بقلم:&nbspيورونيوز

نشرت في

اعلان

كشفت وكالة “رويترز” في تحقيق استقصائي موسّع أن النظام السوري يعيد رسم ملامح اقتصاده بهدوء، من خلال لجنة غير معلنة يقودها حازم الشرع، الشقيق الأكبر للرئيس أحمد الشرع، وتضم في عضويتها رجال أعمال نافذين وشخصيات مدرجة على قوائم العقوبات، أبرزهم إبراهيم سكريّة المعروف بـ”أبو مريم الأسترالي”.

هذه اللجنة تعمل خارج سلطة الحكومة السورية الرسمية، وتمتلك صلاحيات استثنائية شملت في الأشهر الماضية الاستحواذ على أصول بمليارات الدولارات من نخبة رجال الأعمال المرتبطين بالنظام السابق، مقابل منحهم العفو أو تسويات قانونية تُنهي ملاحقتهم.

من مصادرة الأصول إلى الشراكات: كيف تعمل اللجنة؟

بدأت اللجنة تحركاتها في أوائل عام 2024، بتفويض غير معلن من الرئاسة السورية، بحجة “استعادة الأموال المنهوبة وإعادة هيكلة الاقتصاد”. لكن التحقيق يشير إلى أن طريقة عملها لا تعتمد على المساءلة القانونية، بل على التفاوض المباشر مع رجال الأعمال، وتقديم خيارين: إما المصادرة الكاملة، أو الدخول في شراكات تخضع لسيطرتها.

ومن أبرز هذه الحالات، مصادرة حصة رجل الأعمال عماد غزال في شركة الاتصالات الوطنية، حيث تم منحه خيار تسليم نسبة 51% لصندوق سيادي تابع للجنة، مقابل الإبقاء على بقية أعماله دون مساءلة. كما طالت الحملة شركات طيران، وشبكات لوجستية، ومؤسسات تجارية واسعة النفوذ.

وأنشأت اللجنة صندوقًا سياديًا في يوليو/ تموز 2025 بإشراف مباشر من حازم الشرع، يُزعم أن الهدف منه هو تمويل مشاريع البنية التحتية والخدمات الأساسية. لكن لم تُعلن آلية إدارة هذا الصندوق، ولا أسماء المساهمين فيه، ما أثار مخاوف محلية ودولية من تحوّله إلى أداة لتعزيز نفوذ نخبة جديدة على حساب الشفافية والعدالة الاقتصادية.

وأكد مسؤول سوري سابق لـ “رويترز”، رفض الكشف عن اسمه، أن “اللجنة لا تخضع لأي رقابة برلمانية أو قضائية، وتعمل بتوجيه مباشر من القصر الجمهوري”، مضيفًا أن “رائحة الفساد تعود من جديد ولكن بوجوه مختلفة”.

صعود حازم الشرع: من الظل إلى مركز القرار الاقتصادي

برز حازم الشرع (49 عاماً) في الأشهر الأخيرة كشخصية محورية في السياسة الاقتصادية السورية، رغم أنه لم يتولَّ أي منصب حكومي رفيع سابقًا. في فبراير/ شباط الماضي، عُيّن مديرًا لهيئة الاستثمار التابعة للرئاسة، لكن دوره تجاوز هذا المنصب بسرعة، مع تسريبات عن إشرافه المباشر على التعديلات المرتقبة لقانون الاستثمار، ووضع استراتيجيات إعادة الإعمار.

ويصفه بعض الدبلوماسيين الغربيين بأنه “رجل الظل الحقيقي خلف الاقتصاد السوري الجديد”، بينما يعتبره آخرون محاولة من الرئيس لتجديد واجهة النظام بوجوه شابة وأكثر “قابلية للتعامل الدولي”، دون تقديم تنازلات سياسية حقيقية.

من بين أبرز الشخصيات المشاركة في اللجنة، يبرز اسم إبراهيم سكريّة، الملقب بـ”أبو مريم”، وهو رجل أعمال أسترالي من أصل لبناني مدرج على لوائح العقوبات في أستراليا منذ عام 2020، بسبب أنشطة تتعلق بغسيل الأموال وتمويل الميليشيات.

