القدس المحتلة- من نحو عامين ونصف العام يعيش المقدسي مراد العباسي (44 عاما) بعيدا عن بلدته سلوان وعائلته، وذلك بعدما أبعده الاحتلال في يونيو/حزيران 2022 عن المدينة الفلسطينية المقدسة نهائيا بحجة وجود “ملف سريّ” لينضم إلى عشرات المبعدين عنها بشكل دائم أو مؤقت، والذين وصل تعدادهم منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى 120 مواطنا، وفق إحصاء محافظة المدينة الفلسطينية المقدسة.

“خسرت حياتي، أقول دائما الأكل والشرب يعوض ولكن العائلة لا تعوض، حرمت من عائلتي وأبنائي الستة، كبروا وهم بعيدون عني، لم أستطع مشاركتهم أفراحهم ونجاحاتهم، أو حتى الوجود بقربهم وقت مرضهم” يصف العباسي للجزيرة نت ثمن الإبعاد الذي دفعه وما زال.

وأضاف أن ابنته تزوجت في القدس ولم يستطع حضور “الجاهة” وهي مراسم التقدم بطلبها، والخِطبة، وتمكن فقط من انتظارها عند باب قاعة حفل الزفاف الذي أقيم خارج القدس.

مبررات الإبعاد

ومثل العباسي هناك وزير القدس الأسبق خالد أبو عرفة، ونواب المجلس التشريعي محمد أبو طير وأحمد عطون ومحمد طوطح، الذين أبعدهم الاحتلال نهائيا عن القدس إلى الضفة بعد انتخابهم ممثلين عن كتلة التغيير والإصلاح التابعة لحركة حماس وفوز الأخيرة بانتخابات عام 2006.

وإلى جانبهم جرى إبعاد أسرى مقدسيين إلى غزة أو خارج فلسطين بعدما تحرروا في صفقة وفاء الأحرار عام 2011. إضافة إلى المحامي والناشط المقدسي صلاح حموري الذي أبعد عن القدس نهائيا إلى فرنسا في ديسمبر/كانون الأول 2022.

وخلال أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، أبعد الاحتلال عن القدس بشكل مؤقت لفترات متفاوتة 7 مقدسيين -وفق إحصاء محافظة المدينة المقدسة- بينهم أسرى محررون، قرن الاحتلال تحررهم بإبعادهم عن القدس عدة أيام، لمنع استقبالهم أو الاحتفاء بهم في المدينة، والتنغيص على عائلاتهم، كما حدث مع نصر الله الأعور (سلوان) ومحمود أبو صبيح (الرام) ووليد عليان (العيساوية).

ويصدر قرار الإبعاد من مكتب وزير الأمن الإسرائيلي أو وزير الداخلية أو من ينوب عنهما، بتوصية مباشرة من جهات أمنية سياسية مثل جهاز الأمن العام والاستخبارات الداخلية الإسرائيلية المعروف بـ “الشاباك” ويكون بشكل مؤقت أو دائم، يترافق مع سحب بطاقة الإقامة الدائمة “الهوية المقدسية” ويُعلل غالبا بحجة “تهديد الأمن العام أو الإخلال به”.

وإلى جانب حجة تهديد الأمن، يبرر الاحتلال قرار الإبعاد بعدم ولاء المبعد لإسرائيل، أو تعبيره عن رأيه المعارض للاحتلال (يندرج تحت بند التحريض على الإرهاب) أو انتمائه لتنظيمات فلسطينية مقاومة، أو ضمن سياسة العقاب الجماعي. وفي مرات عديدة يمتنع الاحتلال عن كشف التهمة، ويكتفي بوصفها أنها ملف سري، كما يحدث بالاعتقال الإداري.

ويكمن هدف الإبعاد الرئيس في تفريغ شرقي القدس من سكانها الفلسطينيين، وتغليب الكفة الديموغرافية الإسرائيلية فيها، عدا تأثيراته المباشرة على المبعد نفسه من خلال إضعاف روابطه الاجتماعية وفصله عن بيئته، وتعريضه للضغط النفسي والعبء الاقتصادي بعد خسارة عمله أو تراجع مدخوله.

المواطن يصبح مقيما

يقول المحامي والخبير في القانون الدولي معين عودة للجزيرة نت إن إسرائيل بعد احتلالها شرقي القدس منحت سكانها وضعا غريبا من نوعه، وهو “الإقامة الدائمة” التي يسهل خسارتها وفقدانها، مضيفا أن المواطن المقدسي يعيش في حالة ركض دائمة لإثبات سكنه بالمدينة التي ولد وأجداده فيها.

وأكد عودة أن التضييق على المقدسي في وثيقة إقامته الدائمة يعتبر نوعا من أنواع الإبعاد غير المعلن، حيث يخسر إقامته بمجرد سكنه لمدة معينة خارج القدس أو حصوله على جنسية أخرى.

وعن نظرة القانون الدولي، يقول المحامي إن هذا النوع من الإبعاد مرفوض ومحرم، كما نصت اتفاقية جنيف الرابعة على منع الإبعاد الفردي أو الجماعي للأشخاص المحميين، حيث ينظر القانون للقدس الشرقية كمنطقة محتلة سكانها محميون، ويمنع على الاحتلال طردهم أو إبعادهم عن مكان سكنهم.

ويؤكد عودة أن إسرائيل ترى في نفسها القوة المسيطرة على الأرض شرقي القدس، ولا تعطي قيمة للقانون الدولي، كما حدث إبان إبعاد نواب المجلس التشريعي، حيث قالت المحكمة حينها إن القانون الإسرائيلي هو النافذ لو تعارض مع الدولي.

ويختم متعجبا “إسرائيل هي من جاءت إلى المقدسيين واحتلت مدينتهم وضمتها إلى داخل حدودها، كان المقدسيون جالسين في بيوتهم، وها هي اليوم تبعدهم عنها”.

شاركها.
Exit mobile version