واشنطن- في قلب حملة يخوضها الجمهوريون ضدّ كامالا هاريس بسبب مواقفها التي يصفونها بـ”الضعيفة” تجاه السياسة الخارجية والقضايا الداخلية لأميركا، اختارت أخيرا حاكم ولاية مينيسوتا تيم والز لينضم إلى بطاقة ترشحها رسميا لمنصب الرئاسة عن الحزب الديمقراطي.

واضطرت هاريس لاتخاذ قرار اختيار النائب في وقت قياسي، بسبب تراجع الرئيس جو بايدن عن الترشح لانتخابات الرئاسة قبل أسبوعين، مما حوّل الرجل من حاكم مغمور لولاية من ولايات الغرب الأوسط، إلى مرشح لثاني أهم منصب في البلاد يحمل مسؤولية تقديم نفسه للأميركيين والدفاع عن أجندته قبل أقل من 3 أشهر فقط من موعد الانتخابات.

ورغم أن فئة عريضة من الأميركيين لم يسمعوا من قبل عن والز، فإنه لفت الانتباه مؤخرا بوصفه المرشح الجمهوري دونالد ترامب والجمهوريين بأنهم “غريبون”، لتتحوّل الكلمة بسرعة إلى موضوع تراشق بين المنافسين، وربما تصبح شعارا لهذا السباق الانتخابي “الغريب” في تطوراته.

إرضاء للطرفين

تدرك المرشحة الديمقراطية جيدا أن قطار البيت الأبيض يمرّ عبر محطة التوازن في الموقف من إسرائيل والحرب على غزة، وهذا ما جعلها -حسب محللين- تبتعد عن تسمية مرشح آخر قوي هو حاكم بنسلفانيا جوش شابيرو، السياسي اليهودي الذي أثار حفيظة دعاة السلام الأميركيين عندما شبّه الطلبة المتظاهرين في الجامعات بجماعة “كو كلوكس كلان” “كي كي كي” المتطرفة.

وتعالت بشأن ترشيحه للمنصب أصوات جناح التقدميين في الحزب الديمقراطي الرافضة له، وأطلقوا حملة “ضد شابيرو” للتحذير من العواقب التي يمكن أن تنتج عن تسميته، وأهمها تبخّر الأمل الذي انبعث من جديد في نفوس هؤلاء الديمقراطيين بعدما قاطعوا بايدن بسبب دعمه لإسرائيل.

وقد حظي والز بترحيب عامّ من مختلف أطياف الحزب، وأشادوا بتسميته مذكّرين بصراحة مواقفه الداعمة لإسرائيل. ومنهم هالي سويفر، رئيسة المجلس الديمقراطي اليهودي في أميركا، التي عقّبت -في تدوينة لها على منصة إكس- على فكرة عدم اختيار هاريس لشابيرو بسبب مواقفه من إسرائيل ووصفتها بـ”السخيفة”، وأكّدت أن “كامالا هاريس والحاكم والز يشتركان مع الحاكم شابيرو في دعم إسرائيل القوي”.

ورغم أن والز كان ولا يزال -شأنه شأن معظم الديمقراطيين- مؤيّدا لإسرائيل، وصوّت خلال خدمته في مجلس النواب لإدانة قرار الأمم المتحدة حول عدم قانونية المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية، فإنه نهج أسلوبا أكثر مرونة تجاه الحركات المؤيدة للفلسطينيين بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ويتجلّى هذا عندما عبّر عن تفهّمه لموقف الآلاف من الديمقراطيين الذين صوّتوا بـ”غير ملتزم” في الانتخابات التمهيدية الرئاسية بمينيسوتا، وقال “إن هذه القضية تمثّل أزمة إنسانية، ولهم الحقّ في أن يسمع صوتهم.. إن هؤلاء الناس يطالبون بتغيير المسار وبممارسة المزيد من الضغوط”.

محبوب العمّال

من مفاتيح الفوز بالرئاسة الأميركية التي يتنافس عليها الحزبان هي الحصول على دعم الطبقة العاملة في البلاد، وهو ما حصل عليه والز بالفعل، حيث عبّرت أبرز الاتحادات العمالية عن ترحيبها باختيار والز مرشحا لمنصب نائب الرئيس.

