اعلان

حذّرت وكالات الأمم المتحدة العاملة في غزة من أن الوضع الإنساني في القطاع أصبح “مروعًا”، بعدما نفدت في الأيام الأخيرة مخزونات الغذاء لدى منظمات الإغاثة الأساسية، في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي الذي يمنع دخول المساعدات الإنسانية منذ نحو شهرين.

وفي سياق متصل، تعقد محكمة العدل الدولية جلسات استماع تستمر لأسبوع، تبحث في مدى امتثال إسرائيل لواجبها القانوني بـ”ضمان وتسهيل” وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين الفلسطينيين في غزة، وسط تصاعد القلق الدولي حيال تدهور الأوضاع المعيشية.

وكانت إسرائيل قد منعت إدخال المساعدات إلى القطاع في الثاني من آذار/مارس، وعادت إلى تصعيد حملتها العسكرية في الثامن عشر من الشهر ذاته، في محاولة للضغط على حركة حماس من أجل الإفراج عن الرهائن المتبقين، كما تزعم.

إضافة إلى ذلك، فرضت السلطات الإسرائيلية حظرًا على التعاون مع وكالة الأونروا في كل من غزة والضفة الغربية المحتلة، متهمةً الوكالة بأنها “مخترقة” من قبل حركة حماس، وهي اتهامات تنفيها الأمم المتحدة نفيًا قاطعًا.

وفي تصريح لـ”يورونيوز”، قالت تيس إنغرام، مسؤولة التواصل في منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إنه تم توثيق نحو 10,000 حالة سوء تغذية بين الأطفال في غزة منذ بداية العام الجاري، منها 1,600 حالة تعاني من مستويات حادة في سوء التغذية.

وتشير البيانات إلى أن الفئة الأكثر تضررًا تشمل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر وخمس سنوات.

ارتفاع مقلق في حالات سوء التغذية بين أطفال غزة

يشهد قطاع غزة تدهورًا خطيرًا في الوضع الصحي للأطفال، مع تضاعف عدد حالات الأطفال الذين يُعانون من سوء التغذية الحاد خلال شهر واحد تقريبًا، وفقًا لما أعلنته اليونيسف.

في شباط/فبراير، خلال فترة وقف إطلاق النار، تلقّى 2,027 طفلًا علاجًا من سوء التغذية الحاد، وارتفع العدد في آذار/مارس إلى 3,696 طفلًا، بحسب أرقام رسمية نشرتها المنظمة. وأفادت الأمم المتحدة بأن سوء التغذية الحاد كان شبه غائب في غزة قبل اندلاع الحرب على القطاع، والتي دخلت شهرها الثامن عشر.

وفي هذا السياق، قالت إنغرام إن الأطفال دون سن الخامسة هم “الأكثر عرضة” للإصابة بسوء التغذية بسبب “احتياجاتهم الغذائية الخاصة”. وأضافت: “في غياب إمدادات غذائية كافية، سنشهد تزايدًا في عدد الأطفال المصابين بسوء التغذية. وبدون علاج، فإن حالتهم ستتفاقم، ما قد يؤدي إلى مضاعفات تهدد حياتهم”.

وأشارت إلى أن مخزونات اليونيسف من المواد الغذائية المخصصة للوقاية من سوء التغذية، مثل المكمّلات الدقيقة، “استُنفدت بالكامل”، بينما تراجعت مخزونات الأغذية المستخدمة في معالجة الحالات الحادة.

وحذّرت إنغرام من أن سوء التغذية الحاد يتطلب تدخلًا طبيًا دقيقًا، لما له من تداعيات طويلة الأمد على صحة الأطفال، ولا سيما نمو الدماغ.

وفي السياق ذاته، ذكرت أن مسحًا ميدانيًا أُجري مؤخرًا أظهر أن 90% من الأطفال دون سن الثانية يتناولون فقط مجموعتين غذائيتين أو أقل، هما حليب الأم والحبوب. وقالت: “إنه نمط غذائي لا يكفي لنمو الطفل أو تطوره، وقد استمر لعدة أشهر”.

وخلال زيارة قامت بها إلى شمال غزة في شباط/فبراير، نقلت إنغرام عن أطباء محليين قولهم: “لم نعد نرى أطفالًا بوزن طبيعي. معظمهم يولدون بوزن منخفض أو قبل أوانهم، نتيجة النقص الحاد في تغذية الأمهات وعدم حصولهن على ما يكفي من العناصر الضرورية أثناء الحمل”.

وتكابد العائلات في غزة ظروفًا بالغة القسوة في ظل تقلص الإمدادات الغذائية، فيما تحاول بعضها شراء ما يتوفر في الأسواق، رغم أن الأسعار ارتفعت بشكل جنوني، وفقًا لما قالته إنغرام. كما أكدت تعليق حملة التطعيم ضد شلل الأطفال التي كانت مقررة في نيسان/أبريل، نتيجة القصف والحصار، مما فاقم من خطورة الوضع الصحي.

