يشهد حزب الليكود المتزعم للائتلاف الحكومي في إسرائيل تحولات داخلية عميقة تزيد من حدة التجاذب على المشهد السياسي الذي يتسم بالتنافس والصراع.
وجاء ذلك بعد دعوة رئيس حزب أزرق أبيض بيني غانتس قادة المعارضة للانضمام إلى الحكومة بشروط تتضمن صفقة رهائن شاملة، وتحديد موعد للانتخابات في ربيع 2026، مما أثار انتقادات واسعة.
وكانت صحيفة يديعوت أحرونوت كشفت في 18 أغسطس/آب زيادة وتيرة الاجتماعات التي يقودها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع مقرّبيه في الأسابيع الأخيرة، حيث ناقش سلسلة من الإجراءات والتحضيرات لاحتمال إجراء انتخابات، التي زادت وتيرتها بعد انسحاب الحريديم من الحكومة.
وفي حين أكد استطلاع معهد “أغام” أن مكانة نتنياهو كزعيم أوحد بلا منافس، كشف في المقابل عن زلزال داخلي يعصف بقيادات الليكود التقليدية، ويفتح الباب أمام صعود شخصيات شعبوية جديدة مثيرة للجدل مثل تالي غوتليب، على حساب تراجع شخصيات تقليدية مثل ميري ريغيف، في مشهد يطرح أسئلة حول واقع الحزب ومستقبله.
انهيار “الحرس القديم”
أظهر استطلاع معهد أغام تراجعا ملحوظا لـ”الحرس القديم” في حزب الليكود، مقابل صعود شخصيات جديدة تتسم بالخطاب الشعبوي والقدرة على إثارة الجدل:
- تصدر القائمة رئيس الكنيست أمير أوحانا، الذي صعد من المركز الخامس، ليقترب بشكل وثيق من مكانة نتنياهو.
- وفي المركز الثاني تالي غوتليب، عضو الكنيست المثيرة للجدل التي يُسمع صوتها في جميع أروقة الكنيست، والتي لا تتوقف أبدا عن مواجهة أي شخص لا تحبه، بحسب موقع والا. وقد انتقلت قفزا من المركز الـ25 إلى الصفوف الأولى، لتحل محل وزيرة المواصلات السابقة ميري ريغيف، وتصبح أول امرأة تتصدر قائمة الليكود.
- وفي المركز الثالث بوعز بسموت، رئيس لجنة الخارجية والأمن في “الكنيست” والمسؤول عن تشريع التجنيد الحريدي.
- تلاه في المركز الرابع وزير الدفاع يسرائيل كاتس.
- ثم ألموغ كوهين، الذي لا يزال رسميا عضوا في حزب “عوتسما يهوديت” بعد إعلان انشقاقه عنه، في المركز الخامس.
في المقابل، تكبّد رموز الحرس القديم خسائر فادحة؛ إذ تراجعت ميري ريغيف من موقعها بين الخمسة الأوائل إلى خارج العشرة الأوائل، وابتعدت أسماء بارزة مثل ميكي زوهار، نير بركات، يوآف كيش، آفي ديختر ودودي أمسالم عن دائرة الصدارة.
أما وزير الدفاع السابق يوآف غالانت، الذي كان في المركز الرابع، فقد هبط إلى المرتبة الـ29، مما أثار تساؤلات حول مستقبله السياسي.
ومن أبرز الشخصيات رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، يولي إدلشتاين، الذي خاض صراعا إعلاميا واسعا حول التجنيد الإجباري لليهود الحريديم، يتراجع أيضا من المركز الـ18 في ولايته الحالية إلى المركز الـ26، وكان إدلشتاين في الماضي مرشحا لقيادة الليكود، وبات رمزا لانهيار “الحرس القديم”، بحسب وصف موقع والا.
وترى الدكتورة من الجامعة العبرية ومعهد أغام جايل تالشير أن “الاستطلاع يعكس تطرف قائمة أعضاء الليكود حيث يتم دفع الوزراء وأعضاء الكنيست من التيار الوطني الليبرالي إلى الوراء، بينما يتقدم أصحاب الصوت الأعلى (الشعبويين) في القائمة”.
تحول يدق جرس الخطر
المختص في الشأن الإسرائيلي، عماد موسى، اعتبر أن استطلاع معهد أغام هو من أعمق الاستطلاعات في الكشف عن أسباب التغيير داخل المجتمع الإسرائيلي وحزب الليكود، ودق جرس الخطر حول نقل المجتمع إلى التدين المتطرف الذي ينفي وجود الآخر الليبرالي اليهودي وكذلك العربي الفلسطيني.
