في مقهى “دامسكو” في الرياض، مظاهر كثيرة من الثقافة والتقاليد السورية: من الفول المدمس إلى الأغاني الشعبية التي تصدح من مكبّرات الصوت، وصولا الى الروّاد الذين ينقسمون حول مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في القمة العربية المرتقبة الجمعة، ما يعكس حال البلاد التي تمزقها الحرب منذ أكثر من 12 عاما.

ووظّفت إدارة المقهى شخصا يشبه الممثل الكوميدي السوري المحبوب دريد لحام، يقضي معظم مناوبته في التقاط صور “سلفي” مع الزبائن. لكن هذه الوحدة في الحنين الى الوطن لا تنعكس على الموقف من قدوم الأسد الى السعودية التي يصفها السوريون المغتربون ب”بلدهم الثاني”، لحضور القمة العربية.

ويأمل البعض في أن تفضي هذه الخطوة التي تنهي عزلة الأسد بعد أكثر من عشر سنوات على تعليق عضوية بلاده في جامعة الدول العربية، في تخفيف عزلة سوريا والصعوبات الاقتصادية المرتبطة بها منذ بدء الحرب فيها في العام 2011.

وتقول السورية هبة صيداوي (37 عاما) “كنا ننتظر هذه اللحظة”، مضيفة “من العذاب الآن زيارة بلدنا ورؤية أهلنا. لم تحقّق الحرب أي شيء”.

ومع توقّف الطيران المباشر بين البلدين لسنين، اضطر آلاف السوريين في السعودية لتحمّل مشقة السفر لساعات أطول بتكلفة أكبر لزيارة أسرهم.

من جهة أخرى، هناك من لا يستطيع تحمّل فكرة وجود الأسد على الأراضي السعودية، وتحدث هؤلاء بشرط عدم الكشف عن هويتهم.

وتقول إحداهن “أنا أكرهه! أكرهه!”، قبل أن تتابع “يأتي من أجل ماذا، ماذا سيفعل؟ هل سيصلح الأمور؟ هل سيغيّر البلد؟”.

وترى أنّ الأسد “هو الوحيد الذي يحتاج إلى التغيير. أريد أن أقول بصوت عالٍ إنني ضده، ولكن لدي أقارب في سوريا، سيوقفونهم جميعا ويقتلونهم”.

“هل يشفي آلامنا؟”

وقطعت السعودية ودول عربية أخرى علاقاتها مع حكومة الأسد في عام 2012 ردا على حملة قمع الاحتجاجات ضد النظام التي تطورت الى حرب أهلية أودت بحياة أكثر من 500 ألف شخص وشرّدت الملايين داخل وخارج سوريا.

وبدأت الخطوات المؤدية إلى إعادة سوريا الى الحاضنة العربية في العام 2018، حين أعادت الإمارات العربية المتحدة العلاقات مع دمشق.

لكن العملية برمتها تسارعت بعد الزلزال الكبير الذي ضرب سوريا وتركيا في شباط/فبراير الفائت، ما أدى إلى تدفق المساعدات من المنطقة.

خلال ذروة النزاع، أيّد المسؤولون السعوديون علناً فكرة الإطاحة بالأسد.

لكن بعد الزلزال، صرّح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن هناك إجماعًا في العالم العربي على أن “نهجًا جديدًا” حيال سوريا يتطلّب مفاوضات مع دمشق، سيكون ضروريًا لمعالجة الأزمات الإنسانية.

وقد تبادل وزيرا خارجية البلدين الزيارات منذ ذلك الحين، وضغطت الرياض بشدة من أجل دعوة الأسد لحضور قمة الجمعة في جدة.

ويقول أحد روّاد “دامسكو” إنّ أخبار وصول الأسد الوشيك الى السعودية ليست شيئًا يُحتفل به. ويضيف “كيف يمكنني أن أكون متفائلا بشأن ذلك؟ كلما نظرت في وجهه أتذكّر عدد الأشخاص الذين ماتوا بسببه”.

ويتساءل “هل يعيد حبيبنا الذي مات؟ هل يشفي آلامنا وجراحنا؟”.

لكن فاطمة تعتبر أن زيارة الأسد تثير آمالا في عودة الأمور إلى طبيعتها قبل الحرب، على الرغم من عدم وجود حل سياسي للنزاع السوري.

وتقول “المشكلة الرئيسية هي السفر والاستيراد والاستثمار. هذه كلها أشياء أغلقت”، مضيفة “الآن سوف تعود إلى طبيعتها وسوف تتحسّن الأمور”.

ويشارك أحمد عبد الوهاب الذي يقدم عرضًا في المقهى، فاطمة تفاؤلها. ويقول “في الماضي تُركنا وحدنا… الآن نعود معا”، في إشارة إلى جامعة الدول العربية.

في الوقت نفسه، يشدّد على أن عودة سوريا لا تقضي على آلام السنوات الـ12 الماضية.

ويقول وهو يغالب دموعه، “أي سوريّ عندما تتحدث معه عن وطنه، ترى الدموع في عيونه”. ويتابع “بلدنا عاد 500 عام إلى الخلف. إنه أكثر من قهر. وكأن قلبك يحترق”.

شاركها.
Exit mobile version