جنين ـ “انقلبت حياتي خلال ثوان، ومنذ تلك اللحظة وأنا اشعر أني قتلت مع شيرين تحت الشجرة”، هكذا بدأت الصحفية شذى حنايشة ذكرياتها عن حادثة اغتيال مراسلة قناة الجزيرة في فلسطين الزميلة شيرين أبو عاقلة قبل عام.

كانت شذى حنايشة تستعد لبداية يوم عمل عادي رفقة مجموعة من زملائها الصحفيين، منهم الصحفية الشهيدة شيرين أبو عاقلة، حين باغتهم قناص إسرائيلي على مدخل مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين شمال الضفة الغربية، وأطلق عليهم الرصاص بشكل متعمد ومباشر، لترتفع روح شيرين أبو عاقلة، وتنقلب حياة شذى بشكل كلي في تلك اللحظة.

وتروي حنايشة تفاصيل ذلك اليوم بوجع لا ينتهي، وتقول إنها كلما تذكرت نفسها وشيرين تحت الشجرة ورصاص القناص الإسرائيلي مستمر في التوجه نحوها، تشعر بمرارة شديدة، مضيفة أنه بعد مرور عام على ذلك تغيرت حياتها كليا، فقد توقفت عن العمل بعد الحادثة لعدم قدرتها على العودة للميدان والعمل، وخسرت عملها الذي كانت تحبه وتشعر بالشغف للقيام به.

الخشية من تكرار ما حدث

فكان خروج شذى للعمل في الأيام والأسابيع التي تلت عملية اغتيال الزميلة شيرين، محملا بالخوف، والخشية من تكرار ما حدث، وبقيت لأيام في منزلها محاطة بعائلتها وأصدقائها، لكنها كانت تشعر برهبة كبيرة من أي جندي إسرائيلي تراه في محيط مخيم جنين حين تخرج لتغطية اقتحامات جيش الاحتلال مدينة جنين ومخيمها، قائلة “رغم اعتيادي على أصوات الرصاص ومنظر المدرعات والآليات الإسرائيلية، فإنني عانيت من خوف كبير لم يكن يوجد داخلي من قبل”.

وتضيف “كنت أتخيل تفاصيل ذلك اليوم كلما دخل جيش الاحتلال إلى جنين، لكني اليوم أشعر بالامتنان، لأني منحت الحياة من جديد، لا يمكنني القول إني لم أعد أخاف لكني تعلمت السيطرة أكثر على هذا الخوف، وأعود لأقول إني كلما تذكرت ذلك اليوم تعاظم داخلي شعور الغضب خصوصا أنه لم يتم معاقبة المجرم”.

تحدث شذى نفسها بشكل مستمر عن مصير الجندي الذي قتل الزميلة شيرين أبو عاقلة واستمر بإطلاق النار عليها، تقول “إنه ربما انتقل لاقتحام أريحا مثلا، أو ربما قتل أحد المقاومين في نابلس، ثم تمني نفسها بأن يحاكم لينعم قلبها بالراحة”.

وتابعت الشاهدة الأولى على اغتيال شيرين أبو عاقلة “خلال ثوان انقلبت حياتي من إنسانة شغوفة بعملها، مرحة واجتماعية، تبدأ صباحها باكرا في شوارع مدينة جنين التي تشهد أحداثا ساخنة منذ أكثر من عامين، إلى شخصية تعاني من صدمة نفسية واضطرت للابتعاد عن عملها وعن أهلها وبلدها.

وكانت شذى قد نقلت شهادتها على الحدث عشرات المرات وأمام العديد من الناس والمسؤولين وحتى الجهات الدولية، كان آخرها أمام الأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين ثاني من العام الماضي، وفي كل مرة كانت تحاول التأكيد أن هدفها الأساسي وما يشغل تفكيرها هو محاكمة قاتل شيرين والمتسبب بحالة الرعب التي عاشتها ذلك اليوم وما تعبه من آثار ما زالت تعاني منها حتى بعد مرور عام على الجريمة.

