في ظل التصعيد الإسرائيلي الجديد الذي شهده لبنان الجمعة، مع استهداف مبنى سكني في ضاحية بيروت الجنوبية، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات وتعليقات صادمة عبّرت عن تأييدها للغارة الجوية الإسرائيلية، بل وذهبت إلى حدّ الإشادة بالمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي.
الغارة التي نُفّذت للمرة الأولى على الضاحية منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، مثّلت انتهاكًا صارخًا للاتفاق، كما أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال استقباله نظيره اللبناني جوزف عون، خصوصًا أنها استهدفت منطقة سكنية مكتظة وفي محيط عدد من المدارس، ما أثار ذعر الأهالي وأطفالهم الذين عاشوا لحظات من الرعب الشديد.
وتأتي هذه الغارة ردًا على إطلاق صاروخين من جنوب لبنان باتجاه كريات شمونة شمال إسرائيل، وفق الرواية الإسرائيلية، وهو ما رد عليه الجيش الإسرائيلي بقصف مباشر، بعد أن وجّه أدرعي عبر منصة “إكس” إنذارًا لسكان حي الحدث بضرورة إخلاء منازلهم.
وفي موازاة هذا التصعيد، برزت على منصات التواصل منشورات لمستخدمين لبنانيين عبّروا عن تأييدهم للغارة، وبعضهم ذهب أبعد من ذلك، مستخدمًا نبرة تحريضية واضحة ضد أبناء بلدهم. فقد كتب أحدهم: “كانو الشيعة ناطرين ظهور المهدي، ظهر لهم أفيخاي أدرعي، عجل الله فرجه”.
بينما علّقت أخرى بتهكم: “عتبانة كتير ع أفيخاي أدرعي”، وتابعت في منشور آخر: “ليكوا يا جماعة حزب الله ونبيه بري، أوعى حدا منكن يجرّب يلتجي لمناطقنا. زمن الأول تحوّل، وما عنا بيوت للأجار”.
وفي تعليق على منشور داعم للحزب، ردّ أحد الحسابات قائلاً: “غريب إنت ليش بعد ما أكلت صاروخ؟”، فيما علّق آخر على تغريدة للصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين “بيروت قادمون” قائلًا: “أهلًا وسهلًا”.
وتوالت التعليقات من هذا النوع، إذ كتب أحدهم: “هذه الملة كلهم أعداء لبنان إلا من رحم ربي. ولأن لبنان غير قادر على ضبطهم، فعلى إسرائيل مسحهم بدون تهديدات أفيخاي”.
كذلك، رُصدت تعليقات تشيد بشكل مباشر بأفيخاي أدرعي: “ما في غيركن بيعرف يربي الحزب”، وبالغت في الثناء على ما وصفته بـ”حرص” الجيش الإسرائيلي على المدنيين، متجاهلة أن هذا “الحرص” نفسه يُترجم بغارات تطال أحياء سكنية مأهولة: “عالقليلة عم تنبّهوا المدنيين أنهم يبتعدوا عن هذه الأهداف”.
ورغم الطابع التحريضي العلني لبعض المنشورات، لا يمكن إغفال حقيقة أن عددًا منها قد يكون صادراً عن حسابات غير موثوقة، أو تم إنشاؤها خصيصًا لهذا النوع من المحتوى، ما يتطلّب حذرًا في تعميمها على الرأي العام اللبناني.
ويُذكر أن رئيس الجمهورية جوزيف عون كان قد أكد أن “أي تفاوض حول التطبيع مع إسرائيل ليس مطروحًا في الوقت الحالي، ونحن في لبنان مرتبطون بمبادرة السلام العربية ونحن من ضمن الموقف العربي”.
وكذلك شدّد رئيس الوزراء نواف سلام على أن لبنان “لم يقترب من فلك الدول المطبعة مع إسرائيل”، مؤكدًا أن “لا أحد في بيروت يرغب في التطبيع مع تل أبيب”، وأن خيار لبنان هو “اللجوء إلى الضغط الدبلوماسي الدولي والعربي على إسرائيل لوقف اعتداءاتها”.
وإلى جانب القصف الإسرائيلي الذي طال بيروت اليوم، تتوالى الغارات الإسرائيلية على البلدات الجنوبية والشرقية في لبنان، وسط قصف متكرر طال منازل سكنية بشكل مباشر، وأدى في أحدث غاراته، إلى مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة 18 آخرين قبل دقائق من تهديد الضاحية الجنوبية.
ومع ارتفاع عدد القتلى منذ إعلان الهدنة إلى أكثر من مئة قتيل، تزداد الشكوك حول جدية إسرائيل في الالتزام بأي تهدئة، وتتكرّس صورة وقف إطلاق النار كاتفاق هشّ بلا ضمانات حقيقية، فيما تواصل إسرائيل انتهاكه تحت غطاء “الردع”.