بقلم:&nbspيورونيوز

نشرت في

اعلان

اضطر آلاف من أبناء العشائر البدوية في ريف السويداء إلى ترك منازلهم والفرار بأرواحهم فقط، بعد موجة عنف مسلّح اجتاحت قراهم، قُتل خلالها عدد من أفرادهم على أيدي مجموعات مسلحة، وسُرقت مركباتهم وممتلكاتهم، أو أُحرقت بيوتهم.

ففي بلدة أبطع بمحافظة درعا، لم تعد مباني المدارس تؤدي وظيفتها التعليمية، بل تحولت إلى ملاجئ جماعية تأوي العائلات التي فرت من السويداء. داخل فصول كانت تُدرّس فيها المناهج، ينام اليوم عشرات النازحين، تتكدس في كل غرفة ثلاث أو أربع أسر، تتقاسم زاوية من الأرض وسقفًا واحدًا. النساء والأطفال يحتمون داخل الجدران، بينما يبيت الرجال في الساحات الخارجية، لغياب أدنى شروط الخصوصية أو الأمان العائلي.

المدرسة، التي كان من المقرر أن تستأنف الدراسة فيها مع بداية الشهر الحالي، تقف اليوم على مفترق حرج: إما أن تُفرغ من ساكنيها لتعود إلى طلابها، أو تبقى كما هي ملجأً مؤقتًا لمن لا خيار لهم سوى الانتظار. وبين هذا وذاك، لا توجد خطة رسمية واضحة لإيواء هؤلاء، ولا حتى وعود ملموسة بتوفير بديل.

 منيرة الحمد، 56 عامًا، من قرية الكفر في ريف السويداء، تقيم مع أفراد عائلتها في إحدى هذه الفصول. قالت لأسوشيتد برس: “لا نريد خيامًا، نريد من الحكومة أن تجد لنا بيتًا أو مكانًا يليق بالإنسان. العودة إلى السويداء مستحيلة فقط لأنك مسلم، سيُنظر إليك كعدو هناك.” 

ما بدأ باشتباكات محدودة بين عشائر بدوية سنية ومجموعات درزية تصاعد إلى مواجهات مسلحة مباشرة، شاركت فيها قوات حكومية إلى جانب البدو، فيما تصدّت لهم مجموعات درزية مسلحة. وتدخلت إسرائيل عسكريًا لصالح الدروز، عبر غارات جوية استهدفت مواقع في المنطقة، ما زاد من حدة التصعيد.

وأسفرت الأحداث عن مقتل مئات المدنيين، معظمهم من الطائفة الدرزية، وفرضت على السويداء حالة شبه حصار، مع دخول محدود جدًا للمساعدات والإمدادات. ووثقت منظمة العفو الدولية 46 حالة لمقتل دروز رجالًا ونساءً “عمدًا وبشكل غير قانوني”، بعضها على يد “أفراد يرتدون زيًا عسكريًا أو أمنيًا”.

 رغم تراجع حدة القتال، لا يزال أكثر من 164 ألف شخص نازحين، بحسب تقديرات الأمم المتحدة. بينهم دروز نزحوا داخل السويداء، وبدو فروا منها أو أُجبروا على الإخلاء، ولا يملكون اليوم أي ضمانات للعودة.

 تروي الحمد أن عائلتها “عاشت تحت الحصار 15 يومًا، بلا خبز ولا ماء”، قبل أن تُنقذهم فرق الهلال الأحمر العربي السوري. وتشير إلى أن ابن عمها وجارتها تعرضوا لهجوم أثناء الفرار، وسُرقت سياراتهم مع كل ما كانوا يحملونه.

 جراح محمد، 24 عامًا، يقول إن عشرات السكان في قريته “سهوة بلاطة” مشوا ليلًا على الأقدام هربًا من القتال. ويضيف أن تسعة أشخاص من القرية، بينهم ثلاثة أطفال دون سن 15، قُتلوا برصاص مسلحين دروز، وجميعهم لم يكونوا مسلحين. ولم تتمكن أسوشيتد برس من التحقق المستقل من صحة الروايات.

وفي فندق بضاحية السيدة زينب في دمشق، تم تحويله إلى مركز إيواء، يقيم حمود المخمش وزوجته منيرة السيد، بعد مقتل نجليهما (21 و23 عامًا) وابنة أخيه وابن عمه، أثناء محاولتهم الفرار من بلدة شهبا.

وتشتكي السيدة السيد من غياب المطبخ في غرفة الإقامة، ما يعيقها عن إعداد الطعام لأطفالها الصغار. وتقول إن المساعدات الغذائية تصل بشكل غير منتظم.

في السويداء، أعلن الشيخ حكمت الهجري، أحد القيادات الدرزية البارزة، عن تشكيل “الحرس وطني” من عدة فصائل مسلحة درزية، داعيًا إلى “استقلال جنوب سوريا” مطلب ترفضه دمشق رسميًا كما أكدت في أكثر من مناسبة على ذلك.

ولم تُبدِ أي جهة حكومية أي تعليق رسمي حتى الآن بشأن خططها لإعادة النازحين أو معالجة تداعيات الأزمة.

أما البدو في السويداء، فيرون أنفسهم السكان الأصليين للأرض، قبل قدوم الدروز إليها في القرن الثامن عشر هربًا من النزاعات في لبنان الحالي. وعلى الرغم من التعايش النسبي، ظلت التوترات بين الطرفين متقطعة، وغالبًا ما انتهت بمواجهات مسلحة.

تقول منيرة السيد، والدة الشابين القتيلين: “أريد من الحكومة أن تعاقب من فعلوا هذا بابنيّ. ماذا كان ذنبهما؟”

شاركها.
Exit mobile version