طوال 5 عقود، حافظت عائلة شاليش على حضور فاعل في بنية السلطة السورية، مستفيدة من صلات النسب الوثيقة التي جمعتها بآل الأسد، حيث ارتبط النفوذ السياسي والأمني للعائلة بشكل وثيق بزواج مؤسسها سلمان شاليش من حسيبة علي سليمان الأسد شقيقة حافظ الأسد، الأمر الذي رسّخ مكانتها ضمن النواة الصلبة للنظام.
وتعود أصول عائلة شاليش إلى مدينة القرداحة، مسقط رأس عائلة الأسد في محافظة اللاذقية، ومن بين أفراد هذه العائلة، تميز كل من اللواء ذو الهمة شاليش وأخيه اللواء رياض شاليش اللذين لعبا دورا كبيرا في ظل سلطة خالهما حافظ الأسد وابن خالهما بشار، بظهورهما البارز في مؤسسات النظام، ويأتي بعدهما أبناء أخويهما عيسى وحكمت.
ذو الهمة مؤسس المافيا العائلية
وُلد زهير سلمان شاليش، المعروف باسم “ذو الهمة شاليش”، في بلدة القرداحة عام 1956، وقد شكّلت عائلة شاليش من خلال نفوذ ذو الهمة أحد أركان شبكة السلطة والنفوذ، موازية في التأثير لعائلة مخلوف التي ارتبط صعودها بموقعها كأخوال لبشار الأسد.
برز ذو الهمة شاليش في المشهد الأمني والسياسي السوري بعد تعيينه مسؤولا عن الحراسة الخاصة لخاله حافظ الأسد، خلفا للعميد الفلسطيني خالد الحسين الذي أُعفي من منصبه في أعقاب وفاة باسل الأسد عام 1994 في حادث سيارة غامض، وفقا للرواية الرسمية آنذاك.
استمر شاليش في أداء مهامه الأمنية حتى بعد انتقال السلطة إلى بشار الأسد، وظل في موقعه حتى إقالته في عام 2019، مما أنهى عقودا من ارتباطه المباشر بأعلى مستويات السلطة.
وإلى جانب دوره الأمني، ، حيث أسس شركة “سيس إنترناشونال” التي تنشط في مجالي البناء واستيراد السيارات، وقد راكم ثروة كبيرة من خلال الدخول في مشاريع بنى تحتية كبرى ومقاولات عامة، غالبا ما كانت بتمويل خارجي من دول عربية وأجنبية.
وكانت شركاته تلعب دورا محوريا في تنفيذ مشاريع الطرق وشركات النفط، لا سيما في شمال وشرق البلاد، حيث هيمن ذو الهمة بالتعاون مع بعض رجال الأعمال الآخرين على أكبر المناقصات والعقود في قطاعي الطرق والنفط، وهيمنتهما كانت شبه مطلقة في هذا المجال خلال سنوات حكم بشار الأسد الأولى.
وبحسب اللجنة السورية لحقوق الإنسان، في تتبعها لمسيرة شاليش، فقد وسّع نفوذه في قطاع تجارة السيارات ليشمل عددا كبيرا من معارض السيارات ومكاتب الوكالات المنتشرة على أطراف العاصمة دمشق، لا سيما على الطريق الدولي المؤدي إلى حمص، وفي محيط مدينة حرستا بريف دمشق.
هذه الشبكة التجارية التي ضمت مئات الموظفين كانت تعمل تحت إشرافه المباشر، وكان غالبها يتكون من أفراد من عائلته والموالين له من العلويين، مما يعكس نمطا من التوظيف القائم على الولاء العائلي والطائفي.
![***داخلية]****وفاة ذو الهمة شاليش](https://jeddahdays.com/wp-content/uploads/2025/05/image-1747733415.png)
الانحياز للنفوذ الإيراني
ومع اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011، برز ذو الهمة شاليش كأحد الفاعلين الرئيسيين في عمليات القمع التي استهدفت الحراك الشعبي، ففي 24 يونيو/حزيران من العام نفسه أدرج الاتحاد الأوروبي اسمه ضمن قائمة العقوبات.
وتبعته الولايات المتحدة لاحقا؛ متهمة إياه بالضلوع المباشر في القمع الدموي للمتظاهرين، فضلاً عن دوره البارز في تمويل وتنظيم مليشيات “الشبيحة” التي لعبت دورا محوريا في عمليات الترهيب والقتل.
