غزة – لدى ميساء حسين 4 أطفال وزوجها جريح حرب، وتقيم هذه الأسرة النازحة من شمالي قطاع غزة في مركز إيواء غرب مدينة خان يونس، ولم تتذوق طعم الخبز منذ نحو 10 أيام، “أما الخضار والفواكه واللحوم فلم تعد تخطر لنا على بال”، تقول هذه المرأة وهي تشكو حالها مع غلاء الأسعار وشح المساعدات بسبب القيود الإسرائيلية والسرقات.
وتكافح ميساء (30 عاما) من أجل توفير ما يسد رمق أطفالها، “وفي اليوم الذي لا يتوفر فيه الطعام من التكية الخيرية لا نجد ما نأكله”، كما تضيف.
وفي الغرفة ذاتها يقيم والدها علاء حسين مع أشقائها وأطفالهم (15 فردا)، ويقول حسين (50 عاما) إنه يعاني من سرطان الرئة وذاق ويلات النزوح المتكرر من شمال غزة إلى جنوبها، وانقطع عن العلاج بسبب عدم توفر الأدوية.
ويعيش على المعلبات التي يعلم أنها تضر بحالته الصحية بوصفه مريضا بالسرطان، ويؤكد “لا يوجد بديل آخر”، حيث يحتاج لأطعمة صحية من الخضار والفواكه المتوفرة بالأسواق بكميات وأصناف شحيحة وبأسعار باهظة. ولا تتوفر اللحوم والدواجن في الأسواق، إضافة إلى غالبية المواد، ومنها البيض والأجبان والألبان، والتي يمنع الاحتلال دخولها للقطاع.
منطقة مجاعة
يقول أمجد الشوا مدير شبكة المنظمات الأهلية ونائب المفوض العام للهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان، “وصلنا لحال ينبغي معها إعلان قطاع غزة منطقة مجاعة رسميا”. ويضيف للجزيرة نت أن المجاعة تنتشر على نحو خطير، خاصة في أوساط الأطفال والنساء والمسنين، مع توقّف المخابز عن العمل وعدم توفر الدقيق.
وصار عشرات آلاف الفلسطينيين في مناطق جنوب القطاع يبيتون جوعى من دون طعام جراء توقف عمل عشرات التكايا الخيرية بسبب عدم توفر إمدادات المواد الغذائية لإعداد وتوزيع الوجبات المجانية.
ونتج هذا الواقع المرير والمتدهور بشكل متسارع منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بفعل القيود المشددة التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على دخول المساعدات الإنسانية من معبر كرم أبو سالم، المنفذ الرئيسي في جنوبي غزة الخاضع لسيطرته المطلقة.
ووفق الشوا، لا تتجاوز المساعدات التي يسمح الاحتلال بدخولها لكل مناطق القطاع 30 شاحنة يوميا، تغطي ما بين 5% و7% فقط من الاحتياجات الأساسية لزهاء 2.2 مليون فلسطيني، من بينهم نحو 1.8 مليون من السكان والنازحين في جنوب القطاع.
كما فاقمت عصابات اللصوص من معاناة الغزيين بالسطو والاستيلاء على شاحنات المساعدات الشحيحة. وبحسب الشوا، يفرض الاحتلال طرقا ومسارات تسهل سرقتها.
وتبدو هذه الحال جلية على وجوه الغزّيين الذين يعيش غالبيتهم حياة بائسة في الخيام ومراكز الإيواء التي تفتقر لأبسط المقومات، بما فيها الخبز والطحين. فيما تبدو الأسواق خاوية إلا من القليل من الخضار والفواكه التي يسمح الاحتلال بدخولها ضمن شاحنات البضائع التجارية، وبأسعار توصف بـ”الجنونية”.
وضع خطير
بدورها، تعاني النازحة فاطمة النجار (73 عاما) من كسر في ساقها وجروح أصيبت بها خلال نزوحها مع أسرتها قبل 4 شهور من بلدة بني سهيلا شرقي مدينة خان يونس. وتقول للجزيرة نت إن الأطباء في مجمع ناصر الطبي أخبروها أن إصاباتها لم تُشفَ منذ ذلك الحين بسبب الظروف المعيشية وعدم تناولها الأطعمة التي تساعد في التئام الجروح وجبر الكسر.
