نشرت في •آخر تحديث
دعا وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، خلال مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد في دافوس، المجتمع الدولي إلى رفع العقوبات الاقتصادية كخطوة حاسمة لتحقيق الاستقرار. وأكد الشيباني أن بلاده بدأت صفحة جديدة، تهدف إلى بناء دولة سلام قائمة على العدالة والمساواة بعيداً عن أي تقسيمات طائفية.
وشدد الشيباني على أن تحقيق العدالة الانتقالية هو مسؤولية الحكومة وحدها، مشيراً إلى أن سوريا تفخر بأنها لم تشهد حرباً أهلية أو طائفية، رغم ما مرت به من أزمات على مدار السنوات الماضية.
وأضاف: “شعبنا يثق بنا حالياً، وما حدث في الـ50 سنة الماضية يثبت أن مستقبلنا سيكون أفضل من الماضي. لقد ضحينا بالكثير لتحقيق الحرية لشعبنا، ولكن لا يمكننا رسم مستقبل مشرق وأيادينا مكبلة بالعقوبات”. وطالب برفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا، واصفاً ذلك بأنه المفتاح لاستقرار البلاد.
وأوضح الشيباني أن التحدي الأكبر الذي تواجهه سوريا حالياً هو العقوبات الاقتصادية التي تعيق جهود إعادة البناء، مؤكداً أن مئات الآلاف من السوريين يسعون للعودة إلى بلادهم للإسهام في جهود التنمية.
وقال: “نرحب بعودة كل السوريين من الخارج للاستفادة من خبراتهم. نعمل على بناء بلادنا بأسرع وقت ممكن، وهدفنا هو ألا تظل سوريا معتمدة على المساعدات، بل أن نستغل قدراتنا الذاتية”.
وأضاف أن الحكومة تركز على مجالات الطاقة والمطارات والطرق والصحة والتعليم، مشيراً إلى أن الاقتصاد السوري سيكون منفتحاً على الشراكات والاستثمارات الخارجية، مع الالتزام بدور محوري للمرأة السورية في مستقبل البلاد.
وأكد الشيباني أن رؤية سوريا الجديدة تهدف إلى إشراك جميع السوريين في بناء مستقبل بلادهم دون استثناء، مشدداً على أن سوريا يجب أن تكون لجميع السوريين دون أي تقسيمات طائفية. وأضاف: “نعد شعبنا بأن المأساة التي تعرضوا لها سابقاً لن تتكرر أبداً. السوريون اليوم لديهم تطلعات وطموحات كبيرة بعد أن تعرضوا لحرب وجودية”.
وأشار الشيباني إلى أن سوريا تستلهم نماذج ناجحة مثل سنغافورة ورؤية 2030 التي أطلقها ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، مؤكداً أن البلاد تسعى لأن تكون دولة سلام واستقرار، مضيفاً: “نعمل على تحقيق رؤية تجعل سوريا نموذجاً للسلام والتنمية المستدامة”.
ديون بقيمة 30 مليار دولار لإيران وروسيا تثقل كاهل سوريا
كان الشيباني، قد صرّح في حديث حصري مع صحيفة “فايننشال تايمز” سابقاً، بأن الحكومة السورية الجديدة تعتزم تنفيذ إصلاحات اقتصادية جذرية تتضمن خصخصة الموانئ والمصانع المملوكة للدولة، وتشجيع الاستثمار الأجنبي، وتعزيز التجارة الدولية.
وأوضح الشيباني أن هذه الخطوات تهدف إلى إنهاء عزلة سوريا الاقتصادية والسياسية المستمرة منذ عقود.
وقال الوزير في مقابلة في دمشق، وهي الأولى له مع وسيلة إعلام دولية، إن “رؤية بشار الأسد كانت قائمة على بناء دولة أمنية، أما رؤيتنا نحن، فهي تتركز على تحقيق التنمية الاقتصادية”.
وتابع قائلا “نحن نؤمن بضرورة سيادة القانون وإيصال رسائل واضحة لتمهيد الطريق أمام المستثمرين الأجانب، مع تشجيع المستثمرين السوريين على العودة والمساهمة في إعادة بناء الوطن”.
وتحدث الشيباني مع صحيفة “فايننشال تايمز” قبيل مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس يوم الأربعاء، وهي المرة الأولى التي تشارك فيها سوريا في الاجتماع السنوي لصناع القرار العالميين.
ومن المتوقع، أن يستغل الوزير السوري هذه الرحلة لتجديد دعوته لرفع العقوبات التي فُرضت في عهد الأسد، والتي يرى أنها تشكل عائقا أمام التعافي الاقتصادي لسوريا، وتعيق “الاستعداد الواضح” للدول الأخرى للاستثمار في البلاد.
في حين سارعت الدول الغربية إلى التعامل مع السلطات الجديدة في دمشق، يشير العديد إلى أنهم ما زالوا في انتظار رؤية ما إذا كانت الحكومة السورية ستفي بوعودها الطموحة قبل أن يتم اتخاذ أي خطوة نحو تخفيف العقوبات.
