اعلان

في مشهد إقليمي يتبدل بسرعة، ووسط تحوّلات داخلية غير مسبوقة في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط، فُتحت نافذة جديدة للنقاش حول إمكانية تطبيع العلاقات بين دمشق وتل أبيب، بعد عقود من العداء والحرب الباردة.

لكن اللافت أن هذه النافذة لم تأتِ من تل أبيب، ولا من واشنطن، بل من دمشق نفسها، على لسان الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، الذي خلف بشار الأسد عقب حرب دامية دامت أكثر من 13 عامًا.

التصريحات التي نقلها عضو الكونغرس الأميركي مارلين ستوتزمان عقب لقائه بالشرع في دمشق، كشفت عن تحوّل محتمل في المقاربة السورية للعلاقات مع إسرائيل. فقد أبدى الشرع رغبة بالانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية المتعلقة بالتطبيع مع تل أبيب، مع طرحه مطالب أساسية تتعلق بوقف القصف الإسرائيلي للأراضي السورية، والحفاظ على وحدة البلاد، والتوصل إلى تفاهم حول الوجود الإسرائيلي في مناطق مثل جبل الشيخ والمنطقة العازلة.

هذه المطالب، رغم أنها تعكس رغبة من الشرع في تصوير أن أولوياته هي حماية السيادة السورية، إلا أنها تثير تساؤلات جوهرية حول حدود التنازلات الممكنة مقابل الاندماج في الإطار الإقليمي الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة عبر “صفقات السلام” المتسلسلة مع إسرائيل.

فمن جهة، تشجّع إدارة ترامب السابقة – التي لا تزال تلقي بثقلها في هذا المسار – على تسريع انضمام مزيد من الدول إلى الاتفاقيات، كما صرّح الرئيس دونالد ترامب مؤخرًا. ومن جهة أخرى، تضع واشنطن شروطًا واضحة على النظام الجديد في دمشق وأبرزها: احترام حقوق الإنسان والمرأة، وإعادة بناء علاقات إيجابية مع إسرائيل والدول الإقليمية.

سلام تحت القصف

الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية استمرت بعد سقوط نظام الأسد، بزعم استهداف مواقع نقل أسلحة إلى حلفاء إيران. وهذا لا يبدو أنه سيتوقف في المدى القريب، ما يطرح تحديًا مباشرًا للرئيس الانتقالي: كيف يمكنه أن يمضي نحو سلامٍ إقليمي بينما تتعرض بلاده لقصفٍ شبه أسبوعي من قبل إسرائيل؟

ورغم تأكيد الشرع التزامه باتفاق وقف إطلاق النار لعام 1974، إلا أن الوضع الميداني، بحسب خبراء، يهدّد بجرّ البلاد إلى خيارات صعبة بين الردّ لحماية الهيبة الوطنية أو الاستمرار في ضبط النفس لكسب الدعم الدولي.

المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لم تتأخر في الردّ، فوفقًا لتقرير نشرته يديعوت أحرونوت، فإن مسؤولًا أمنيًا رفيعًا اعتبر أن تصريحات الشرع مجرد “محاولة لخداع المجتمع الدولي”، مؤكدًا أن لا نية حقيقية للسلام.

هذا الاتهام يعيد إلى الواجهة الإشكالية القديمة-الجديدة في العلاقات بين الطرفين: غياب الثقة. وإذا كانت تصريحات الشرع تهدف إلى كسر الجليد، فإن خطاب وزير الخارجية في حكومة تسيير الأعمال السورية، أسعد الشيباني، جاء ليؤكد نية عدم التصعيد، بقوله: “سوريا لن تكون مصدر تهديد لأي دولة، بينها إسرائيل”، مشددًا على ضرورة الاحترام المتبادل للأمن.

لا يمكن قراءة هذا التحرك السوري إلا في ضوء إعادة رسم التحالفات الإقليمية والدولية. الشرع يدرك أن بقاء حكومته رهين برفع العقوبات الغربية، وإعادة دمج سوريا في محيطها. وبالتالي، فإن عرض الانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم هو جزء من استراتيجية متعددة الأوجه تهدف لإعادة التموضع، وليس مجرد تبديل للمواقف الأيديولوجية.

لكن أي انفتاح تجاه إسرائيل سيظل مشروطًا بردّ الفعل الإسرائيلي، وبالضغط الداخلي من أطياف سورية متعددة ترى في التطبيع “خيانة لدماء الضحايا، وانقلابًا على مواقف وطنية تاريخية”، وفق مع يُنشر على مواقع التواصل.

لكن اللحظة الراهنة هي لحظة مفصلية في التاريخ السوري الحديث. بين الانفتاح المشروط، والتهديدات المستمرة، والخطاب الدولي المتغير، يقف أحمد الشرع أمام اختبار معقّد: هل يكون أول زعيم سوري يُنهي رسميًا حالة الحرب مع إسرائيل؟ أم أنّ هذا المسار ليس إلا جزءًا من مناورات سياسية لالتقاط الأنفاس، قبل العودة إلى الخطاب التقليدي؟

شاركها.
Exit mobile version