وأضاف موسى في حديثه لـ”الجزيرة نت” أن إسرائيل أمام تغيرات دراماتيكية، سواء على صعيد الأحزاب وأيدولوجياتها وبرامجها أو على صعيد الحشود التي باتت تتسلح بنزعة التدين المتطرف وترفض تقديم التضحيات، ولذلك ترفض التجنيد وترفض المساواة.
واعتبر أن “الأحزاب تعيش حالة صراعية هي حالة طبيعية بين القديم والجديد، والأجيال الجديدة تريد أخذ فرصتها في القيادة والمواقع وألا تبقى منضوية تحت مظلة أشخاص يتجهون نحو الدكتاتورية أو الألوهية”.
من جهته، اعتبر المختص في الشأن الإسرائيلي مهند مصطفى أن تحول الليكود إلى حزب شعبوي يجمع ما بين التوجهات الدينية والقومية من خلال صعود شخصيات شعبوية داخل الحزب وتماهي القواعد مع هذه الشخصيات يدل أنه كلما كان الشخص أكثر شعبوية فإن آماله في الانتخاب في داخل قائمة الليكود تزداد كثيرا.
وأضاف مصطفى في حديث لـ “الجزيرة نت” أن التحول الحالي هو الأكبر بعد التحول في حزب الليكود قبل 15 عاما، مع تكريس قيادة نتنياهو للحزب وإقصائه كل من يتحداه، خاصة القيادات الأساسية التي كانت في حزب الليكود في عقدي الثمانينيات والتسعينيات، والتي كانت تحمل فكرا قوميا ليبراليا داخل الليكود وتحترم مؤسسات الدولة والسلطة القضائية.

فجوة بين القيادة والقاعدة
إلى جانب التحولات داخل صفوف الليكود، تبرز فجوة أيديولوجية متسعة بين القيادة الحزبية والقاعدة الانتخابية.
ويكشف استطلاع أغام عن انفصال ملحوظ بين المسؤولين وعامة الناخبين على نطاق أوسع فيما يتعلق بقضايا الدين والدولة، إذ إن 57% من المسؤولين يريدون تعزيز الطابع اليهودي لإسرائيل، مقارنة بأغلبية ناخبي الليكود الذين يفضلون نهجا أكثر ليبرالية.
كما كشف استطلاع أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلية في الخامس من أغسطس/آب أن غالبية ناخبي الليكود (60%) يعارضون التفاصيل التي تخل بالدين والسياسة.
هذه الفجوة تضع نتنياهو في موقف صعب، فمن جهة، يحتاج إلى دعم الخطاب القومي-الديني لضمان التحالف مع الأحزاب الحريدية واليمين المتطرف والاحتفاظ بقيادة البلاد والحزب، ومن جهة أخرى، لا يمكنه تجاهل القاعدة التي تساوم على قضايا الهوية، خشية أن يفقد قاعدة ناجحة تاريخيا، خاصة في المدن الكبرى، التي تقلق من تغليب الدين على السياسة الذي قد ينعكس سلبيا على الاقتصاد والعلاقات الدولية.
وعلق رئيس معهد أغام البروفيسور نمرود نير من الجامعة العبرية، بأن نتائج الاستطلاع تعكس تغييرا جذريا في تركيبة أعضاء الحزب، فقد “أصبح أعضاء الحزب النشطون اليوم أصغر سنا وأكثر تطرفا وأقل علمانية. وهذا يخلق فجوة كبيرة مع ناخبي الليكود، الأكثر اعتدالا”.
وأضاف “تتضح الأهمية السياسية لذلك بأن معظم أعضاء الكنيست الذين خدموا أكثر من فترتين في الليكود لن يعودوا إلى الكنيست القادم، وهناك نفور من السياسيين المخضرمين، وشوق واضح لدماء جديدة”.
نتنياهو بلا وريث
بحسب موقع والا، ظل بنيامين نتنياهو رمزا للقوة والكاريزما السياسية داخل حزب الليكود، غير أن هذا التمركز المفرط حول شخصه يخفي هشاشة مستقبلية حقيقية، فغياب وريث واضح ومؤهل لقيادة الحزب من بعده يجعل الليكود غير مستعد لمرحلة ما بعد نتنياهو.
