نشرت في
تشهد مدينة المنستير التونسية أزمة بيئية بعد تسجيل تغيرات وصفت بـ”المقلقة” في لون مياه البحر، وانبعاث روائح كريهة على طول الساحل، إلى جانب نفوق جماعي ومقلق لعدد من الكائنات البحرية.
وفي ظل هذه التطورات، أطلق المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية نداءً عاجلا إلى السلطات للمطالبة بإعلان حالة طوارئ بيئية في المنطقة، ومحذّرًا من تفاقم الوضع وتأثيره المباشر على البيئة والاقتصاد المحلي.
تغير لون مياه البحر… بداية التحذير
شهدت مياه خليج المنستير خلال الأسابيع الأخيرة تغيرًا واضحًا في اللون، حيث تحولت إلى درجات داكنة تميل إلى الأحمر مصحوبة بانتشار طبقات من الطحالب غير المعتادة. وتزامنت هذه الظاهرة مع انتشار روائح كريهة في عدة مناطق ساحلية، من بينها شواطئ قراعية، كسيبة المديوني، والبقالطة.
وسرعان ما انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي صور ومقاطع فيديو توثق هذا التلوث البيئي، ما دفع إلى التحذير من السباحة أو ممارسة الصيد في مياه الخليج.
نفوق جماعي لكائنات بحرية
شهد خليج المنستير نفوقًا واسع النطاق لعدد كبير من الكائنات البحرية، شملت أنواعًا مختلفة من الأسماك وقناديل البحر ونجم البحر، إضافة إلى سقوط بعض السلاحف البحرية النافقة على الشواطئ. وتظهر الصور التي تم تداولها على منصات التواصل الاجتماعي مشاهد مقلقة لأجساد هذه الكائنات متناثرة على الرمال.
ولا يؤثر هذا النفوق الجماعي على البيئة فقط، بل يهدد مصادر رزق آلاف الأسر التي تعتمد على الصيد كمصدر رئيسي للدخل، ويضع مستقبل قطاع الصيد البحري والسياحة البيئية في منطقة المنستير على المحك.
“حالة طوارئ بيئية أصبحت ضرورية”
خلال ندوة صحفية، طالب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومكونات المجتمع المدني بالمنستير بإعلان حالة طوارئ بيئية في خليج المنستير، محذرين من خطورة الأزمة على صحة السكان والتنوع البيولوجي في المنطقة. ودعوا إلى تشكيل لجنة أزمة متعددة التخصصات، بالإضافة إلى عقد مجلس وزاري خاص لإقرار حلول عاجلة وتأمين تمويلات فورية.
وقدّم المشاركون ما يُعرف بـ”مشروع الكاهنة”، والذي يتضمن إنشاء محطة كبيرة لمعالجة المياه المستعملة، معتبرين أن هذا المشروع يشكل حلاً عمليًا للخروج من الأزمة المتفاقمة. كما شددوا على ضرورة تفعيل مبدأ المحاسبة البيئية، مع ضمان مشاركة المجتمع المدني في صياغة استراتيجية بيئية مستدامة للمنطقة.
الرئيس سعيّد يزور خليج المنستير
أدى رئيس الجمهورية قيس سعيّد زيارة فجئية إلى المنطقة المتضررة، وقد أقرّ في تصريح مقتضب بأن “البحر لم يعُد كما كان”، مؤكدًا على “ضرورة محاسبة كل من يتسبّب في تلوث البيئة”.
ويُجمع خبراء البيئة في تونس على أن ما يحدث في خليج المنستير ليس حدثًا معزولًا، بل نتيجة مباشرة لسوء التخطيط العمراني، وضعف البنية التحتية للتطهير، وانعدام الرقابة البيئية الصارمة. كما أن التغيّرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة تُسرّع من تحلل المواد العضوية وتفاقم التلوث.
وتُحذر الجمعيات البيئية من أن عدم التدخل السريع قد يجعل الأزمة خارج السيطرة، ويحوّل الخليج إلى منطقة ميتة بيئيًا.
وتعود جذور الأزمة إلى أكثر من 30 عامًا، منذ توسّع الاستثمارات الصناعية بالمنطقة، ولا سيما مصانع النسيج التي تعتمد على المواد الكيميائية، حيث تضم الجهة أكثر من 45 وحدة معالجة، بالإضافة إلى ثلاث محطات تطهير تصبّ مباشرة في مياه الخليج، وتُفرغ أكثر من 40 ألف متر مكعب من المياه الملوثة يوميًا.
وقد تسببت هذه الكميات الضخمة من المياه المستعملة، في تصحّر الشريط الساحلي، ونفوق الكائنات البحرية، وانبعاث روائح كريهة، وتفاقم انتشار الأمراض الجلدية ناهيك عن الإضرار بمنظومة الصيد البحري.