صدمة نفسية

استغرق الأمر من شذى 6 أشهر أو أكثر لتتمكن من النوم بطريقة طبيعية بعد ما حدث، ودخلت في حالة من الصدمة النفسية التي استدعت لتدخل من قبل اختصاصي نفسي واضطرت لترك مدينتها جنين والسفر إلى لبنان بعد قبولها في منحة باسم شيرين أبو عاقلة.

وتعتبر شذى أن هذه المنحة انتشلتها من الصدمات التي كانت بداخلها، ومن حالة العجز الذي كانت تمر به بعد الحادثة، وتقول إن “هذه المنحة هي يد شيرين أبو عاقلة التي انتشلتها من الأزمة التي رافقتها بعد الحادثة لاستعادة شذى القديمة، فلست أنا من قرر الالتحاق بالجامعة والسفر إلى بيروت لإكمال الماجستير، لأني بعد الحادثة فقدت قدرتي على العمل وبقيت في المنزل، وابتعدت عن الناس الذين كنت أصادفهم يوميا في شوارع مدينتي جنين، كل ذلك بسبب حالتي النفسية الصعبة”.

في سكنها الجامعي في بيروت، تعلق شذى صورة شيرين أبو عاقلة على جدار غرفتها، تحدثها من وقت لآخر، ربما تشعر أنها بجانبها كما كانت آخر مرة تحت الشجر في مخيم جنين، وفي أوقات كثيرة يصعب عليها النظر إلى الصورة لأنها تخاف أن ترى شيرين كل ذلك الحزن والخذلان في عيونها، كما تقول.

وبعد مضي عام على الحادثة تحاول شذى خلال وجودها في بيروت زيارة بعض المخيمات الفلسطينية، وإنتاج فيديوهات مع سكانها، تشاركها من خلال حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وتقول إنها بهذه الطريقة تحاول أن تتعرف على المخيمات الفلسطينية التي طالما سمعنا عنها ولم نزرها، وأيضا تحاول أن تنقل معاناة السكان فيها ومحاولة العودة لجو العمل الذي كانت تقوم به قبل اغتيال شيرين.

مساعدة نفسية

احتاجت شذى لمساعدة نفسية لعلاجها من حالة الصدمة التي صاحبتها بعد حادثة اغتيال شيرين، ولجأت ولأكثر من شهر إلى جلسات علاج وتفريغ نفسي ساعدتها في تخطي الصدمة وآثارها، ومحاولة تجاوزها.

وتؤكد شذى أن الصحفي الفلسطيني يحتاج أكثر من غيرة لمثل هذه المساعدات النفسية، لأن تكرار تعرضه للجنازات والتشييع والقتل والاغتيالات والاعتداءات الإسرائيلية تظل في ذاكرته وتتحول مع الوقت إلى سلوكيات تظهر للمحيطين به.

وتضيف “تواصلت من خلال زملائي مع متخصص بالصدمات التي يتعرض لها الصحفيون وكان أمرا مساعدا جداً، لأنه ساعدني لفهم الصدمة، وما بعد الصدمة على المدى القريب والبعيد، ومن خلال تجربتي أنصح بشدة بأن نتوجه كصحفيين من فترة لأخرى لمثل هؤلاء المتخصصين، لأننا لا يمكن أن نعتاد المشهد أو الحدث الذي نغطيه”.

واليوم تحاول شذى استغلال أيام العطلة لقضائها مع عائلتها في منزلها في جنين، وتقول إن ما تنتظره هو “تحقيق العدالة لشيرين، لأن ذلك يعني تحقيق العدالة لكل الشهداء”، وتابعت “أعلم ألا أحد سيحاسب الاحتلال على كل جرائمه، لكن أمنيتي أن تتم محاسبة قاتل شيرين الذي حاول قتلي وأصاب الزميل علي السمودي، عندها فقط سأشعر بالراحة”.

شاركها.
Exit mobile version