يُعتقد أن سكريّة، يدير شبكة علاقات تمتد من دبي إلى بيروت، ويعمل كوسيط غير رسمي في صفقات الاستحواذ التي تنفذها اللجنة. ورغم اسمه المثقل بالعقوبات، إلا أن وجوده في قلب عملية إعادة الهيكلة الاقتصادية يثير تساؤلات عن نوايا النظام الفعلية في إصلاح الوضع المالي للبلاد.

استثمارات خليجية تتدفق وسط الغموض

في ظل هذه التحولات، استقبلت دمشق وفدًا سعوديًا رفيعًا في يوليو/ تموز 2025 برئاسة وزير الاستثمار خالد الفالح، وتم توقيع اتفاقيات تفوق قيمتها 6 مليارات دولار، شملت قطاعات الطاقة، والبناء، والاتصالات.

لكن مصادر دبلوماسية غربية عبّرت عن قلقها من أن تكون هذه الاستثمارات مهدّدة بسبب غياب الشفافية المؤسسية، وهيمنة اللجنة غير الرسمية على القرار الاقتصادي، ما قد يدفع المستثمرين لتوخي الحذر، أو الاشتراط بضمانات سياسية ومالية عالية المخاطر.

ويرى محللون اقتصاديون أن ما يحدث في سوريا لا يرقى إلى عملية إصلاح اقتصادي شاملة، بل هو إعادة توزيع للثروة والنفوذ بين أجنحة جديدة داخل النظام. فبدلًا من محاسبة المافيات المالية التي دعمت الرئيس السوري السابق بشار الأسد لعقدين، يجري الآن منحهم “فرصة ثانية” مقابل تخلّيهم عن جزء من ممتلكاتهم.

وكتب خبير اقتصادي غربي متابع للملف السوري أن “اللجنة تُنشئ أوليغارشيا جديدة تتحدث بلغة الحداثة وتتبنّى واجهات مؤسساتية، لكنها في الجوهر تكرّر نفس النموذج الذي فجّر الاقتصاد السوري سابقًا”.

أخٌ آخر للشرع

بعيداً عن حازم، برز اسم ماهر الشرع، وهو الشقيق الأكبر للرئيس السوري، وعيّن في منصب الأمين العام لرئاسة الجمهورية العربية السورية منذ 5 أبريل/ نيسان 2025. شغل قبلها منصب وزير الصحة بالوكالة في حكومة محمد البشير من 16 ديسمبر/ كانون الأول 2024 إلى 29 مارس/ آذار 2025 بعد سقوط نظام الأسد ووصول أخيه إلى دمشق.

ذكرت عدّة تقارير صحفية أنه متزوّج من الروسية تاتيانا زاكيروفا، التي تحمل الجنسيتين الروسية والسورية، إحدى والتي تعدّ إحدى الركائز الأساسية في علاقة عائلة الشرع بالدولة الروسية.

وعاش الشرع عدّة سنوات في مدينة فارونيش الروسية، حيث حصل على دبلوم في إدارة النظم الصحية من جامعة بوردينكو فارونيش الطبية الحكومية في عام 2000. ثم أكمل تخصصه في أمراض النساء والتوليد في نفس المؤسسة في عام 2004. كما حصل على درجة الدكتوراه في العلوم الطبية وشارك في العديد من برامج التدريب المتقدمة في كل من أكاديمية فارونيش الطبية وجامعة فارونيش الطبية الحكومية.

في ظل هذه التحركات، لا يزال نصف الشعب السوري يعاني من انعدام الأمن الغذائي، وتصل معدلات الفقر إلى مستويات غير مسبوقة، فيما تُدار صفقات بمليارات الدولارات بعيدًا عن أي رقابة عامة.

ومع غياب الإصلاح القضائي، وافتقار الدولة إلى مؤسسات حقيقية لحوكمة المال العام، يخشى كثيرون أن تؤدي هذه التغييرات إلى تعزيز الاستقطاب الطبقي، بدلًا من توفير فرص شاملة للنهوض الاقتصادي.

وفي ظلّ هذه التعيينات بقرار أحادي من رئاسة الجمهورية، يبقى السؤال حول الفارق بين النظامين السابق والحالي حيث عمد كليهما لتمكين أشقاء الرئيس في دوائر صنع القرار السياسي والإقتصادي في البلاد.

شاركها.
Exit mobile version