بقلم: يورونيوز
نشرت في
•آخر تحديث
اعلان
أفرجت السلطات الأمريكية، اليوم الإثنين، عن الوثائق السرية المتعلقة بالتحقيقات في اغتيال القس مارتن لوثر كينغ الابن عام 1968، وذلك بعدما رفعت واشنطن السرية، في مارس الماضي، عن الوثائق المتعلقة باغتيال الرئيس جون كينيدي عام 1963.
عقب الإفراج عن الوثائق، أصدرت عائلة كينغ بيانًا وصفت فيه حادثة مقتل والدهم الغامضة بأنها “موضع اهتمام متواصل من الرأي العام”، لكنها أكدت في الوقت نفسه أنها تحمل طابعًا شخصيًا لا يمكن تجاهله، مطالبة جميع من يتداول الوثائق باحترام مشاعر العائلة وحزنها، مع ضرورة تناول التحقيق في سياقه التاريخي الكامل.
وكان الرئيس ترامب قد أمر، بعد توليه السلطة في يناير الماضي، بالإفراج عن آلاف الوثائق الحكومية السرية المتعلقة باغتيال كينيدي وكينغ، مطالبًا مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد والمدعية العامة بام بوندي بالتنسيق مع مسؤولين حكوميين آخرين لمراجعة السجلات والإفراج عنها.
ولم تكن هذه المحاولة الأولى لترامب في هذا الإطار، إذ سعى خلال ولايته الأولى للكشف عن الوثائق، لكن مساعيه قوبلت برفض من الأجهزة الاستخباراتية ومن عائلة كينغ نفسها، التي طالبت، حتى بعد رفع السرية، بمراجعة كافة الوثائق وتدقيقها قبل الإفراج الكامل عنها.
حتى الآن، لا يُعرف على وجه الدقة ما الذي ستكشفه الوثائق الجديدة، إلا أن الباحثين المهتمين بالقضية سيركزون على دور مكتب التحقيقات الفيدرالي، المتهم بالضلوع في حادثة الاغتيال.
وعن ذلك، قال رايان جونز، مدير خدمات التاريخ والتفسير والتنظيم في المتحف الوطني للحقوق المدنية في ممفيس: “هذا أمر بالغ الأهمية، بالنظر إلى أن الجمهور الأمريكي لم يكن على دراية بأن مكتب التحقيقات الفيدرالي كان يقود التحقيق في الاغتيال، بينما كان في الوقت نفسه يقود حملة لتشويه سمعة كينغ وهو على قيد الحياة”. وأضاف: “كان المكتب نفسه يتلقى إخطارات بمحاولات اغتيال تستهدف كينغ ويتجاهلها”.
وفي السياق ذاته، أوضح ليرون أ. مارتن، مدير معهد مارتن لوثر كينغ الابن للأبحاث والتعليم في جامعة ستانفورد، أن الأكاديميين الذين درسوا كينغ مهتمون بالاطلاع على تفاصيل مراقبة مكتب التحقيقات الفيدرالي له، بما يشمل السعي خلف تفاصيل حياته الشخصية، وتعقبه، ومحاولات تشويه سمعته باعتباره مناهضًا لأمريكا. لكنه أضاف: “لا أتوقع أن تحتوي الوثائق على دليل قاطع يثبت تورط مكتب التحقيقات الفيدرالي في عملية الاغتيال”. وتابع: “علينا النظر إلى هذه الوثائق بعين الشك، نظرًا للمدى الذي وصل إليه المكتب في محاولاته لتشويه سمعته”.
ما الذي نعرفه حتى الآن عن الاغتيال؟
حين قُتل، كان كينغ في ممفيس لدعم إضراب عمال الصرف الصحي احتجاجًا على ظروف العمل السيئة وانخفاض الأجور. في الليلة التي سبقت اغتياله، ألقى خطابه الشهير “قمة الجبل” وسط أجواء عاصفة في معبد ماسون بممفيس. وفي اليوم التالي، وبينما كان يقف على شرفة فندق لورين متجهًا لتناول العشاء مع بعض الأصدقاء، أُطلق عليه النار وقُتل.
