فيلم “أرواح سوريا المفقودة”ربما يكون يوما ما بمثابة أرشيف لسرد الصمت السياسي والعقبات المؤسسية والقانونية التي سيتغلب عليها الضحايا والمنظمات المدنية المنخرطة في محاربة إفلات النظام السوري من العقاب، رغم أن آلاف الأشخاص ما زالوا يختفون في سجون بشار الأسد.
يكشف فيلم “أرواح سوريا المفقودة” عن صراع طويل الأمد، مليء بالمزالق يتأرجح بين الآمال والخيبات، بين زمن العدالة غير المحدود والذاكرة السياسية والإعلامية القصيرة، بين القصص الحميمة والمؤسسات الدولية، وفي قلبه، تكمن القضايا المعقدة المتعلقة بالإجراءات القانونية ضد مجرمي الحرب السوريين، التي تبدأ عقباتها من عدم تصديق سوريا على نظام روما الأساسي ولا تنتهي بمنع حق النقض لدى حلفاء سوريا مجلس الأمن من توجيه طلب للمحكمة الجنائية الدولية.
بهذه المقدمة افتتح موقع “أوريان 21” (OrientXXI) الفرنسي عرضا لمناقشة فيلم “أرواح سوريا المفقودة” الوثائقي لستيفان مالتيري وغارانس لوكين الذي دخل دور العرض منذ الثالث من مايو/أيار 2023، وعرض للنقاش أمام كليمانس بكتارت، محامي عائلة الدباغ والاتحاد الدولي لحقوق الإنسان وزياد ماجد، عالم السياسة الفرنسي اللبناني، والأستاذ ومدير برنامج دراسات الشرق الأوسط في الجامعة الأميركية في باريس.
وتطرق الموقع -في مقال لمينا شاسل- إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية الذي تم تبنيه من قبل عدد قليل من التشريعات الوطنية، والذي يمكن أن يحل محل العدالة الجنائية الدولية ليجعل مقاضاة الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سوريا أمرا ممكنا، خاصة بدعم الآلية الدولية المحايدة والمستقلة المخصصة لسوريا للجان التحقيق الوطنية.
وبسبب رغبة المنظمات الدولية في تسليط الضوء على هذه الجرائم؛ وضعت المنظمات إستراتيجيات للتحايل، وبالفعل قُدمت شكاوى في إسبانيا وفرنسا وألمانيا في أعقاب “قضية قيصر”، لتعقب الانتهاكات في النصوص التي تحكم الولاية القضائية العالمية.
الصمت السياسي والقضائي
ويتابع هذا الفيلم المسارات الفردية -وفق الكاتبة- خاصة شجاعة ومثابرة أولئك الذين يشرعون في البحث عن العدالة والحقيقة وأولئك المدعين والشهود والخبراء والمحامين الذين يتقدمون معا، وأحيانا يتلمسون هذه القضايا القانونية على مسار متعرج، مثل عبيدة الدباغ الذي يريد محاكمة المسؤولين عن اختفاء شقيقه وابن أخيه مازن في فرنسا، وأمل التي تحاول في إسبانيا إلقاء الضوء على وفاة شقيقها عبدول في سجون النظام، بعد التعرف على صورته في ملف قيصر، وغيرهما.
ويتتبع الفيلم آلة الموت السورية العنيفة والصمت الرهيب الذي يرافق محاولات المجتمع المدني لتقديم المسؤولين إلى العدالة، حيث يخاطر المحامون والناشطون بتعريض المختفين للخطر إذا كانوا لا يزالون على قيد الحياة، وبتهديد أحبائهم، خاصة أنه يتم رفض بعض الشكاوى من قبل المحاكم التي تعلن أنها غير مختصة.
مكافحة الإفلات من العقاب
وأشارت الكاتبة إلى ما اعتبره الناشطون قرارا تاريخيا وأخبارا سارة للغاية، عندما أمر قضاة التحقيق بإدانة مجرمي الحرب السوريين أمام المحكمة الجنائية في باريس، خاصة مع القيود الفرنسية على الولاية القضائية العالمية ورضاها عن المقربين من النظام السوري، إلا أن محكمة النقض بعد ذلك ألغت لائحة الاتهام بحق “عبد الحميد ج”، الذي تم القبض عليه كجزء من التحقيق في ملف قيصر، واعتبرت المحاكم الفرنسية غير مختصة على أساس مبدأ التجريم المزدوج، وهو قيد على الولاية القضائية العالمية الخاصة بالقانون الفرنسي.
وخلصت الكاتبة إلى أن الفيلم يعيد التذكير بأن ما تحقق من النتائج لم يكن ليتم لولا شجاعة وتصميم الرجال والنساء السوريين الذين وافقوا على الشهادة أمام المحاكم الفرنسية ليقولوا الحقيقة المروعة عن الجرائم التي ارتكبت في سجون بشار الأسد، مشيرة إلى أنه من الضروري أن تؤهل هذه المحاكمة في الوقت الذي يبدو فيه أن النظام السوري ينجح في الالتفاف على العقوبات، كجزء من المعركة الطويلة ضد الإفلات من العقاب.
وختم الموقع بأن هذا الفيلم ربما يكون يوما ما بمثابة أرشيف لسرد الصمت السياسي والعقبات المؤسسية والقانونية التي سيتغلب عليها الضحايا والمنظمات المدنية المنخرطة في محاربة إفلات النظام السوري من العقاب، رغم أن آلاف الأشخاص ما زالوا يختفون في سجون بشار الأسد.