بيزنس الأربعاء 11:34 م

بقلم:&nbspمحمد نشبت&nbspمع&nbspيورونيوز

نشرت في

اعلان

في خضم الأزمة الإنسانية المستمرة في قطاع غزة، برزت مراكز المساعدات الأمريكية إلى الواجهة حيث كان يُؤمل أن تكون عاملا في تخفيف المعاناة وإذ بها تتحول إلى أداة ومصيدة للموت كما وصفها مسؤولون أمميون. حيث تكشف الوقائع عن مشهد مروّع، أصبحت هذه المراكز ساحة للفوضى ولمواجهات دامية، أسفرت عن سقوط عشرات الضحايا.

مؤسسة “غزة الإنسانية” الأمريكية.. واجهة إغاثية تتحول إلى بؤرة أزمات

برزت مؤسسة “غزة الإنسانية” (GHF) – المدعومة أمريكياً – كأبرز لاعب في مشهد توزيع المساعدات بالقطاع المحاصر، وسط ادعاءات بتحقيق “خطة طموحة” لتغطية احتياجات مئات الآلاف من الفلسطينيين. إلا أن الواقع الميداني يكشف فجوة كبيرة بين الشعارات والممارسة على أرض الواقع، حيث تحولت مراكز التوزيع التابعة لها إلى مسارح للفوضى والعنف. 

شهدت مراكز التوزيع التابعة للمؤسسة اقتحامات واسعة من قبل آلاف الغزيين اليائسين، في مشهد يعكس عمق الكارثة الإنسانية. وعلى الرغم من نفي “GHF” لأي تورط لها، فإن مصادر محلية ودولية أكدت تدخل القوات الإسرائيلية بإطلاق النار، ما يسفر عن سقوط عشرات ضحايا يوميا. 

أرقام مثيرة للجدل

أعلنت المؤسسة توزيع ما يقارب 8000 صندوق غذائي – بما يعادل 462 ألف وجبة يوميا – مع طموح للوصول إلى 1.2 مليون غزي (60% من السكان) في مدة قصيرة ومع ذلك، تظل هذه الأرقام موضع تشكيك في ظل استمرار معاناة القطاع وانعدام الشفافية في آليات التوزيع، مما يطرح تساؤلات حول جدوى هذه المشاريع وأهدافها الخفية.

وفقاً لمصادر طبية في مستشفيات غزة، ارتفع عدد قتلى مجزرة محور نتساريم الإثنين التاسع من حزيران إلى 25 مدنياً على الأقل، بينهم أطفال ونساء، قضوا بنيران الجيش الإسرائيلي أثناء انتظارهم للحصول على المساعدات وتكشف مقاطع مصورة انتشرت على نطاق واسع مشاهد مأساوية لعائلات تتهاوى تحت وطأة الجوع والرصاص، في سيناريو يتكرر يومياً منذ بدء عمل “مؤسسة غزة الإنسانية” (GHF) المدعومة أمريكياً.

وبحسب بيانات وزارة الصحة الفلسطينية، تجاوز عدد قتلى عمليات التوزيع منذ بدء عمليات التوزيع 516 شخصاً، بينما أصيب قرابة 3800 آخرين، معظمهم في حوادث إطلاق نار مباشر من قبل القوات الإسرائيلية.

الأمم المتحدة: “مشاهد مفجعة” وخطة بديلة

وصفت الأمم المتحدة مشاهد الاقتحام والفوضى في مراكز التوزيع الأمريكية بأنها “مفجعة”، مؤكدةً أن لديها خطة إنسانية “مفصلة وقابلة للتنفيذ” لإيصال المساعدات دون شروط، لكن إسرائيل ترفض فتح المعابر وتفرض عقبات تعجيزية كما أشار متحدث الأمم المتحدة إلى أن “توسيع نطاق العمليات الإنسانية ضروري لدرء المجاعة”، منتقداً آلية التوزيع الإسرائيلية-الأمريكية التي “تسيّس الإغاثة” وتستخدمها كأداة ضغط.

 وفي مشهد يختزل مأساة حصار غزة، يبيت مئات الفلسطينيين على الطرقات تحت القصف الإسرائيلي، ينتظرون لساعات طحيناً قد ينقذ أطفالهم من الموت جوعاً. توثق كاميرات المراقبة توثق لحظات يأسهم بينما تتحول نقاط توزيع المساعدات الأمريكية إلى ساحات استهداف ممنهج، حيث نشر جندي إسرائيلي مقطعاً على “إنستغرام” يظهر إطلاق النار من داخل أحد هذه المراكز – وهو ما وصفه ناشطون بـ”الدليل القاطع على التنسيق العسكري الأمريكي-الإسرائيلي لاستدراج المدنيين للقتل”.

شهادات حية من غزة: رحلة الموت من أجل لقمة العيش

في ظل الحصار الخانق الذي يفرضه الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة، تتحول رحلة البحث عن الغذاء إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر، حيث يواجه المدنيون العزل الموت في سبيل تأمين لقمة العيش لعائلاتهم. شهادات حية من قلب القطاع تكشف عن واقع مرير، حيث تتحول مراكز المساعدات، التي من المفترض أن تكون ملاذاً آمناً، إلى ساحات للموت والفوضى.