هذا ويعد الوزير البالغ من العمر 37 عاما أحد الشخصيات الرئيسية في حكومة تصريف الأعمال الجديدة وهو قريب من الحاكم الفعلي للبلاد أحمد الشرع، المعروف سابقا بأبو محمد الجولاني.
وقادت هيئة تحرير الشام، تحت قيادة زعيمها أبو محمد الجولاني التي تحول اسمه لأحمد الشرع، الهجوم الذي أطاح بالرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر. وفي الأسابيع التي تلت ذلك، أوضح الشيباني أن التكنوقراط والموظفين الحكوميين السابقين في عهد الأسد بدأوا العمل على تقييم الأضرار التي لحقت بالبلاد وخزائنها نتيجة لإدارة النظام، الذي اعتمد اقتصادا اشتراكيا مغلقا.
تشمل هذه التحديات اكتشاف ديون بقيمة 30 مليار دولار لصالح حلفاء الأسد السابقين، إيران وروسيا، بالإضافة إلى اختفاء احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية.
كما يضاف إلى ذلك، التضخم الكبير في رواتب القطاع العام، وانحدار الصناعات الأساسية مثل الزراعة والتصنيع، التي تم إهمالها وتقويضها نتيجة لسياسات حقبة حكم الأسد.
وأقر الشيباني بأن التحديات المقبلة هائلة، وأن معالجتها ستستغرق سنوات. وأوضح أن السلطات قد شكلت لجنة لدراسة الحالة الاقتصادية والبنية التحتية في سوريا، وستركز بشكل خاص على جهود الخصخصة، بما في ذلك بيع مصانع النفط والقطن والأثاث. كما أضاف أنهم سيستكشفون إمكانيات الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتعزيز الاستثمار في المطارات، والسكك الحديدية، والطرق.
ومع ذلك، اعترف الوزير بأن التحدي الأكبر سيكون العثور على مشترين للمؤسسات التي كانت في حالة تدهور لسنوات في بلد دمرته الحرب ومعزول عن الاستثمارات الأجنبية.
وأشار الشيباني إلى أن الأولوية في الوقت الحالي هي التعافي، مع التركيز على تأمين الحاجات الأساسية مثل الخبز، المياه، الكهرباء، والوقود الكافي لشعب سوريا، الذي دفعته سنوات من حكم الأسد والحرب والعقوبات إلى حافة الفقر.
وقال المسؤول السوري: “لا نريد أن نعيش على المساعدات الإنسانية، ولا نريد من الدول أن تعطينا المال كما لو كانت ترمي الاستثمار في البحر”,
وشدد على أن مفتاح التعافي هو تخفيف العقوبات الأمريكية والأوروبية التي فرضت على نظام الأسد وعلى هيئة تحرير الشام، التي كانت مرتبطة سابقا بتنظيم القاعدة، ولا تزال العديد من الحكومات الغربية تصنفها كجماعة إرهابية.
وفي حين أصدرت الولايات المتحدة عدة إعفاءات محدودة من العقوبات، بما في ذلك للدول التي تسعى إلى مساعدة سوريا في هذه الأثناء، يزعم المسؤولون أن هذا ليس كافيا. وقال الشيباني: “افتحوا الباب أمام هذه الأماكن لكي تبدأ العمل”.
وفي الوقت الذي تظهر فيه بعض العواصم الغربية مثل برلين استعدادا لتخفيف بعض العقوبات، فإنها تنتظر لمعرفة كيفية تعامل الحكومة الجديدة التي يقودها الإسلاميون مع قضايا حساسة مثل حقوق المرأة والأقليات.
ومن المقرر أن يناقش الاتحاد الأوروبي العقوبات المفروضة على سوريا في اجتماع لوزراء الخارجية في السابع والعشرين من يناير/كانون الثاني.
وقالت كبيرة الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس هذا الشهر، إن تخفيف العقوبات “يجب أن يتبع تقدما ملموسا في الانتقال السياسي الذي يعكس سوريا بكل تنوعها”.
وأفاد الشيباني أن القيادة السورية الجديدة تعمل على طمأنة المسؤولين العرب الخليجيين والغربيين بأن البلاد لا تشكل تهديدًا.
ويشعر البعض في المنطقة، ولا سيما الإمارات العربية المتحدة ومصر، بالقلق من عودة ظهور الجماعات الإسلامية مثل جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، في حين تخشى دول عربية أخرى أن يؤدي نجاح المتمردين إلى إحياء المشاعر الثورية في بلدانهم.
وأكد الشيباني أن “حكومتنا الجديدة لا تخطط لتصدير الثورة أو التدخل في شؤون الدول الأخرى”. كما أشار إلى أن وجود قوات سوريا الديمقراطية “قسد” لم يعد له مبرر في البلاد.
وتابع قائلاً: “تعهدنا بضمان حقوق الأكراد في الدستور الجديد وتمثيلهم بالحكومة الجديدة”.