيات الدينية أو القوى السياسية والعشائرية.

في هذا الواقع الهش، تسعى إسرائيل إلى تقديم نفسها كقوة ضامنة، لا لحماية مصالحها فحسب، بل كـ”حامية للأقليات”، وخصوصًا الأقلية الدرزية إذ أنها ومنذ سقوط نظام بشار الأسد، جاهرت مرارا بأنها لن تسمح بالمساس بهذه الطائفة. وهو ما يعزز الاتهامات ضد الدولة العبرية بأنها تتّبع أسلوبًا قوامه تشجيع الانقسامات وخلق بيئة تؤسس لتحالفات موضعية يمكن أن تتطور إلى علاقات أمنية وسياسية أكثر عمقًا.

تقارب سياسي لا يمنع القصف

رغم ما أُشيع مؤخرّا عن فتح قنوات تواصل غير مباشرة بين الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع والحكومة الإسرائيلية، في إطار مساعٍ لتقليل التصعيد العسكري في جنوب سوريا، فإن تل أبيب لم تتردد في تنفيذ عدة غارات على السويداء، وتبرير تدخلها بأنه يأتي “حمايةً للدروز”.

الشرع، الذي وصل إلى سدة الرئاسة في ظروف استثنائية ودون انتخابات، يواجه انتقادات داخلية متزايدة حول طريقة إدارته للملف السيادي، خصوصًا في ظل غياب أي موقف حازم تجاه الهجمات الإسرائيلية. ويبدو أن تل أبيب تتعامل مع هذا الانفتاح السياسي الناشئ لا كفرصة للتفاهم، بل كنافذة لإعادة رسم نفوذها جنوب سوريا، بعيدًا عن أي اعتبار للسيادة أو للحساسيات الوطنية.

استنساخ “النموذج الداخلي”

تستند إسرائيل في سياساتها تجاه السويداء إلى تجربة سابقة نجحت نسبيًا في الداخل الإسرائيلي، حيث نسجت علاقات خاصة مع الدروز والبدو، رغم الفروقات الكبيرة بين هذين المكونين.

فالدروز، الذين أُلزِموا بالخدمة العسكرية منذ خمسينيات القرن الماضي، أصبحوا جزءًا لا يتجزأ من المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية. مقابل ذلك، مُنحت هذه الفئة امتيازات تعليمية ووظيفية، وشهدت حضورًا سياسيًا محدودًا لكنه ملحوظ داخل الكنيست والدوائر الحكومية، ما سبّب حسب المنتقدين هوّة بين الانتماء القومي العربي والولاء للدولة الإسرائيلية، ولا يزال يثير جدلاً داخل الطائفة نفسها.

أما البدو، وهم ليسوا طائفة دينية بل شريحة سكانية متعددة الانتماءات، فقد تم استيعاب جزء منهم في وحدات الجيش الإسرائيلي، خاصة تلك العاملة في حراسة الحدود والمهام الصحراوية، وسط سياسة رسمية لتشجيع التجنيد الطوعي عبر تقديم حوافز اقتصادية وفرص تعليمية. ورغم استمرار التمييز المؤسسي ضدهم في مجالات مثل التخطيط والخدمات بشهادة منظمات حقوقية مثل العفو الدولية، إلا أن حضورهم في المؤسسة الأمنية يشكّل عنصرًا وظيفيًا بالغ الأهمية لإسرائيل.

هذه التجربة في “دمج الأقليات وفقًا لمعادلة الولاء مقابل الامتيازات”، تحاول إسرائيل تصديرها اليوم إلى بيئات خارج حدودها، وتحديدًا إلى السويداء، حيث تروّج لفكرة أن ارتباطها بالدروز السوريين هو امتداد طبيعي لعلاقتها التاريخية مع دروز الداخل.

شرعنة الوجود الإسرائيلي في الجولان

ويرى المنتقدون أن الغارات على السويداء، والتصريحات المتكررة حول “الدفاع عن الدروز”، تدخل في إطار مشروع يهدف لتثبيت الوجود الإسرائيلي في الجولان المحتل، وإضفاء مشروعية سياسية عليه عبر ربطه بأدوار إنسانية وأمنية مفترضة. خصوصا في ظل مواقف حازمة من قادة الدولة العبرية أن الجولان سيبقى إسرائيليا.

فمن خلال توثيق علاقات محلية مع بعض مكونات المجتمع الدرزي في الجنوب السوري، تأمل إسرائيل في خلق شراكات تؤمّن لها نفوذًا ميدانيًا يبرّر وجودها السياسي والعسكري ويحميها من أي تهديد يأتي عبر الحدود. وبالتالي، فإن ما تقوم به تل أبيب في الجنوب السوري اليوم، وتحديدًا في محافظة السويداء، هو استكمال مساع لترسيخ نفوذها من خلال كسب ودّ الأقليات أكانت هذه الأقليات تعيش ضمن حدودها أو في محيطها المباشر.

وفي ظل هشاشة الدولة الوليدة في دمشق وتراجع سيطرتها على بعض المناطق، وفي غياب أي مشروع وطني جامع في سوريا، ثمة مساحة كبيرة للتمدّد وبناء شبكات نفوذ غير مباشرة خصوصا وأن بعض الدروز طالبوا الاثنين بحماية دولية عندما اندلعت الاشتباكات. ما يهدد بتقويض الدولة وتكريس حالة الانقسام في بلد لا زال يلملم جراحه جراء أكثر من 14 عاما من حرب أهلية مدمّرة وحكم شمولي استمر أكثر من خمسة عقود.

السويداء ساحة اختبار

ويرى بعض المراقبين أن التدخل الإسرائيلي في السويداء يتم في إطار إعادة رسم توازنات المنطقة التي ترزح تحت وطأة االتناقضات الطائفية والفراغات الأمنية. فهل تنجح دمشق في استعادة زمام المبادرة عبر معالجة أسباب التوتر ونزع فتيل الأزمة أم يبقى الجنوب السوري عرضة للاضطرابات المتكررة كل حين ما يهدد وحدة سوريا واستقرار الإقليم برمته؟.

شاركها.
Exit mobile version