تدير عائلة دقلو جزءا كبيرا من مناجم الذهب في السودان، ثالث أكبر منتج للمعدن الأصفر في إفريقيا، وبالتالي فدقلو “يستطيع أن يدفع رواتب لا يمكن لكثيرون في افريقيا جنوب الصحراء مجاراته فيها”، كما قال لفرانس برس أندريا كريغ من “كينغز كولدج” في لندن.
في ميدان القتال في السودان، لا يكتفي الجنرالان المتحاربان بالقوات التابعة لكل منهما بل يتحلق حولهما مرتزقة وحراس خاصون ومقاتلون قبليون أو مدربون أجانب يجذبهم الربح الكبير وطبعا الذهب.
منذ عقود، تشكل الاستعانة بالميليشيات في السودان نشاطا مربحا. فالخرطوم لجأت اليهم من قبل إما لتوكل لهم قمع الأقليات الاثنية وحركات التمرد المسلحة أو لإرسالهم للمشاركة في حروب في الخارج.
وقاتلت هذه الميلشيات في وقت من الأوقات في اليمن لصالح السعودية والإمارات، كما شاركت في القتال في ليبيا لمعسكرات مختلفة وحاربت في الساحل.
الآن وقد باتت الحرب على أرضها، تنشر قوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو المعروف بـ “حميدتي” على شبكات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لمقاتلين في تشاد أو النيجر يعلنون دعمهم لها.
ويقول قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان العدو اللدود لدقلو، إن “مرتزقة جاؤوا من تشاد و(جمهورية) افريقيا الوسطى والنيجر” يقاتلون مع قوات الدعم السريع. وأكد الجيش أخيرا أنه قتل “قناصا أجنبيا”.
والأمر نفسه أورده موفد الأمم المتحدة الى السودان فولكر بيرثيس. فقد صرح أن “عدد المرتزقة الذين جاؤوا من مالي وتشاد والنيجر بدعم من قوات الدعم السريع لا يستهان به”.
وأكد شهود في الخرطوم أنهم سمعوا مقاتلين من قوات الدعم السريع يتحدثون الفرنسية وهي لغة لا يتحدث بها السودانيون، ما يشير الى أنهم قد قد يكونوا تشاديين.
مرتبات أفضل
وتدير عائلة دقلو جزءا كبيرا من مناجم الذهب في السودان، ثالث أكبر منتج للمعدن الأصفر في إفريقيا، وبالتالي فدقلو “يستطيع أن يدفع رواتب لا يمكن لكثيرون في افريقيا جنوب الصحراء مجاراته فيها”، كما قال لفرانس برس أندريا كريغ من “كينغز كولدج” في لندن.
وأضاف أن “تشاديين انضموا فعلا خلال السنوات الأخيرة إلى قوات الدعم السريع من أجل الرواتب”.
وتعتبر تشاد البلد المتاخم لاقليم دارفور بغرب السودان، امتدادا طبيعيا بالنسبة لدقلو الذي ينتمي إلى قبيلة الزريقات في دارفور حيث لا يكترث كثير الرعاة والمزارعون المهددون بالجفاف بالحدود الرسمية.
ومعظم قادة المجموعات المسلحة، بمن فيهم دقلو لهم أصول تشادية. وعلى امتداد الأجيال جندوا رجالا ثم أبناءهم ومنحوهم جميعا “جوازات سفر سودانية وأراضي هجرها أصحابها من القبائل غير العربية الذين اضطروا للنزوح” بسبب الحرب في الأقليم، بحسب ما أكد منذ 2017 مركز أبحاث “سمول أرمز سيرفاي”.
ويساند مرتزقة آخرون قوات الدعم السريع، وهم مقاتلو مجموعة فاغنر.
منذ أن لجأت افريقيا الوسطى في العام 2018 إلى هؤلاء المقاتلين الروس لقمع تمرد لديها، يقول دبلوماسيون غربيون أنهم كانوا يرون قوافل من المرتزقة الروس في مطار الخرطوم وفي فنادق العاصمة السودانية.
ويشكل السودان قاعدة خلفية ولكن كذلك مصدر تمويل لفاغنر. فقد وقعت مناجم الذهب التابعة لعائلة دقلو عقودا مع شركات تعمل كواجهات لرئيس فاغنر يفغيني بريغوجين، وفق وزارة الخزانة الأميركية.
وأكد الخبير الأمريكي كاميرون هدسون لفرانس برس، أن “مجموعة فاغنر لا تحارب اليوم في السودان ولكن لديها مستشارين فنيين”.
شركة عابرة للحدود
القاعدة الخلفية لدقلو تقع في واقع الأمر في ليبيا.
ويؤكد كريغ، أن المناطق الخاضعة لسيطرة اللواء خليفة حفتر، الرجل القوي بشرق ليبيا، تشكل “ملتقى لتسليم الأسلحة إلى قوات الدعم السريع”.
ويتابع الخبير أن دولة الأمارات أرسلت إلى حفتر في 2019 و2021 أطنانا من الأسلحة التي يمكن الآن أن تمنح الآن لقوات الدعم السريع من دون أن يتم رصدها”. ويشير إلى وجود “صور تظهر فيها أسلحة إماراتية في السودان”.
وجاء أجانب آخرون إلى السودان وسط الفوضى التي عمت بسبب مغادرة الدبلوماسيين وموظفي الأمم المتحدة والأجانب الآخرين.
ويؤكد هدسون أن “شركات صغيرة خاصة عدة تضم أساسا متقاعدين من القوات البريطانية الخاصة قاموا بإجلاء أشخاص (من السودان) مقابل ما يراوح أحيانا بين 20 الف و50 الف دولار”.
ويقول ألكس دوفال الخبير في الشؤون السودانية، إن “المال والقتال قابلان للتبادل في السوق السياسية السودانية”. ويضيف في نشرة “لندن ريفيو أوف بوكس”، أن “حميدتي يتاجر في الإثنين”.
وهو يعتبر أن “قوات الدعم السريع باتت الآن شركة خاصة للمرتزقة عابرة للحدود”. و”شركة لاستخراج وبيع الذهب” و”الذراع المسلحة للإمبراطورية التجارية لحميدتي”.
واذا ما ربح دقلو الحرب “ستصبح الدولة السودانية فرعا لهذه الشركة العابرة للحدود”.