ولكن في أعقاب التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا عام 2015 إلى جانب نظام بشار الأسد، اتضحت ملامح انقسام داخل النخبة الأمنية المقربة منه، حيث برز ميل ذو الهمة شاليش نحو التحالف مع الجانب الإيراني، وهو التوجه الذي شاركه فيه ماهر الأسد، شقيق الرئيس المخلوع وقائد الفرقة الرابعة.
غير أن هذا الانحياز لم يمر دون تبعات، إذ بدأت روسيا في أواخر يونيو/حزيران 2019، بحسب تقارير، بالتضييق على شاليش، في سياق فتح ملفات تتعلق بشبهات فساد وتهريب.
وأشارت مصادر إعلامية مقربة من النظام آنذاك إلى أن تلك الملفات شملت تهريب العملة الصعبة، والاتجار غير المشروع بالآثار، وبيع أسلحة للفصائل المسلحة في مناطق مثل الغوطة الشرقية وريف اللاذقية، في فترة كان فيها توازن النفوذ بين موسكو وطهران موضع تنازع داخل بنية النظام.
وبحسب ما ذكر مصدر وصف بأنه مقرب من روسيا للصحافة المحلية، فإن شاليش تورط في مطلع ذلك العام بتهريب عميل يتبع لجهاز استخباراتي -لم يُذكر اسمه- بالتنسيق مع مسؤولين إيرانيين، بعدما علم بنية روسيا توقيفه.
مرحلة التراجع والعزل
وأفاد المصدر ذاته بأن وحدات روسية، بالتعاون مع المكتب الأمني في القصر الجمهوري، أقدمت على توقيف عدد من المقربين من شاليش والعاملين تحت إدارته داخل دمشق واللاذقية، وتم تحويلهم إلى أحد فروع المخابرات السورية للتحقيق، مما اعتُبر مؤشرا على بداية تقليص دوره الأمني والمالي، وتوجيه رسالة صارمة من موسكو بشأن حدود تحالفات دمشق الإقليمية.
شملت التحقيقات ملفات فساد واسعة النطاق، من بينها شبهات تحيط بمشروع “ماروتا سيتي” في دمشق، الذي أشرف عليه رياض شقيق ذو الهمة شاليش، عبر مؤسسة الإسكان العسكري التي رأسها والتي تحولت فعليا إلى ذراع اقتصادية لعائلة شاليش خلال العقود الماضية.
وعلى خلفية هذه التطورات، صدر قرار من رأس النظام بعزل ذو الهمة شاليش من مناصبه الأمنية، وتردد في حينه أنه وُضع تحت الإقامة الجبرية في منزله الكائن بحي المالكي في دمشق، ومنذ منتصف عام 2020 غاب ذو الهمة بصورة تامة عن الساحة، مما أثار سلسلة من التكهنات حول مصيره.
ولكن في 14 مايو/أيار 2022 أُعلن عن وفاة ذو الهمة شاليش في مستشفى الرازي بالعاصمة دمشق، وشُيّع في اليوم التالي في مسقط رأسه ببلدة القرداحة بريف اللاذقية، وسط ترجيحات من بعض المتابعين للشأن السوري وقتها بأنه قد تمت تصفيته طمعا في ثروته المالية التي قدرت بمليار دولار.
رياض إمبراطور الإسكان العسكري
يأتي رياض شاليش الذي بلغ رُتبة لواء تاليا من حيث المكانة والأهمية في عائلة شاليش، وكان يُعد من أبرز الشخصيات المرتبطة بمؤسسات النفوذ الاقتصادي والعسكري وشبكات الفساد داخل بنية النظام السوري.
فقد برز دوره في أواخر سبعينيات القرن الماضي عندما اختاره رفعت الأسد، شقيق حافظ، لتولي إدارة مؤسسة إسكان سرايا الدفاع، التي أُنشئت خصيصًا لتأمين مشاريع البناء الخاصة بتشكيلات سرايا الدفاع، حيث تولّى شاليش هذا المنصب برتبة عقيد، في وقت كانت فيه سرايا الدفاع تتمتع باستقلال مالي شبه كامل، وكانت موازنتها تضاهي موازنة الدولة السورية حينها.