يروي عزوز مغاري، أحد سكان مخيم دير البلح، تفاصيل رحلته المأساوية في سبيل تأمين المؤن لعائلته. في منتصف الليل، وتحديداً عند الساعة الثانية عشرة، انطلق مغاري سيراً على الأقدام قاطعاً مسافة سبع كيلومترات نحو محور نتساريم، حيث تقع مراكز المساعدات الأمريكية. كانت وجهته هذه المرة مختلفة، فالحاجة الملحة دفعت به إلى المخاطرة بحياته في منطقة تشهد توتراً أمنياً غير مسبوق.

يؤكد مغاري أنه شاهد بأم عينيه عمليات قتل واضحة قرب مراكز المساعدات الأمريكية، نفذها جنود الجيش الإسرائيلي بحق المواطنين الذين توافدوا للحصول على المساعدات. “واجهنا الموت لأجل اللقمة”، يقول مغاري بصوت يملؤه الألم، مضيفاً أنه اضطر للذهاب إلى هذه المراكز رغم الأخطار الجسيمة التي تكتنفها، وذلك بسبب النقص الحاد في الغذاء داخل القطاع، وحرمان شريحة واسعة من المواطنين من أبسط حقوقهم الإنسانية.

قصة حسن أحمد لا تختلف كثيراً عن قصة مغاري. فقد توجه أحمد أيضاً إلى محور نتساريم وسط القطاع، على أمل تأمين كرتون مساعدات لإخوته. لكن الحظ لم يحالفه هذه المرة، فقد عاد خالي الوفاض، حاملاً معه صوراً مؤلمة لمشاهد الفوضى والعنف.

يصف أحمد ما رآه قائلاً: “رأيت مجموعة من المواطنين مصابين بالرصاص الحي وقتلى لم يلتفت لهم أحد، وذلك لصعوبة إنقاذهم”. هذه المشاهد المروعة تعكس حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها سكان غزة، حيث يصبح إنقاذ الجرحى أو انتشال جثث القتلى أمراً شبه مستحيل في ظل الظروف الأمنية القاسية.

 بدوره يؤكد محمد تايه أنه خرج مبكراً منذ الثامنة صباحاً، قادماً من مدينة دير البلح إلى مخيم البريج ثم إلى محور نتساريم. ورغم مروره بكل المخاطر من إطلاق نار وعمليات بلطجة داخل وخارج مراكز المساعدات، إلا أنه لم ينجح في الحصول على أي شيء. وأكد أنه اتجه قبل ذلك إلى رفح، لكنه فشل أيضاً في الحصول على أي نوع من المساعدات، معزياً ذلك لكثرة الفوضى وأن هناك فئة معينة متعاونة مع الجيش تحصل على كل ما تريد.

مراكز المساعدات تحت وابل النيران وامتهان الكرامة

بدوره، يقول أحمد النجار، القادم من شمال القطاع إلى محور نتساريم، إنهم يتجهون إلى المجهول بأقدامهم لأجل المساعدات. ويؤكد أن الجيش كان يطلق على المواطنين الرصاص الحي وقذائف المدفعية وقنابل الكواد كابتر. وأكد أنه رأى قتلى ومصابين دون مساعدة من أحد. ويضيف أن المساعدات المتوفرة داخل المراكز لا تكفي الأعداد الهائلة التي تدخل مراكز المساعدات، وقال: “لقد نجحت أنا ومن معي فقط في الحصول على أربعة كيلو من الدقيق فقط”.

أما محمد الحلو فيقول إنه قدم من غزة مشياً قاطعا مسافة تزيد عن العشرة كيلو على الأقدام من أجل المساعدات على مدار يومين متتاليين، ولم يستطع الحصول على أي نوع من المساعدات، وذلك لقلتها وأنها لا تقدم محتويات ثابتة؛ فهناك أيام تقدم الطحين وهناك أيام تقدم المعلبات. ويؤكد أن ما يقدم قليل جداً ويحرم الكثيرين من حقهم في المساعدات. ويؤكد أيضاً أن الدخول والخروج من وإلى مراكز المساعدات ليس بالهين ويعرضك لإطلاق النار ويتسبب في سقوط قتلى وجرحى.

لا يختلف حديث إبراهيم المدهون عن قول الحلو كثيراً، بل ويؤكد أن من ينجح في الحصول على المساعدات دون أن يقتل يواجه خطر البلطجة على مقربة من المراكز في خط العودة، حيث يخطفون من الناس كل ما نجحوا في جمعه من هذه المراكز. ويؤكد أن المساعدات بهذه الطريقة سيئة وفيها امتهان للكرامة.

 تثير هذه الشهادات تساؤلات جدية حول دور مراكز المساعدات الأمريكية في غزة. فبينما تُقدم هذه المراكز على أنها شريان حياة لسكان القطاع، فإن الواقع على الأرض يكشف عن صورة مختلفة تماماً. فالفوضى، وإطلاق النار، وسقوط الضحايا، تحول هذه المراكز إلى مصائد للموت، بدلاً من أن تكون ملاذاً آمناً للمحتاجين.

شاركها.
Exit mobile version