وكان قد تم تنظيم جولتين فقط من حملات التحصين ضد شلل الأطفال منذ العام الماضي، بينما لا يزال عشرات الآلاف من الأطفال إما غير محصنين أو لم يتلقوا سوى جرعة واحدة من اللقاح.

اعلان

واختتمت إنغرام حديثها بالإشارة إلى تدهور الصحة النفسية للأطفال ومقدّمي الرعاية لهم. وتحدثت عن حالة طفلة في الخامسة من عمرها فقدت والديها، ثم انفصلت لفترة عن جدتها التي تتولى رعايتها، ما أدّى إلى دخولها في حالة من الصمت استمرت لأشهر.

تحذيرات من مجاعة وشيكة في غزة

أفادت منظمة “ميرسي كور” غير الحكومية بأن الأوضاع في غزة تتدهور بوتيرة سريعة، ووصفت الوضع الميداني بأنه شديد البؤس. ونقل أحد أعضاء الفريق العامل في القطاع في بيان شاركه مع “يورونيوز” أن “الحياة تزداد سوءًا من جميع النواحي”، مشيرًا إلى النقص الحاد في المواد الغذائية، حيث لم يتبق في الأسواق سوى بعض المعلبات والبقوليات والخضروات المحلية التي تُباع بأسعار باهظة.

وأوضح المصدر أن السكان يعتمدون على ما تبقى لديهم من أطعمة معلبة أو معكرونة مخزنة، أو يضطرون لدفع أثمان باهظة مقابل القليل المتوفر، مضيفًا أن “انهيار الأنظمة الغذائية ترك العديد من العائلات عاجزة حتى عن تأمين وجبة يومية واحدة”.

من جهته، وصف جوناثان فاولر، مدير الاتصال لدى وكالة الأونروا، الوضع في القطاع بأنه “مروع”، مؤكداً أن كل ساعة تمر تحت الحصار تدفع المزيد من الناس نحو خطر سوء التغذية. وتوقع فاولر “انتشار سوء التغذية الحاد على نطاق واسع”، محذرًا من أن الوكالة لا تملك الوسائل اللازمة لمواجهة هذا التدهور، في ظل غياب تام لدخول الأغذية الطبية المُخصصة لعلاج الحالات الأشد خطورة، كتلك التي توفرها اليونيسف.

اعلان

وأشار فاولر إلى أن الأونروا لم تعد تملك دقيقًا لتزويد المطابخ التي تديرها، وأنها وزعت في نهاية الأسبوع الماضي آخر ما تبقى لديها من مساعدات غذائية طارئة، وهي 250 عبوة تحتوي كل منها على أغذية مجففة ومعلبة تكفي لأسبوعين فقط. كما أكد أن برنامج الأغذية العالمي قد استنفد أيضًا مخزونه من المواد الغذائية خلال هذا الأسبوع.

وقال فاولر: “نحن نسير باتجاه المجاعة… هذا الخطر يحدق بنا”.

فيما يتعلق بالمستلزمات الطبية، لفت إلى أن ثلث الأدوية الأساسية، ومنها أدوية السكري والمضادات الحيوية والعلاجات الموضعية، قد نفدت بالفعل، ومن المتوقع أن ينفد ثلث آخر خلال الأسابيع القليلة المقبلة. ورغم ذلك، أكد فاولر أن إرسال المساعدات الإنسانية إلى غزة متوقف حاليًا على إعادة فتح المعابر، موضحًا أن الأونروا تمتلك نحو 3,000 شاحنة محملة بمساعدات تنتظر السماح لها بالعبور.

كما صرّح برنامج الأغذية العالمي أن لديه أكثر من 116 ألف طن متري من المواد الغذائية، تكفي لإطعام مليون شخص لمدة تصل إلى أربعة أشهر، وُضِعت قيد الانتظار تمهيدًا لنقلها إلى غزة فور فتح المعابر.

اعلان

وأضاف فاولر أن حوادث نهب المساعدات واقتحام القوافل، التي تكررت خلال الحرب، قد تراجعت خلال فترة وقف إطلاق النار، نتيجةً لتدفق المساعدات بشكل أكبر. وقال: “إذا كان هناك نقص، تصبح المساعدات سلعة ذات قيمة، ويمكن أن تُستغل لأغراض إجرامية”.

وحاولت “يورونيوز” الحصول على تعليق من وزارة الدفاع الإسرائيلية، والجيش الإسرائيلي، ومكتب تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، لكن أياً من الجهات الثلاث لم يرد حتى وقت نشر التقرير.

شاركها.
Exit mobile version