وفي تلك الفترة، ومع تصاعد نفوذ رفعت الأسد لا سيما بعد عام 1982، كانت سرايا الدفاع تُمارس هيمنة ميدانية على العديد من الموارد العامة والخاصة، وتُتهم بشكل واسع بالاستيلاء على آليات ومعدات مملوكة للدولة والمواطنين، وهو ما أتاح لقياداتها -ومن بينهم رياض شاليش- فرصا كبيرة لتوسيع نفوذهم الاقتصادي.
وقد نُسب لشاليش الإشراف على عدد من المشاريع الكبرى في محيط العاصمة دمشق، من بينها مشروع السومرية السكني، إلى جانب عمليات استحواذ على أراضٍ استُخدمت لاحقا لبناء تجمعات سكنية، من بينها منطقة المزة 86، التي تحوّلت مع الزمن إلى واحدة من أبرز معاقل القوات الموالية للنظام، وشهدت توطينا منظما لأبناء الطائفة العلوية بدعم مباشر من شاليش عبر توفير مواد البناء الأساسية.
من الإسكان إلى نفوذ اقتصادي أوسع
ولكن في منتصف عام 1984، وعلى خلفية الصراع الذي نشب بين حافظ الأسد وشقيقه رفعت، عُزل رياض شاليش من موقعه في مؤسسة إسكان سرايا الدفاع، التي كان قد ترأسها بعد ترقيته إلى رتبة عميد، وقد أُوكلت إدارة المؤسسة آنذاك إلى ضابط آخر كان محسوبا على الدائرة الأمنية المقربة من حافظ الأسد، ومع هذا التغيير أعيدت هيكلة المؤسسة وأُطلق عليها اسم “الوحدة 481” ضمن خطة إعادة ضبط مؤسسات رفعت السابقة.
وظل رياض شاليش بعيدا عن دائرة الفعل لعدة سنوات، حيث أُلحق بمؤسسة الإسكان العسكري التي كان يقودها اللواء خليل بهلول، دون أن يُسند إليه دور تنفيذي فعلي، غير أن نفوذه عاد إلى الواجهة لاحقا، إذ تولى شاليش إدارة المؤسسة بعد بهلول، ليبدأ مرحلة جديدة من التمدد الاقتصادي والإداري داخل مؤسسات الدولة.
ونفذت أو أشرفت مؤسسة الإنشاءات العسكرية، تحت إدارة شاليش، على بناء العديد من المشاريع العمرانية الكبرى، بما في ذلك ضاحية حرستا السكنية في دمشق وضاحية الوليد في حمص، وفي فترة لاحقة انتقل رياض شاليش إلى مدينة حمص حيث أسّس بالاشتراك مع شقيقه ذو الهمة شاليش شركة اتصالات خاصة، وانخرطا معا على الفوز بعقود المناقصات الحكومية، مما مكنهما من جمع ثروات ضخمة.
ووفق تقرير لصحيفة اقتصاد المحلية، استغل الشقيقان موقعهما للتلاعب بملفات التوريد والمشاريع الحكومية، ونهب مؤسسات اقتصادية مركزية مثل “مؤسسة عمران” المختصة بتوزيع مواد البناء، ومعامل الإسمنت الحكومية، كما شاركا في الاستيلاء على الحديد الذي تصادره الجمارك، مما رسّخ حضورهما كفاعلين اقتصاديين مهيمنين على مفاصل الاقتصاد العام في مرحلة ما قبل الثورة السورية.
وبعد وفاة أخيه الأكبر والأكثر نفوذا ذو الهمة عام 2022، أصبح رياض الشخصية الرئيسية في العائلة، مستفيدا من صلة القرابة مع بشار الأسد ونفوذه الاقتصادي، حيث قُدرت ثروته بأكثر من مليار دولار، مع سيطرته على منشآت في حمص واللاذقية، ولكن مع سقوط النظام تواترت أنباء تفيد بأنه مع كثير من أفراد عائلته هربوا إلى لبنان.
