الفاشر– في مخيم زمزم للنازحين بولاية شمال دارفور غربي السودان، تتقاسم السيدتان أم الحسن وسامية عبد الله مطبخًا صغيرًا لإعداد وجبات الطعام لأطفالهما، بعد أن هربتا من القصف المدفعي الكثيف الذي تشنه قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر عاصمة الولاية حيث استقرت العائلتان في المخيم الذي يفتقر إلى أدنى الموارد الأساسية.

تقول سامية للجزيرة نت “لا نملك الكثير، لكننا نحاول مشاركة ما لدينا. أعدّ أنا وجارتي الطعام معًا كل يوم في مطبخ واحد؛ فلا يكفي ما لدينا من غذاء لطهي وجبات منفصلة”.

ويضطر العديد من النازحين في المخيم إلى تقاسم الطعام والاعتماد على بعضهم للبقاء على قيد الحياة، حيث يواجهون تفشي سوء التغذية والمجاعة بحسب تقارير أممية، في ظل شح المساعدات المقدمة من المنظمات والهيئات الدولية.

من جانبها، قالت النازحة نعمات أبكر إن الوضع في المخيم أصبح مأساويا؛ فلا تستطيع هي وأسرتها الحصول على الطعام الكافي. وأشارت إلى أنهم اضطروا إلى بيع بعض ممتلكاتهم البسيطة من أجل شراء بعض السلع الغذائية الأساسية.

وأضافت للجزيرة نت أن المياه النقية شحيحة للغاية في المخيم، وأنهم يضطرون إلى استخدام مصادر غير آمنة، وذلك مما يزيد من مخاطر الإصابة بالأمراض.

وقالت أبكر إن الأمل الوحيد للنازحين هو رفع الحصار عن مخيم زمزم، وتدخّل المنظمات الإنسانية لتقديم المساعدات والحماية اللازمة لهم في هذه الظروف الصعبة.

انتشار المجاعة

يقع مخيم زمزم على بعد 15 كيلو مترا جنوبي مدينة الفاشر، ويوفر المأوى لأكثر من نصف مليون نازح فرّ معظمهم من مناطقهم الأصلية في إقليم دارفور عقب اندلاع النزاع المسلح في الإقليم عام 2003، وارتفع عدد النازحين فيه مؤخرا بسبب الحرب في مدينة الفاشر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

ورغم الظروف الصعبة بالمخيم، تقوم المنظمات الإنسانية المحلية بجهود محدودة لتوفير المساعدات الأساسية للنازحين، إلا أن هذه المساعدات غير كافية لتمنع وقوع المجاعة.

وأكدت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين وجود مجاعة في مخيم زمزم بشمال دارفور، وقالت في بيان نشرته على منصة “إكس” إن علامات المجاعة كانت ظاهرة منذ شهور، ولكن تم التأكد الآن من انتشارها.

وأشارت المفوضية إلى أن النازحين يموتون جراء الجوع وسوء التغذية والمرض، سواء كانوا من الأطفال والنساء والرجال. ودعت الجهات المختصة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة الوضع الحرج وإنقاذ أرواح المتضررين في المخيم.

وسبق أن أعلنت لجنة من خبراء الأمن الغذائي المدعومة من الأمم المتحدة وجهات دولية أخرى عن حدوث مجاعة في مخيم زمزم، وقالت اللجنة إن الحرب في السودان والقيود المفروضة على إيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين تسببت في تفشّي المجاعة في المخيم.

وأفاد المتحدث الرسمي للمنسقية العامة للنازحين واللاجئين بدارفور آدم رجال أن النازحين في زمزم يواجهون المجاعة وأزمة إنسانية خطيرة. وقال إن الجميع يعاني من نقص حاد في الغذاء والماء والدواء، عازيا الأمر إلى توقف توزيع المساعدات الغذائية المقدمة لهم من الهيئات والمنظمات الدولية منذ اندلاع الحرب في السودان.

ونبّه رجال، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن انتشار المجاعة ليس في مخيم زمزم وحده، بل يشمل مخيمات أخرى للنازحين في دارفور. وقال إن حالات سوء التغذية وسط الأطفال والحوامل والأمهات والعجزة والمسنين تفشت بمخيم “مكجر” للنازحين، فقد شهد المخيم أكثر من 450 حالة سوء تغذية أسفرت عن وفاة 5 أطفال جراء المجاعة وانعدام الأمن الغذائي.

المجاعة تطرق أبواب السودان من مخيم زمزم في الفاشر

نفي حكومي

ومن جانبها، نفت مفوضية العون الإنساني في السودان ومسؤولون بحكومة ولاية شمال دارفور التقارير التي تحدثت عن حدوث مجاعة في مخيم زمزم.

وقال مفوض العون الإنساني بالولاية عباس يوسف، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، إن الزيارة الميدانية التي قام بها مع وفد من وزارة الصحة وجهات فنية أخرى أظهرت أن الوضع الإنساني والغذائي في المخيم أفضل من العام السابق، وأن الوفيات المسجلة للأطفال طبيعية، ووصف التقارير الأممية بأنها “غير حقيقية وبثت لأغراض سياسية”.

وفي ظل التقارير المتضاربة عن الأوضاع في مخيم زمزم للنازحين، قال الناشط آدم صالح -للجزيرة نت- إن شحّ الغذاء وبعض المستلزمات الأساسية يرجع بشكل رئيسي إلى الحصار والقيود التي فرضتها قوات الدعم السريع على الطرق وقطعها للإمدادات، إذ منع ذلك وصول هذه السلع والمساعدات الإنسانية إلى مدينة الفاشر ومنها إلى المخيم.

وأشار صالح أيضا إلى ارتفاع حاد في أسعار السلع الأساسية، مثل الذرة والوقود، مع شح في العملة النقدية فاقم أزمة الحصول على الطعام في المخيم.

كارثة إنسانية

وحذر الناشط آدم صالح من أن استمرار هذا الوضع قد يدفع الملايين من النازحين إلى المجاعة والموت، نظرًا لنقص الغذاء الناجم عن الحصار المفروض على المدينة والقتال الذي امتد إلى 12 ولاية من أصل 18 في البلاد.

وشدد على ضرورة تدخل المنظمات الإنسانية لإيصال المساعدات الغذائية والإمدادات الأساسية إلى المخيم، للحيلولة دون وقوع كارثة إنسانية.

وبشأن شُحّ الغذاء والمستلزمات اليومية الأخرى في مخيم زمزم دون غيره من مخيمات النازحين في الولاية، يقول صالح إن ذلك يعود إلى الموقع الجغرافي للمخيم داخل نطاق الحصار الذي تفرضه قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر منذ أشهر.

وأوضح أن هروب سكان الفاشر جراء القصف المدفعي الكثيف واحتمائهم بالمخيم ولّد “أزمة اكتظاظ كبيرة”، فأصبح المخيم الملجأ الوحيد والأقرب لسكان المدينة دون غيرها من المناطق.

شاركها.
Exit mobile version