قلقيلية- “لسا جاييكم أيام سودا” (تنتظركم أيام سوداء)، بهذه العبارة توعد ضابط جهاز الأمن الإسرائيلي العام “الشاباك” والدة الشهيد طارق زياد داوود بأيام سوداء، في مكالمته التي أبلغها فيها بتصفية ابنها واحتجاز جثمانه، مبقيا بذلك على “فاتورة الحساب مفتوحة”، وكأن ما عاشته العائلة من معاناة لم يكن كافيا.

وأصبحت قلقيلية التي نشطت فيها مقاومة الاحتلال -كباقي مدن شمال الضفة الغربية خلال العامين الأخيرين- هدفا دائما لاقتحاماته وتوغلاته لملاحقة المقاومين، وفي كل مرة يخفق في الوصول لهم يصب جامَّ غضبه على ذويهم، الذين سلط عليهم سيف العقاب الجماعي باعتقالهم، للضغط على أبنائهم المطاردين لتسليم أنفسهم.

وعانت مدينة قلقيلية أكثر من غيرها بمطاردة المقاومين فيها ومضايقة ذويهم، عبر اقتحام منازلهم والعبث بمحتوياتها وتدميرها، وأخضعت عائلات بأكملها للاحتجاز والتحقيق الميداني والاعتقال، إذ سجلت عائلة المطارد الشهيد طارق داوود رقما قياسيا باقتحام منزلهم أكثر من 40 مرة.

عائلة مطارد

يقول خالد داوود (الشقيق الأكبر للشهيد طارق) أن قوات الاحتلال اعتقلت أباه (53 عاما) وأمه (52 عاما) 25 مرة، كما سبق أن اعتقلته هو وإخوته وتعرضوا لتحقيق قاس، وشمل الاعتقال أعمامه وأخواله وأبناءهم مرات عديدة.

ويضيف داوود للجزيرة نت أن قوات الاحتلال استخدمت أساليب فظة خلال الاحتجاز، تمثل أخطرها في التحقيق الميداني والتكبيل وتعصيب الأعين لساعات طويلة، وأحيانا طوال فترة الاعتقال كما حدث مع والدته.

كما كان يتم اقتيادهم لمعسكرات للجيش وليس لمراكز توقيف وسجون نظامية، وهو ما يعني مزيدا من التنكيل والحرمان من الطعام والشراب والعلاج وحتى النوم، وتعرضوا للاحتجاز داخل كرفانات (بيوت حديدية متنقلة) تحت أشعة الشمس الحارقة.

وبينما كان يستقبل المعزين في استشهاد شقيقه، تحدث خالد عن الاعتقال الأخير الذي تعرضت له العائلة “قضت والدتي 4 أيام بمعسكر حوارة جنوب نابلس داخل غرفة لأدوات التنظيف، وتم شبحها وتقييدها على الكرسي طوال تلك المدة، وسط شح متعمد في الماء والطعام والعلاج”.

ويضيف “والدي لم يكن أوفر حظا، ففي إحدى المرات أفرجوا عنه لتنقله مركبة إسعاف للمشفى، لأنهم رفضوا إعطاءه الدواء في أثناء الاعتقال، علما أنه ووالدتي يعانيان أمراضا مزمنة كضغط الدم والسكر”.

عقاب جماعي

مرت عائلات المطاردين ولا تزال بمرحلة صعبة، فلا يوجد وقت ولا شكل محدد لعمليات اقتحام الجيش أو قواته الخاصة، وتتعمد قوات الاحتلال التسبب في أذى للجيران المحيطين من أجل زيادة الضغط، وتحد من تنقل أقارب المقاومين وتوقفهم عند حواجزها العسكرية وتفتش مركباتهم وغير ذلك.

ومثل عائلة داوود، تعرض -ولا يزال- ذوو المقاوم المطارد جبريل جبريل (18 عاما) لتعذيب نفسي وجسدي على أيدي جنود الاحتلال، الذين يواصلون اقتحام منازلهم وشن عمليات اعتقال، شملت حتى الآن والده غسان جبريل (58 عاما) وشقيقه وعمه وأبناء عمه، أما والدته فقد حال مرضها الشديد بالقلب المفتوح دون اعتقالها جسديا، لكنها لم تسلم من التعذيب النفسي والتهديد باغتيال نجلها.

