تستعد الحكومة الألمانية الجديدة، بقيادة المستشار المرتقب فريدريش ميرتس، لاعتماد نهج أكثر تشددًا في ملف الهجرة، مع الإعلان عن إجراءات صارمة ستُطبّق على حدود البلاد بدءًا من 6 مايو، فور أداء ميرتس اليمين الدستورية.
وقد أعلن ثورستن فراي، الرئيس القادم لديوان المستشارية، أن السلطات ستشرع في رفض دخول طالبي اللجوء غير الموثقين عند الحدود مباشرة، مؤكدًا أن “من يحاول دخول ألمانيا بشكل غير قانوني، عليه أن يدرك أن الحدود ستكون نهاية الطريق اعتبارًا من ذلك التاريخ”.
وأوضح فراي، في تصريحات أدلى بها لصحيفة تابعة لمجموعة “فونكه” الإعلامية، أن الحكومة الجديدة تعتزم من اليوم الأول تكثيف عمليات التحقق من الهوية على الحدود، وتوسيع نطاق الرقابة الأمنية، في خطوة قد تثير تحفظات من المفوضية الأوروبية بشأن مدى توافقها مع قوانين الاتحاد الأوروبي.
وقد جاءت هذه التصريحات عقب إعلان الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) موافقته على الانضمام إلى حكومة ائتلافية يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) بزعامة ميرتس، بالتحالف مع حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي البافاري، ما يتيح تشكيل أغلبية حاكمة جديدة.
وشدّد فراي على أن مبدأ اختيار بلد اللجوء لم يعد مقبولًا، قائلاً: “لا يمكن لأي شخص أن يقدّم طلب لجوء في البلد الذي يرغب به”، موضحًا أن التشريعات الأوروبية تنص على تقديم الطلب في أول دولة يدخلها الشخص داخل الاتحاد الأوروبي، وهو ما “نادراً ما تكون ألمانيا” على حدّ تعبيره.
وتعكس هذه التصريحات تحوّلًا واضحًا في الخطاب الرسمي بشأن الهجرة، وتوجّهًا نحو سياسة أكثر ضبطًا للحدود، في ظل ضغوط داخلية متزايدة لمراجعة منظومة اللجوء ومكافحة الهجرة غير النظامية.
ورغم أن القانون يمنح ألمانيا، من الناحية الفنية، صلاحية رفض دخول الأفراد الذين لا يحملون وثائق سفر صالحة عند حدودها، إلا أن هذا الحق مقيّد بإطار قانوني معقّد، لا سيما عندما يتعلق الأمر بطالبي اللجوء. فبموجب قانون الاتحاد الأوروبي للجوء، واتفاقية جنيف لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، إضافة إلى التشريعات الوطنية الألمانية، تُلزَم السلطات عمومًا بالسماح بدخول من يطلب اللجوء على الحدود، كي يُنظر في طلبه ضمن الإجراءات الرسمية.
وكانت ألمانيا قد شددت من تدابيرها الحدودية في سبتمبر 2024، حين أعلنت فرض عمليات تفتيش مؤقتة على حدودها البرية التسع، كجزء من مساعٍ للحد من تدفق الهجرة غير النظامية. ومع أن هذه الخطوة اعتُبرت مؤقتة في البداية، فإنها ما لبثت أن مُدّدت، ما أثار ردود فعل غاضبة من بعض الدول المجاورة.
ومن أبرز المنتقدين كان رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، الذي وصف هذه الإجراءات بأنها تتناقض بشكل مباشر مع جوهر اتفاقية شنغن، التي تقوم على مبدأ التنقل الحر بين الدول الأعضاء دون قيود حدودية. كذلك، عبّرت دول أخرى، كالنمسا، عن تحفظها على إعادة استقبال المهاجرين الذين رفضت ألمانيا دخولهم، في ظل غياب تنسيق أوروبي مشترك واضح المعالم بشأن تقاسم أعباء الهجرة واللجوء.
إجراء مثير للجدل
لا يزال الغموض يكتنف مدى قبول الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء لقرار ألمانيا المضي في تشديد التدقيق على حدودها، واحتمال إبعاد طالبي اللجوء مباشرة عند نقاط العبور. فبينما تواصل المفوضية الأوروبية التأكيد على أهمية اتباع نهج جماعي ومنسّق في معالجة ملف الهجرة، فإن الخطوة الألمانية قد تُثير توتراً داخل المنظومة الأوروبية، خاصة في حال تعارضها مع الإطار القانوني الموحّد.
وفي هذا السياق، أعلن ثورستن فراي أن الحكومة المقبلة بدأت بالفعل مشاورات تنسيقية مع دول الجوار، مثل فرنسا، والنمسا، وبولندا، مؤكداً أن “التغييرات المرتقبة” حظيت، وفق تعبيره، بـ”موافقة واسعة للغاية”. غير أن المفوضية الأوروبية لم تُصدر أي تعليق فوري بشأن هذه الإعلانات، رغم أنها شددت مراراً على أن عمليات الإعادة المباشرة على الحدود تُعدّ مخالفة لقوانين الاتحاد، وطالبت الدول الأعضاء بضمان وصول جميع طالبي اللجوء إلى إجراءات عادلة ومنصفة.
وعلى الرغم من أن بروكسل منحت بولندا استثناءً مؤقتًا يتيح لها تعليق العمل بحق اللجوء في ظروف خاصة، فإن هذا الحكم يُطبّق فقط في الحالات التي تُستخدم فيها الهجرة كأداة ضغط سياسي أو أمني من قبل جهات خارجية، وهي ظروف لا تنطبق على الوضع القائم في ألمانيا. الأمر الذي يفتح الباب أمام تساؤلات قانونية وسياسية حول مدى شرعية الخطوات الألمانية المقبلة، واحتمال تصادمها مع المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام اللجوء الأوروبي.
وأوضح ثورستن فراي أن الحكومة الألمانية الجديدة، برئاسة ميرتس، تعتزم إحداث تحوّل جذري في سياسة الهجرة، لتصبح أكثر انضباطًا ومرتكزة على مبدأ “السيطرة والتقليص”. وصرّح في وقت سابق من هذا الشهر بأن الحكومة أبرمت اتفاقات واضحة بشأن قضايا الإبعاد والمراقبة الحدودية، بما في ذلك إعادة بعض اللاجئين إلى بلدان مثل أفغانستان وسوريا، مشيرًا أيضًا إلى مبادرات مرتقبة على المستوى الأوروبي لتعزيز هذا التوجه.
وفيما يتعلّق باتفاق الائتلاف الحكومي، فإنه لا يدعو إلى فرض تفتيش دائم على الحدود أو اعتماد حظر شامل على دخول المهاجرين غير الموثقين، بل يركّز على مبدأ رفض دخول طالبي اللجوء القادمين من دولة عضو أخرى في الاتحاد الأوروبي، في إطار تطبيق أكثر صرامة لاتفاقية دبلن الخاصة بتنظيم إجراءات اللجوء داخل التكتل.
وينص الاتفاق على أن هذه التدابير يجب أن تُنفَّذ “بتنسيق كامل مع الشركاء الأوروبيين”، وهو بند دفع الحزب الاشتراكي الديمقراطي إلى الإصرار على ضرورة الحصول على موافقة صريحة من الدول المجاورة قبل المضي في الإجراءات. غير أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وعلى رأسه ميرتس، اعتبر سابقًا هذا الشرط غير ضروري، ما يعكس تباينًا واضحًا في مقاربة الشريكين الحكوميين لمسألة التعاون الإقليمي في إدارة الحدود واللجوء.