بعد مطاردة طويلة، ألقت السلطات القبض على جيمس إيرل راي في لندن، والذي أقر بذنبه في الجريمة، قبل أن يتراجع لاحقًا عن اعترافه ويصر على براءته حتى وفاته عام 1998.
وأظهرت وثائق مكتب التحقيقات الفيدرالي أن المكتب كان يتنصت على خطوط كينغ الهاتفية، وزرع أجهزة تنصت في غرفه الفندقية، واستخدم مخبرين لجمع معلومات ضده. وقد تساءل كثيرون، بمن فيهم عائلة كينغ ومهتمون بالقضية، عما إذا كان راي قد تصرف بمفرده، أو ما إذا كان متورطًا أصلًا.
وطلبت أرملة كينغ، كوريتا سكوت كينغ، إعادة فتح التحقيق. وفي عام 1998، كلفت المدعية العامة آنذاك، جانيت رينو، قسم الحقوق المدنية في وزارة العدل الأمريكية بإجراء تحقيق جديد. إلا أن الوزارة لم تجد دلائل كافية لإثبات براءة راي، وجاء في بيانها أن التحقيق “لم يجد ما يعكر صفو الحكم القضائي الصادر عام 1969 بشأن ضلوع جيمس إيرل راي في اغتيال الدكتور كينغ”.
وفي عام 1997، التقى دكستر كينغ، أحد أبناء كينغ، بجيمس إيرل راي في السجن، وعبّر بعد اللقاء عن اقتناعه ببراءة راي. وقد تُوفي دكستر كينغ عام 2024.
وبدعم من عائلة كينغ، عُقدت محاكمة مدنية في ولاية تينيسي عام 1999 ضد لويد جويرز، رجل اتُهم بمعرفته بمؤامرة اغتيال كينغ. وقد أدلى عشرات الشهود بشهاداتهم، وخلصت هيئة المحلفين إلى أن جويرز وآخرين، بينهم جهات حكومية لم تُسمّ، شاركوا في مؤامرة لاغتيال كينغ.
ولا يزال عدم الكشف عن كامل الوثائق المتعلقة بالاغتيال يثير الجدل، وسط تساؤلات حول سبب استمرار السرية إذا كان القاتل معروفًا ومسجونًا خارج ناشفيل.
وفي تعليقه على توقيت الإفراج عن الوثائق، رأى جونز أن بعض الباحثين يعتقدون أن نشرها جزء من “خدعة علاقات عامة” تديرها إدارة ترامب، التي تحاول “إعادة صياغة التاريخ، وحذف أو تقديم شخصيات مرتبطة بذوي البشرة الملونة والتنوع”.
وأوضح مارتن أن خطوة ترامب قد تكون محاولة لتقويض مصداقية المؤسسات الحكومية، وعلى رأسها مكتب التحقيقات الفيدرالي، قائلاً: “قد تكون فرصة لإدارة ترامب للقول: انظروا، مكتب التحقيقات الفيدرالي فاسد، لطالما أخبرتكم بذلك. ولهذا وضعت كاش باتيل مديرًا للمكتب ليطهّر الدولة العميقة”.
من جانبه، رأى برايان كووبا، أستاذ التاريخ المساعد بجامعة ممفيس، أن أحد العوامل المحتملة وراء الإفراج عن هذه الملفات قد يكون مرتبطًا بمحاولتي الاغتيال اللتين استهدفتا الرئيس دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية لولاية ثانية، إلى جانب رغبة في “كشف التاريخ الأوسع لعمليات الاغتيال في الولايات المتحدة”.
وأضاف كوابا: “مع ذلك، يبقى الأمر محيّراً بعض الشيء، إذ ليس من الواضح لماذا قد يرغب أي رئيس أميركي، بما في ذلك ترامب، في فتح ملفات قد تُلحق ضرراً بصورة الولايات المتحدة داخليًا وخارجيًا”.