وشارك في اللقاء كل من المفوض الأوروبي للشؤون الداخلية والهجرة، ماغنوس برونر، والمدير التنفيذي لوكالة الحدود وخفر السواحل الأوروبية “فرونتكس”، هانز لايتنز. وقد تُوّجت القمة بإصدار إعلان مشترك يركّز على تعزيز دور الوكالة، وتكثيف الإجراءات الرامية إلى مواجهة الهجرة غير الشرعية، بما في ذلك توسيع الاتفاقات مع دول ثالثة بشأن العودة.
عودة طوعية وإجراءات حازمة
في مؤتمر صحفي عقد عقب القمة، شدّد وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتيدوسي على أهمية “تعزيز وكالة فرونتكس” للهجرة، معتبراً أن “مكافحة المتاجرين بالبشر تظل أولوية دائمة”. وأضاف أن دول المجموعة تعتزم العمل على “تفعيل برامج العودة الطوعية المدعومة”، التي وصفها بأنها “إجراء حاسم”، لا سيما إذا رافقتها آليات ملموسة تساعد العائدين على إعادة الاندماج الاقتصادي والاجتماعي في بلدانهم الأصلية.
وأكّد بيانتيدوسي أن الاتحاد الأوروبي مطالب بالحفاظ على مستوى تمويلي كافٍ، وإطلاق مبادرة محددة بشأن العودة الطوعية في أقرب وقت، من أجل تحقيق “نقلة نوعية وتحديد استراتيجية مشتركة حقيقية”.
ورداً على سؤال حول نقل مهاجرين غير نظاميين إلى ألبانيا، اعتبر الوزير أن هؤلاء يندرجون ضمن قائمة “الأشخاص الخطرين”، مشيراً إلى أن “من بين 40 شخصاً نُقلوا إلى ألبانيا، هناك خمس حالات إدانة بالعنف الجنسي، وحالة محاولة قتل، إضافة إلى إدانات مرتبطة بجرائم تتعلق بحيازة الأسلحة والسرقة وإلحاق ضرر جسدي بالآخرين”.
وأضاف أن هذا “الكمّ من السوابق” يبرّر توصيف هؤلاء الأشخاص على أنهم “خطرون”، ما يستوجب احتجازهم كما ينص القانون الإيطالي. ولفت إلى أن تثبيت الأربطة على معاصمهم عند إنزالهم من السفينة المتجهة إلى ألبانيا يأتي ضمن “إجراءات احترازية تهدف إلى الحفاظ على سلامة عناصر الشرطة، والتي تبقى في مقدمة الأولويات”، على حد تعبيره.
تعزيز دور “فرونتكس” وزيادة التمويل لمواجهة الهجرة غير الشرعية
شدد وزراء داخلية كل من إيطاليا، وقبرص، واليونان، ومالطا، وإسبانيا في إعلانهم المشترك على التزامهم بتطوير رؤية سياسية موحدة للتعامل مع أبرز قضايا الهجرة المدرجة على جدول أعمال الاتحاد الأوروبي.
وجدد الوزراء، بحسب ما ورد في المذكرة الختامية للقمة، تأكيدهم على أهمية الميثاق الأوروبي للهجرة واللجوء، متعهدين بالسير قدمًا نحو تنفيذه بشكل فعّال. وشددوا على ضرورة الحفاظ، خلال مرحلة التطبيق، على التوازن والاتساق مع المبادئ الأساسية التي وجّهت مسار المفاوضات، وعلى رأسها التضامن الفعلي وتقاسم المسؤوليات بشكل عادل بين الدول الأعضاء.
ودعا الوزراء إلى توفير تمويل فوري وغير مشروط، يستند إلى الاحتياجات الفعلية، من أجل تمكين الدول من تنفيذ التزاماتها ضمن الميثاق، وذلك في إطار الميزانية الأوروبية الحالية. كما طالبوا بزيادة المخصصات المالية في الدورة المقبلة من الإطار المالي، سواء للملفات الداخلية أو الخارجية المتعلقة باللجوء والهجرة وإدارة الحدود.
وفي ما يتعلق بالتعاون مع دول المنشأ والعبور، رأى الوزراء أن هذا التعاون يجب أن يُبنى على قاعدة من المنافع المتبادلة وتكافؤ الفرص. وأكدوا على أهمية تطوير شراكات شاملة وطموحة ودائمة، تُصمّم وفق خصوصيات كل دولة ثالثة معنية، وتدمج مختلف سياسات وأدوات الاتحاد الأوروبي في مقاربة أكثر استراتيجية، تُبنى بالتنسيق الكامل مع الدول الأعضاء الأكثر تضررًا، ولا سيما دول مجموعة ميد5.
كما شدّد الوزراء على أهمية تعزيز الدور التشغيلي لوكالات الاتحاد الأوروبي في التعاون مع الدول الثالثة في مجال الهجرة وإدارة الحدود. وأشار البيان إلى ضرورة تكييف الإطار القانوني لوكالة “فرونتكس”، بحيث تتمكّن من تقديم الدعم لتلك الدول بصلاحيات إنفاذ القانون، تشمل مكافحة الهجرة غير الشرعية، مراقبة الحدود، وتنفيذ عمليات العودة.