ووقّع حاكم مينيسوتا العام الماضي على مجموعة من التشريعات الأكثر تأييدا لحقوق العمّال في أميركا منذ عقود، مثل إجازة الأمومة والأبوّة المدفوعة الأجر، والإجازات المرضية، ورعاية الأطفال، ويرجع إليه سكان مينيسوتا الفضل في حصولهم على مدة إجازة عائلية تمتد 20 أسبوعا خلال السنة الواحدة، وهو ما يعتبر رقما مرتفعا جدا بالنسبة لولايات أخرى.

ولا ينحدر والز من ولايات “الجدار الأزرق” (الولايات التي تصوت تاريخيا وتقليديا للمرشح الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية) التي تشكّل فيها قضايا العمّال النواة الأساسية وتعتبر جسر العبور الحاسم للوصول إلى المكتب البيضاوي، لكنه يقع بجوارها مباشرة في ولاية مينيسوتا، ويضمن بقاءها في صفّ الديمقراطيين.

إذ لم تنتخب هذه الولاية أي جمهوري لأي منصب منذ عام 2006، كما لم يفز أي مرشّح جمهوري للرئاسة فيها منذ عام 1972، وهذا ما يفسّر خوض دونالد ترامب لحملة انتخابية هناك وصوّرها على أنها معنية بالتنافس بين الحزبين.

ومن بطاقات فوزه أيضا تركيزه على دعم الطبقة المتوسطة، حيث ركّز في أول فيديو ترويجي له بعد انضمامه لترشيح هاريس على تنشئته الاجتماعية وجذوره الريفية من قرية صغيرة بولاية نبراسكا، حيث “تعلّم أن يكون كريما مع جيرانه وأن يتنازل دون التخلي عن قيمه”.

رهان المحافظين

ترى حملة ترامب حاكم ولاية مينيسوتا والز بالعين نفسها التي ترى بها هاريس، فهو بالنسبة لها “يساري متطرّف”. فالرجل معروف بدفاعه المستميت عن القضايا التقدمية مثل المساواة بين المثليين، إذ سنّ تشريعات في الولاية تحمي حق الوصول للرعاية الصحية المؤكّدة للجنس وحظر علاجات تغيير التوجّه الجنسي، كما منع المكتبات من حظر الكتب بسبب احتوائها على مواضيع أو شخصيات مثلية.

لكن والز سبق أن أثبت قدرته على جذب الناخبين المحافظين في أول ترشح له للكونغرس، حيث فاز في منطقة ريفية جنوب مينيسوتا 6 فترات متتالية مستغلا غضب الناخبين آنذاك من الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش بسبب حرب العراق.

ودافع خلال الفترة التي خدم فيها بمجلس النواب بين عامي 2007 و2019 عن قضايا المحاربين القدامى، وصوّت لصالح تشريعات تسهّل امتلاك الأسلحة وتقيّد إجراءات السيطرة عليها، وهو ما أكسبه تصنيف “أ” من الرابطة الوطنية للبنادق.

لكن العلاقة بينه وبين هذه الرابطة سرعان ما تحوّلت إلى العداء بعد حادث إطلاق النار في فبراير/شباط عام 2018 بفلوريدا، عندما تبنّى والز موقف اليسار واتخذ إجراءات أكثر صرامة بشأن الأسلحة، ثمّ وقّع بصفته حاكما مجموعة إصلاحات للسيطرة عليها بما فيها فحوصات الخلفية الشاملة وقواعد “ريد فلاغ” التي تسمح بمصادرة الأسلحة من الأشخاص الذين يعتبرون خطرين.

ويضاف موقفه من الأسلحة إلى مجموعة المواقف التي يراها منافسوه “ليبيرالية أكثر من اللازم”، مثل تقنين الماريجوانا الترفيهية للبالغين، وتعزيز حقوق الإجهاض وحرية الإنجاب وحماية المثليين، وهو ما يزيد من صعوبة العقبات التي تواجهها هاريس في رحلتها القصيرة لاستمالة أصوات الناخبين.

شاركها.
Exit mobile version