وحتى الطحين لا يتوفر منذ أيام لدى فاطمة التي تقيم مع أبنائها وأحفادها (15 فردا) في خيمة غربي خان يونس، وكانت آخر مرة استلمت فيها الطحين المجاني الذي توزعه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في مدينة رفح قبل نزوحها منها في مايو/أيار الماضي. وتقول “لا نقدر على أسعار البيض والخضار، والخبز غير موجود بسبب الاحتلال والحرامية”.
وأعلن المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني تعليق استلام وإيصال المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم لأن “الطريق المؤدي من هذا المعبر لم يكن آمنا منذ أشهر”.
وأوضح مكتب إعلام الأونروا، في بيان صحفي، أنه “في أعقاب الاجتياح البري لرفح في مايو/أيار الماضي، أصبح الوضع في هذا المعبر أكثر خطورة وتقلبا، والبيئة التي نعمل فيها -خاصة في رفح- تجعل من الصعب جدا على المجتمع الإنساني الدولي إيصال المساعدات إلى غزة بالقدر المطلوب”.
وبسبب عمليات السطو، فقدت الأونروا سائقين قُتلوا وأصيب آخرون أثناء محاولاتهم إيصال المساعدات، وتوضح الوكالة الأممية “سنواصل بذل جهودنا لإيجاد حلول. لكن للأسف، اختار البعض في غزة تقديم مصالحهم الشخصية على احتياجات الناس”.
من جانبه، يقول لازاريني إن “مسؤولية حماية العاملين في مجال المساعدات والإمدادات تقع على عاتق دولة إسرائيل بصفتها القوة المحتلة، ويجب عليها ضمان تدفق المساعدات إلى غزة بأمان ووقف الهجمات على العاملين في المجال الإنساني”.
تداعيات خطيرة
وقبل بضعة أيام، قتلت غارة جوية إسرائيلية عاملين محليين في المطبخ المركزي العالمي في حادثة تكررت سابقا، وأعلن بسببها المطبخ العالمي تعليق عملياته الإنسانية في القطاع.
وحسب مدير شبكة المنظمات الأهلية أمجد الشوا، يؤشّر قرارَا المفوض العام للأونروا والمطبخ العالمي على خطورة الأوضاع الإنسانية والمعيشية، والتداعيات الخطيرة لجريمة التجويع التي يمارسها الاحتلال بمنع دخول المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية، خاصة على صحة النساء والأطفال الذين باتوا في واقع صعب ومعقّد يهدد حياتهم.
من جهته، أكد المستشار الإعلامي للأونروا عدنان أبو حسنة -في تصريحات نشرها مكتب إعلام المنظمة- أن المجاعة بدأت بالفعل في مناطق شمالي القطاع وجنوبيه، والسكان يعتمدون بشكل رئيسي على الطحين الذي أصبح غير متوفر، والمواد الغذائية الأخرى -حتى المتوفرة منها- أصبحت باهظة الثمن بالنسبة للسكان الذين لا يملكون أية سيولة نقدية.
وشدد على أن ما يحدث في القطاع “غير مقبول على الإطلاق ولا يمكن الاستمرار فيه”، وأن قرار تعليق استلام المساعدات جاء نتيجة خطورة الوضع وعدم وجود حماية للشاحنات بعد دخولها حيث تتم سرقتها بالكامل، “مما يجعل الجهود المبذولة بلا جدوى”.
وأكد المسؤول الأممي أن “إسرائيل تمتلك القدرة الكاملة على حماية القوافل خصوصا وأن المناطق التي تحدث فيها السرقات قريبة جدا من معبر كرم أبو سالم”، وحذّر من أن استمرار الوضع الحالي قد يؤدي إلى انهيار كامل للمنظومة الإنسانية في غزة خلال أيام قليلة.