التواصل مع دول ثالثة لردع الهجرة غير الشرعية وتشجيع العودة الطوعية
أكّد وزراء الداخلية أن التصدي لشبكات تهريب المهاجرين لا تزال تمثل أولوية ملحّة في سياساتهم. وفي ظل التحولات السياسية الراهنة، شددوا على أهمية تعزيز حملات التوعية والتواصل في دول العبور والمنشأ بهدف “ثني المهاجرين عن اتخاذ الطرق غير النظامية وتعزيز البدائل القانونية للهجرة”. كما اعتبر الوزراء أن الرصد الجوي الاستباقي عبر الحدود يظل عنصراً أساسياً في التصدي للتهريب، ويشكل أداة مركزية في جهود الدول الأعضاء والاتحاد الأوروبي للحد من الدخول غير المشروع إلى أراضيها.
وأشار الوزراء إلى ضرورة استمرار التركيز على تطوير حلول مبتكرة لمعالجة التحديات المرتبطة بالهجرة غير الشرعية، وذلك من خلال تبني وسائل جديدة لمنعها وإدارتها، إلى جانب تحسين أنظمة اللجوء والعودة، بما يتماشى مع القوانين الأوروبية والدولية، وبما يضمن تحقيق حلول دائمة ومستدامة.
وفي هذا السياق، شدّد الوزراء على أن “سياسة العودة الفعالة تُعدّ ركيزة أساسية لعمل منظومة اللجوء بشكل سليم، وعنصرًا لا يمكن الاستغناء عنه لضمان نجاح الميثاق الأوروبي بشأن الهجرة واللجوء”. كما رحّبوا بمبادرة المفوضية الأوروبية الرامية إلى تتحسين آليات إعادة المهاجرين من خلال تطوير معايير موحدة للدول الأعضاء لتسهيل تنفيذ عمليات العودة بطريقة فعّالة.
ودعا الوزراء إلى توسيع دور وكالة “فرونتكس” في دعم عمليات العودة، ليس فقط من داخل دول الاتحاد الأوروبي، بل أيضًا من دول العبور الثالثة إلى بلدان المهاجرين الأصلية. وفي هذا الإطار، حثوا المفوضية الأوروبية على إطلاق مبادرة محددة ضمن “التحالف العالمي لمكافحة تهريب المهاجرين”، تتناول مساعدة هؤلاء على العودة الطوعية من دول العبور إلى بلدانهم الأصلية، واقترحوا تنظيم مؤتمر دولي يُعنى بهذا الموضوع.
واختتم الوزراء بالتأكيد على أن أي جهود تُبذل في هذا الإطار يجب أن تهدف إلى توفير ظروف آمنة وكريمة تتيح للأفراد والمجتمعات العيش بسلام واستقرار في أوطانهم.
دول “ميد5” تؤكد التزامها بحقوق الإنسان
شدّد وزراء الداخلية على أن احترام حقوق الإنسان يبقى ركيزة أساسية في سياساتهم المشتركة بشأن الهجرة، باعتباره جزءًا لا يتجزأ من القيم الأوروبية. وقال وزير الداخلية الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا: “إن احترام حقوق الإنسان هو حجر الزاوية في منظومة الاتحاد الأوروبي، ولا يمكن التهاون بهذا الأمر”. وفي ما يتعلق بمراكز استقبال المهاجرين في ألبانيا، لفت إلى أهمية معرفة موقف المؤسسات الأوروبية منها، قائلاً: “نعمل بشكل جماعي للوصول إلى أفضل النتائج، وتعزيز الهجرة القانونية، وقد قررنا المضي معًا في مواجهة الهجرة غير الشرعية، وحققنا تقدمًا واضحًا حتى الآن”.
من جانبه، أشار وزير داخلية مالطا بايرون كاميليري إلى أن الميثاق الأوروبي للهجرة واللجوء يتضمن جوانب إيجابية، لكنه ليس كافيًا لمعالجة التحديات الكاملة التي تواجه دول الخط الأمامي. وأضاف: “ما يزال القلق قائماً، ليس فقط بشأن مسارات الهجرة، بل أيضًا حول الأعداد المتزايدة للوافدين، ما يفرض ضرورة مضاعفة الجهود على الصعيد الخارجي وتكثيف الإجراءات الاحترازية.
أما نائب وزير الهجرة القبرصي، نيكولاس يوانيدس، فأوضح أن “بناء مرافق استقبال جديدة يعكس التزامنا بإرساء نظام لجوء يحترم الكرامة الإنسانية”. وأكد استعداد بلاده للعمل إلى جانب شركائها الأوروبيين لتعزيز المساءلة المشتركة، وتوزيع الأعباء بشكل أكثر إنصافًا، وتوفير دعم عملي فعّال.
وفي مداخلة لوزير الداخلية اليوناني ماكيس فوريديس، عاد إلى طرح التمايز بين الهجرة النظامية وغير النظامية، قائلاً: “علينا أن نوضح للرأي العام أن طريقة تعاملنا مع ملف الهجرة تتسم أحيانًا بعدم عقلانية. ففي اليونان مثلاً، نحن بحاجة إلى يد عاملة، وهناك من يرغب بالقدوم للعمل، لكن في الوقت ذاته، لا نعالج هذا الملف بشكل منظم، ولا نواجه الهجرة غير الشرعية بفعالية”.
وأضاف فوريديس أن الحل يكمن في فتح مسارات شرعية للراغبين في الهجرة النظامية، مشددًا على أن “التعامل مع الهجرة غير الشرعية يجب أن يكون حازمًا، ولا مجال فيه للتساهل: الطريق الوحيد هو العودة إلى الوطن”.