بقلم:&nbspيورونيوز

نشرت في

اعلان

في ليلة الجمعة 13 يونيو/حزيران، بدأت إيران تنفيذ ما وصفته بـ”الرد الساحق” على الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت أراضيها، وأسفرت عن مقتل العشرات، بينهم قيادات عسكرية وخبراء نوويون. وغداة إطلاق مئات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة نحو أهداف إسرائيلية، قال مسؤولون في طهران إن الدولة العبرية فشلت في اعتراض صواريخ عالية الدقة حسب تعبيرهم.

وهنا يبرز سؤال محوري: كيف تمكّنت المقذوفات التي لم تُعترض من خرق واحدة من أكثر المنظومات الدفاعية تطوراً في العالم؟

الصواريخ الباليستية.. العمود الفقري للهجوم

اعتمدت إيران في هجومها على ترسانة من الصواريخ الباليستية، والتي تمتاز بمسارها المنحني الذي يبدأ بإطلاق مدفوع بمحرك ثم ينقلب في مسار مكافئ خارج الغلاف الجوي، ليعود ويسقط نحو هدفه بفعل الجاذبية.

طورت طهران أنواعا متعددة من هذه الصواريخ، أبرزها:

فاتح-313: صاروخ قصير المدى (نحو 500 كم)، يعتمد على توجيه دقيق عبر نظام القصور الذاتي وربما الأقمار الصناعية.

قيام-1: مزوّد بنظام توجيه مزدوج، ما يزيد من دقته عند استهداف الأهداف الثابتة.

تُستخدم هذه الصواريخ غالباً بوقود صلب، ما يمنحها قابلية للإطلاق السريع في عمليات مباغتة، ويجعلها أكثر ملاءمة لهجمات الرد السريع.

سياسة الإغراق… إرباك الدفاعات لا اختراقها فقط

دقة الصواريخ لم تكن كافية لاختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية، لكن إيران استخدمت تكتيكاً قديماً–جديداً يعرف بـ”الإغراق الدفاعي”، أي إطلاق أعداد ضخمة من الصواريخ والمسيّرات في وقت واحد.

القبة الحديدية، التي تمتلكها إسرائيل، تحتوي كل بطارية منها على نحو 60 صاروخا اعتراضيا، ويُعتقد أن تل أبيب تملك نحو 10 إلى 12 بطارية فعالة.

هذا يجعل قدرة الدفاع في حدّها الأقصى لا تتجاوز بضع مئات من الصواريخ، وإذا تم تجاوز هذا الرقم في فترة زمنية قصيرة، تنهار الفاعلية، وتُصاب منظومة الاعتراض بالشلل المؤقت.

وقد استخدمت طهران في هجومها تكتيكاً مشابهاً لما اعتمدته الفصائل الفلسطينية سابقاً، عبر إطلاق رشقات متزامنة مدعومة بمسيّرات، بما يفوق قدرة المنظومات الدفاعية على الاستجابة.

خلل في المنظومات الإسرائيلية

حتى دون تعرضها لإغراق هائل، تواجه منظومات الدفاع الإسرائيلية تحديات تقنية معروفة:

تشير تقديرات بعض الخبراء مثل ثيودور بوستول (MIT) إلى أن نسبة نجاح القبة الحديدية في اعتراض الصواريخ بشكل فعّال لا تتجاوز 10% في بعض الحالات.

وبعض الاعتراضات لا تؤدي إلى تدمير الرأس الحربي بل فقط تفجيره بالقرب منه، ما يسمح له بالاستمرار في السقوط نحو الأرض.

تقييمات أخرى من ضباط سابقين في الجيش الإسرائيلي تضع فاعلية هذه المنظومات بين 5 إلى 40%.

ثلاثية الهجوم الجوي الإيراني

لا تعتمد إيران على الصواريخ الباليستية وحدها، بل باتت تملك “ثالوثاً هجومياً” يشمل:

1. الصواريخ الباليستية

2. الطائرات المسيّرة، وأبرزها شاهد-136 التي أثبتت فعاليتها في أوكرانيا، ثم طُوّرت إلى نسخة أحدث (شاهد-238).

3. صواريخ كروز، مثل “سومار” و”هويزة”، القادرة على الطيران على ارتفاعات منخفضة والمراوغة.

هذا التنوع يمكّن إيران من تنفيذ “ضربة معقّدة”، تبدأ بهاجم رادارات الدفاع بالمسيّرات، ما يفتح الطريق لاحقًا أمام الصواريخ الدقيقة.

الصواريخ الفرط صوتية

في نوفمبر 2022، أعلنت إيران تطوير أول صاروخ فرط صوتي، ثم كشفت في يونيو 2023 عن صاروخ “فتاح” بمدى 1400 كلم.

تتميّز هذه الصواريخ بـ:

– سرعة تفوق 5 أضعاف سرعة الصوت.

– قدرة على المناورة على مسارات منخفضة.

– صعوبة بالغة في الاكتشاف والاعتراض.

يعني ذلك أن منظومات الإنذار المبكر، مثل “أرو” و”ثاد”، قد لا تملك الوقت الكافي للرد، خاصة إن أُطلق الصاروخ في سياق هجوم متزامن مع صواريخ أخرى ومسيّرات.

مواجهة مختلفة

للمرة الأولى منذ عقود، تجد إسرائيل نفسها في مواجهة مباشرة مع دولة ذات قدرات عسكرية حقيقية وليست مجرد فصائل مسلحة. إيران، رغم تفوّق إسرائيل من حيث التسليح والدعم الدولي، أثبتت أن “الذهب العسكري” ليس ضرورياً لتحقيق التفوق، وأن “برونزية تكنولوجية” ذكية ومتكيفة قد تكون أكثر من كافية لإحداث فجوات في الدرع الحديدي الإسرائيلي.

ويرى بعض المراقبين أن الاختبار الذي يواجه الجيش الإسرائيلي اليوم يتجاوز مجرد الصواريخ، بل يُنظر إليه على أنه تحدٍّ قد يُعيد رسم قواعد الاشتباك في الشرق الأوسط.

شاركها.
Exit mobile version