بقلم:&nbspيورو نيوز

نشرت في

اعلان

مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار في محافظة السويداء بين الدروز والقوات الحكومية، علامات استفهام كثيرة تُطرح حول أسباب اندلاع شرارة المواجهة، والدوافع التي جعلت الرئيس أحمد الشرع يأمر بدخول القوات الحكومية بالقوة إلى المحافظة.

وفي هذا السياق، تشير وكالة رويترز، نقلًا عن مصادر، إلى أن “القيادة السورية اعتقدت أن تصريحات دبلوماسية أمريكية ومحادثات أمنية مع إسرائيل منحتها غطاءً ضمنيًا لإرسال قواتها إلى محافظة السويداء المضطربة”.

لكن ذلك الفهم، الذي تبين لاحقًا أنه خاطئ، فجّر تصعيدًا دمويًا أوقع مئات القتلى وأدى إلى ضربات إسرائيلية مفاجئة استهدفت مواقع في الجنوب والعاصمة دمشق.

وأفادت ثمانية مصادر مطلعة لرويترز، من بينها مسؤولون سياسيون وعسكريون سوريون، ودبلوماسيون غربيون، ومصادر أمنية إقليمية، بأن دمشق ظنت أنها حصلت على “الضوء الأخضر” لتحركها، بعد رسائل وتصريحات من مسؤولين أميركيين، أبرزهم المبعوث الخاص توماس باراك، الذي دعا مرارًا إلى حكم مركزي لسوريا، دون أي شكل من أشكال الفيدرالية.

وبحسب هذه المصادر، رأت القيادة السورية في هذه الدعوات الأميركية، إضافة إلى محادثات أمنية غير معلنة جرت مؤخرًا مع إسرائيل في العاصمة الأذربيجانية باكو، مؤشرات على قبول ضمني بنشر قوات الجيش في الجنوب لاستعادة السيطرة على السويداء.

لكن هذه التقديرات، وفق أحد الدبلوماسيين المقيمين في دمشق، “لم تعكس الواقع”، إذ جاءت الضربات الإسرائيلية لتقوّض هذا الفهم، في وقت كانت فيه القوات السورية قد بدأت بالفعل تحركات عسكرية ميدانية ترافقت مع تقارير عن انتهاكات جسيمة ضد المدنيين.

دماء في السويداء ورسائل متضاربة

العملية العسكرية التي أطلقتها دمشق يوم الاثنين، وشملت إرسال دبابات وقوات إلى السويداء، هدفت رسميًا – بحسب الحكومة – إلى “وقف الاشتباكات الطائفية” بين فصائل مسلحة من الطائفة الدرزية وقبائل بدوية. لكن الأحداث سرعان ما تحولت إلى ما وصفه مسؤولون خليجيون لرويترز بـ”انتهاكات فادحة”، تضمنت إعدامات ميدانية وممارسات مهينة ضد السكان الدروز، ما منح إسرائيل، وفق مصدرين، فرصة للتدخل عسكريًا تحت شعار “حماية الدروز” والحفاظ على التفاهمات الأمنية السابقة حول جنوب سوريا كمنطقة منزوعة السلاح.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن صراحة أن بلاده تدخلت لمنع تمركز القوات السورية في الجنوب، مؤكدًا التزام إسرائيل التاريخي بـ”حماية الدروز”.

في المقابل، سارع الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع إلى إعلان محاسبة المتورطين في الانتهاكات، محملًا “جماعات خارجة عن القانون” مسؤولية الجرائم المرتكبة، دون أن يوضح ما إذا كانت القوات الحكومية من بينها.

رغم الاتهامات الضمنية الموجهة للإدارة الأميركية بتقديم إشارات خادعة، شدد متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية على أن بلاده لم تدعم الضربات الإسرائيلية الأخيرة، مؤكدًا في الوقت ذاته تمسك واشنطن بوحدة الأراضي السورية وحق الدولة في حماية جميع مكوناتها، بما في ذلك الأقليات.

المبعوث الأميركي توماس باراك، الذي لعب دورًا محوريًا في تشكيل فهم دمشق للمرحلة، كان قد صرح مرارًا – علنًا وخلال لقاءات في دمشق – بأن سوريا يجب أن تبقى “موحدة، بلا كيانات ذاتية الحكم” للأكراد أو العلويين أو الدروز. وهي تصريحات قال محللون إنها فسرت لدى النظام السوري كتشجيع على إعادة فرض السيطرة بالقوة على المناطق الخارجة عن قبضته، ومنها جبل الدروز.

لكنّ وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو وصف ما حدث في السويداء بـ”سوء تفاهم خطير”، وأعلن أن واشنطن، إلى جانب دول أخرى، ساهمت في التوصل إلى وقف إطلاق النار بحلول مساء الأربعاء.

باكو… حيث اختلطت الرسائل

أحد أبرز المفاتيح في فهم الموقف السوري كان الاجتماع الأمني السوري-الإسرائيلي الذي انعقد في باكو الأسبوع الماضي. تقول مصادر سورية وغربية لرويترز إن الاجتماع أسفر عن “تفاهم أولي” سمح لدمشق بالاعتقاد أنها قادرة على نشر قواتها في الجنوب دون رد فعل إسرائيلي.

لكن بعد يومين فقط من التصعيد، عادت إسرائيل لتعلن – يوم الجمعة – موافقتها على دخول محدود للقوات السورية إلى السويداء خلال 48 ساعة، وهو ما استتبعه إعلان دمشق عن إرسال قوة أمنية جديدة “مخصصة لوقف العنف الطائفي” المستمر حتى صباح السبت.

تقول مصادر استخباراتية إقليمية إن قيادة الشرع، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية، لا تزال تفتقر إلى الانضباط العسكري، وتعتمد على جماعات مسلحة ذات خلفية إسلامية، ما أدى إلى تكرار الانتهاكات ضد المدنيين. وتشير المصادر نفسها إلى أن الشرع لم يكن “مسيطرًا فعليًا” على مسرح العمليات في السويداء.

ويبدو أن حادثة السويداء أعادت التذكير بمجزرة مشابهة وقعت في الساحل السوري خلال مارس/آذار الماضي، حين قُتل مئات من العلويين على يد قوات متحالفة مع الشرع، ما عمّق هوّة الشك والرفض في صفوف الأقليات تجاه الحكومة الجديدة.

شاركها.
Exit mobile version