فراس وآصف عيسى شاليش
فراس عيسى شاليش من الجيل الجديد لآل شاليش فقد وُلد عام 1976. وفقا للمعلومات الشحيحة عنه، شارك عمه ذو الهمة في تأسيس شركة اتصالات في حمص عام 1998، حيث أدارت الشركة مركزا خاصا للاتصالات الخارجية، وسيطرت على عشرات الآلاف من الخطوط الهاتفية، مما أتاح لها جني ملايين الدولارات، ووفقًا لاتهامات متداولة، تسبب ذلك في أضرار بالخزينة العامة السورية.
تذكر قاعدة بيانات “أوبن سانكشنز”، وهي منصة دولية لتوثيق العقوبات والشخصيات المرتبطة بالفساد، أنه بعد دخول شبكة الهاتف الخلوي إلى وسط سوريا، فقد نشب خلاف بين فراس شاليش ورامي مخلوف الذي سيطر على شبكة الهاتف المحمول في البلاد، واتخذ بشار الأسد موقفا مؤيدا لابن خاله رامي، مما دفع فراس للهروب إلى قبرص، ومن هناك استثمر الأموال التي اتُّهم بسرقتها في العديد من المشاريع حسب ما أشارت إليه تقارير غير رسمية.
أما آصف عيسى شاليش، أخو فراس، فقد ولد عام 1959، وبرز اسم آصف في عام 2005 عندما أدرجته وزارة الخزانة الأميركية ضمن قائمة العقوبات إلى جانب عمه ذو الهمة، بتهمة انتهاك العقوبات المفروضة على العراق، حيث اتهمت واشنطن شركة “سيس إنترناشونال”، التي كان يديرها آصف شاليش بشراء سلع ذات صلة بأنشطة الدفاع لصالح النظام العراقي السابق، في انتهاك للعقوبات الدولية المفروضة آنذاك.
وقد اعتُبرت شركة “سيس إنترناشونال” واجهة اقتصادية لعائلة شاليش حيث نشطت في مجالي البناء واستيراد السيارات، وبحسب تقارير إعلامية فقد استُخدمت الشركة كأداة لتجاوز العقوبات الدولية، من خلال إصدار شهادات مستخدم نهائي مزيفة للموردين الأجانب، مما سمح بتمرير المعدات إلى العراق عبر سوريا.
وبالإضافة إلى ذلك، ورد اسم آصف شاليش في تقارير تتعلق بتهريب النفط العراقي إلى سوريا، وهي أنشطة كانت جزءا من شبكة أوسع من العمليات التي اعتبرتها واشنطن غير قانونية، وهذه الأنشطة ساهمت في تعزيز النفوذ الاقتصادي لعائلة شاليش داخل سوريا، خاصة في ظل العلاقة القوية التي ربطتها بعائلة الأسد في العقد الأول من هذا القرن.
ولا تتوفر معلومات مفصلة عن الدور الحالي لآصف شاليش، ويبدو أنه يفضل البقاء بعيدا عن الأضواء، خاصة بعد وفاة عمه ذو الهمة شاليش في عام 2022، ثم بعد خلع بشار الأسد وسقوط نظامه في ديسمبر/كانون الأول 2024.
علي معلا وصخر شاليش
في السابع من أغسطس/آب 2019 نعَت الصحف الموالية لنظام الأسد علي معلا عيسى شاليش حين سقط قتيلا في أحد المعارك التي دارت في ريف حماة.
وبحسب بيان النعي فقد كان علي معلا يبلغ من العمر 60 عامًا، ودُفن في اليوم التالي في القرداحة، ولم تتضح رُتبته العسكرية، الأمر الذي يستنتج منه أنه كان أحد زعماء تنظيمات الشبيحة التي شارك في تأسيسها وإنشائها عمّه ذو الهمة شاليش منذ بداية الثورة السورية.
من جهته، انخرط صخر حكمت شاليش مثل عمّيه ذو الهمة ورياض في الجيش السوري، حتى بلغ رتبة عقيد في عام 2015. ولم يلعب حكمت، أبو صخر، مثل أخويه أي أدوار نافذة في سوريا، ولكن ابنه صخر سار على درب أعمامه في النشاط العسكري.
رغم أن المعلومات المتاحة عنه محدودة، فإن ارتباطه بالعائلة التي لعبت دورا محوريا في النظام السوري يشير إلى مكانته داخل الدوائر العسكرية والأمنية، ولكن في عام 2015 ترددت أنباء عن مقتله في اشتباكات عسكرية دون تأكيد رسمي.