واعتُقل والد جبريل 8 مرات، وأُفرج عنه آخر مرة الأربعاء رفقة شقيقه وابنه، حيث واجهوا قسوة السجن والسجان معا، وتعرض منذ لحظة اعتقاله لتعذيب نفسي وجسدي أيضا، وخلال التحقيق عاش كابوس التهديد بتصفية نجله جبريل، كما فعلوا مع رفيقه الشهيد طارق داوود.

ويقول أشرف جبريل شقيق المطارد جبريل “بعد اغتيال طارق داوود، قبل أيام اعتقل والدي وعمي وابن عمي، وأبقوا يدبه مقيدتين وأعينه معصوبة طوال مدة الاعتقال، ولم يسمحوا له بالذهاب للمرحاض إلا مرة واحدة خلال اليوم، واحتجز داخل غرفة حديدية تحت أشعة الشمس، حتى إن جلده انسلخ عن جسده”.

عاطف دغلس- معسكر قدوميم حيث كان يحتجز الاحتلال احيانا اهالي المطاردين الذين يعتقلهم اضافة الى معسكرات اخرى مثل تسوفيم عند مدخل قلقيلية- الضفة الغربية-قلقيلية- شرق المدينة- الجزيرة نت2

إصرار على الحق

بعد اعتقالهما لأكثر من عام، أفرجت قوات الاحتلال أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عن طارق داوود وصديقه جبريل جبريل ضمن المرحلة الأولى من صفقة تبادل الأسرى في “طوفان الأقصى” بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل.

وبعد أقل من شهر على تحررهما، طورد الاثنان معا، لتغتال قوات الاحتلال طارق عند مدخل بلدة عزون شرق قلقيلية قبل 3 أيام، ويظل جبريل مطاردا ويرفض تسليم نفسه تحت كل الضغوط.

ولم تثمر كل محاولات الاحتلال وضغوطه على العائلتين لإقناع طارق وجبريل بتسليم أنفسهما، وكان ردهما أنهما يفضلان الاستشهاد على التسليم، وأنهما لن يعيشا التعذيب والمعاناة ثانية داخل السجون.

من جهته، يقول رئيس نادي الأسير بمدينة قلقيلية لافي نصورة للجزيرة نت إنه لم يسبق أن واجهت عائلات المطاردين عمليات اعتقال بهذه الوتيرة التي عاشها أهالي المدينة، وأضاف أن الاقتحامات والاعتقالات مستمرة ولم تتوقف رغم كل ما يحدث.

وأكدت ذلك أيضا الناشطة بالدفاع عن الأسرى في قلقيلية أمينة الطويل بقولها إن اقتحام المدينة وقراها أصبح “لحظيا” وفي أي وقت، ليلا أو نهارا، وبشكل يربك السكان ويدمر حياتهم الاقتصادية والمعيشية.

وتضيف الطويل -في حديثها للجزيرة نت- أن “الحالة الثورية والتشكيلات العسكرية التي بدأت بمحافظة قلقيلية، وإن كانت صغيرة، إلا أنها تشكل هاجسا أمنيا للاحتلال”، سواء من حيث مجاورتها للجدار الفاصل بين الداخل المحتل عام 1948 والضفة الغربية، أو قربها من المستوطنات التي تطوق المدينة، “ولذا يحاول الاحتلال وأد هذه الحالة وإنهاءها قبل أن تتوسع”.

وتقول إنه “رغم ما قام به الاحتلال من ردع وتخويف لأهالي المطاردين، لثنيهم عن مواصلة النضال وإيقاع أشد الضرر المعنوي والمادي بهم، فإن هذه السياسة ثبت فشلها”، رغم قسوتها على ذوي المطاردين.

وعن دافعية المطارد لعدم تسليم نفسه، رغم كل الظروف الضاغطة والقاهرة، تُرجع الطويل ذلك إلى “إيمانه الكامل بحقه في الدفاع عن نفسه وشعبه ومقاومة الاحتلال، وعدم تفكيره بالحلول السلمية حين قرر المضي في طريق المقاومة”.

شاركها.
Exit mobile version