ويُظهر استطلاع للرأي أن 77% من قواعد الحزب ما زالت تؤيد بقاء نتنياهو في قيادته، وهي نسبة أعلى مما كانت عليه قبل الحرب مع إيران. لكن التجارب السابقة أثبتت أن محاولات منافسته فشلت جميعا، أبرزها تجربة جدعون ساعر الذي انشق لتأسيس حزب مستقل، قبل أن يعود إلى الليكود منهزما بعد تراجع أسهمه في استطلاعات الرأي. وهو ما رسّخ الانطباع بأن الحزب لم يعد قائما على مؤسسات متماسكة، بل على شخصية القائد الفرد.
وفي حالة غياب نتنياهو عن المشهد السياسي لأسباب قانونية أو تشريعية، أو صحية، سيصطدم حزب الليكود حينها بفراغ سياسي ملموس؛ في ظل استبعاد أي شخصيات ذات وزن تاريخي، لتتحول هذه القوة اليوم المرتبطة بشخصية نتنياهو إلى نقطة ضعف إستراتيجية تقوض استمرارية الحزب.
ويشير الباحث عماد موسى إلى أن هذا المشهد لم يكن وليد المصادفة، بل نتيجة لنهج اتبعه نتنياهو عمدا، إذ عمل على تكريس زعامته للحزب والدولة في مواجهة محاكمات الفساد والرشوة التي تلاحقه، فرفع منسوب خطابه الشعبوي اليميني، ودفع بشخصيات تتماهى مع رؤيته داخل الليكود.
وبرأيه، أدى هذا النهج إلى إعادة تشكيل وعي القاعدة الشعبية للحزب، التي تعاني أصلا من شعور بالمظلومية التاريخية. وقد استغل نتنياهو هذا الوعي الطبقي لليهود الشرقيين وسكان الأقاليم أمام “النخبة الأشكنازية”، ليحوّله إلى رافعة سياسية من خلال خطاب “الشعب ضد النخبة”، وربط القضاء والإعلام بالنخب المعادية، المصنّفة على أنها “خونة” أو “يساريون” أو “عرب”.
ونجح بذلك في تحويل شعور المظلومية إلى هوية جماعية متماسكة، عززت ولاء القاعدة الشعبية له، التي ترى نفسها “الضحية الأبدية” رغم أزماتها الاقتصادية والاجتماعية المستمرة، وتشعر بحاجة دائمة إلى زعيم قوي يحميها.
مستقبل الليكود
في ظل غياب الوريث لنتنياهو وتكريس الزعامة الفردية والحالة الداخلية التي كشفها استطلاع معهد أغام يعمل نتنياهو على تنظيم حزب الليكود، بحسب تقرير ليديعوت أحرونوت.
كما يمنع نتنياهو وأنصاره عقد ما يُعرف بـ”المؤتمر” في الليكود، الذي يتعلق بإجراء انتخابات جديدة لأعضاء مركز الليكود ومؤسسات الحركة وفروعها.
ويشير تقرير يديعوت أحرونوت المنشور في 18 أغسطس/آب إلى أن نتنياهو غير مهتم بعقد المؤتمر، ولا يريد ضمّ أعضاء جدد إلى مركز الحزب، حيث يسيطر بقبضة حديدية.
كما يواجه الليكود تحديا مصيريا يتمثل في قانون التجنيد، الذي تحول إلى قانون مصيري بالنسبة لشركائه الحريديم الذين خرجوا من الحكومة.
وبحسب استطلاع أغام، فإن نقطة الاتفاق الوحيدة بين المسؤولين والناخبين هي مسألة التجنيد، حيث يطالب أكثر من ثلثيهم بقانون تجنيد متساوٍ -حتى لو أدى ذلك إلى حل الحكومة، في حين أعلن 37% من المسؤولين أنهم سيصوتون ضد المرشحين في الانتخابات التمهيدية إذا أيدوا مشروع قانون تجنيد غير متساوٍ.
ويخلص رئيس معهد أغام إلى أن “هذا هو الخط الأحمر لمسؤولي الليكود، فهم مستعدون لدفع ثمن سياسي باهظ، لكنهم لن يتنازلوا عن المساواة في العبء”.
ويحذر المختص موسى من أن انتصار الديماغوجية في إسرائيل سيقودها نحو سنوات من الانكسارات نتيجة التحول والتحدي الداخلي، وليس بسبب المواجهة الخارجية التي تسمى خطرا أو تهديدا وجوديا.