طهران- في ظل التصعيد غير المسبوق بين إيران وحلفائها من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، وبعد أن بدأ الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان رئاسته في إيران منذ 3 أشهر فقط، والحديث عن عودة المفاوضات مع الغرب، تشكل عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأميركية حدثا مثيرا للجدل، خاصة في ظل تأثير سياسته السابقة على علاقة الولايات المتحدة بإيران، وما شهدته المنطقة من توترات في عهده.

وكانت فترة رئاسة ترامب قد شهدت تصعيدا غير مسبوق مع إيران، بدءا من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، وفرضها عقوبات اقتصادية شديدة سميت بـ”الضغوط القصوى”، وصولا إلى التوتر العسكري الذي بلغ ذروته باغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.

واليوم، وبعد إعلان فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية، تتساءل الأوساط الإيرانية والدولية عن مدى تأثير ذلك على مستقبل العلاقات الأميركية الإيرانية، والاحتمالات المتجددة للصراع أو العودة إلى طاولة المفاوضات، لا سيما أن العملة الإيرانية في أدنى مستوياتها والأزمة الاقتصادية تخيم على البلاد.

وزير الخارجية الإيراني: إيران سترد على إسرائيل بالشكل المناسب ولا تتخذ قرارات انفعالية وترد بحذر

إضعاف النفوذ

أوضح أستاذ العلاقات الدولية جواد حيران نيا أنه مع قدوم ترامب سيتمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من التحرك بحرية أكثر في سبيل تحقيق النظام الذي تفضله الولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة، وبالتالي، سيسرع من تحقيق النظام الأميركي الإسرائيلي في المنطقة، مع التركيز على إضعاف إيران ومحور المقاومة.

مضيفا في حديثه للجزيرة نت أن ترامب لا يؤمن بحل الدولتين، ومن خلال إضعاف حلفاء إيران في المنطقة، سيجد أن تحقيق النظام الذي يرغب فيه هو وإسرائيل سيكون أسهل، ورأى أنه من المحتمل أن يستغل نتنياهو هذه الفرصة لإضعاف حركة حماس ولفرض شروطه على حزب الله في لبنان، خصوصا أنه أقال وزير دفاعه يوآف غالانت، مما مهد الطريق بشكل أكبر لهذا الهدف.

وتابع حيران نيا أن إسرائيل -بالإضافة إلى الشروط المدرجة في القرار 1701 مع حزب الله في لبنان- ستسعى مع قدوم ترامب وبسهولة أكبر لضمان منع إعادة تسليح حزب الله.

وفي ما يتعلق برد فعل محتمل من إيران تجاه إسرائيل، توقع أن ترامب سيدعم هجوم إسرائيل على المنشآت النووية الإيرانية، إذ إنه قد صرح بذلك مسبقا وأعرب عن عدم رضاه من ضغوط الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن على نتنياهو لعدم مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية.

ويصف أستاذ العلاقات الدولية تصريح إيران بعدم اهتمامها بمن سيكون رئيس الولايات المتحدة بـ”غير الدقيق”، إذ إنه مع قدوم ترامب ستزداد صعوبة الضغوط الاقتصادية على إيران، خصوصا في الالتفاف على العقوبات، ولن يسمح ترامب لإيران ببيع النفط إلى الصين بسهولة، وسيضغط على الصين بخصوص هذا الأمر، وفق رأيه.

ويتابع في هذا الشأن قائلا إنه من المرجح أن يحاول ترامب في البداية إغلاق قنوات بيع النفط الإيراني إلى الصين لإضعاف إيران بشكل أكبر، وطرح مسألة التفاوض بعد ذلك، رغم ما قد يسبق الخطوة من محادثات.

وأشار إلى تصريح سابق لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي حين قال إنه ليس من المهم من يكون رئيس الولايات المتحدة وإن إيران ستتفاوض وفقا لمصالحها، معتبرا أن هذه التصريحات تشير إلى أن إيران مهيأة للتفاوض مع ترامب، وأن موضوع “تحريم” التفاوض معها لم يعد قائما، مشيرا إلى أنه تجب ملاحظة أن التفاوض بالنسبة إلى ترامب لن يكون مقتصرا على الملف النووي فقط، بل سيشمل كذلك السياسة الإقليمية لإيران وقضية الصواريخ.

وفي سياق متصل، وفي ما يتعلق بقضايا المنطقة، لن توافق دول الخليج العربية ترامب كما كانت في السابق، وفق ما يعتقده حيران نيا الذي يرى أن التجارب المستفادة من فترته الرئاسية الأولى جعلتهم يسعون لتفادي الدخول في صراع مباشر بين إيران والولايات المتحدة، رغم تعاونهم مع ترامب خلال فترته الأولى ببعض المجالات، إذ إنهم يبحثون عن تحقيق خططهم التنموية ويبتعدون عن الحروب.

عودة غير مؤثرة

وقال أستاذ الدراسات الأميركية فؤاد إيزدي إن كلا من هاريس وترامب يقفون ضد إيران، لذلك لن يختلف الأمر بالنسبة لها، وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن الدعم الذي قدمه الديمقراطيون لإسرائيل أظهر أن النفوذ الإسرائيلي في النظام السياسي الأميركي يفوق الأحزاب، وبالتالي لن نشهد تعاملا مختلفا من واشنطن تجاه ما يحدث في المنطقة الآن.

وفي ما يتعلق بالحديث الذي يدور حول تسهيل بايدن لإيران بيع نفطها بشكل محدود، أو بعبارة أخرى غض الطرف عن ناقلات النفط الإيرانية إلى حد ما، قال إيزدي إن بايدن لم يسمح بذلك، بل إيران هي التي تمكنت من الالتفاف على العقوبات، وربما يضيف ترامب مزيدا من الضغط على إيران للحد من الالتفاف على العقوبات، لكنها بدورها أيضا تمتلك طرقها الخاصة لبيع نفطها.

وعن محاولات الحكومة الإصلاحية في إيران لإحياء الاتفاق النووي، رأى أستاذ الدراسات الأميركية أن ترامب لن يعود للاتفاق النووي، لأنه هو من انسحب منه، خصوصا أن الأشخاص الذين يعينهم ترامب في إدارته يختارهم من اليمين المتشدد المعادي لإيران، لكنه استبعد أيضا أن تكون هناك موجة كبيرة من العقوبات الجديدة على إيران في هذه المرحلة.

الضغوط القصوى

من جانبه، يعتقد الباحث في الأمن الدولي عارف دهقاندار أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض سيكون لها تأثير كبير على النظام الأمني والجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط، حيث سيسعى ترامب إلى تعزيز موقف إسرائيل وحكومة اليمين التي يقودها نتنياهو، ومنحها مساحة واسعة للتحرك، بهدف تسريع وتيرة تطبيع العلاقات بين العرب وإسرائيل.

كما سيسعى ترامب لزيادة الضغط على حلفاء إيران في المنطقة، مثل حزب الله والحوثيين وفصائل المقاومة في العراق، بهدف تغيير معادلات الحرب لصالح إسرائيل وترسيخ النظام الإقليمي لصالح حلفائه التقليديين في المنطقة، كما قال إن السعودية والإمارات وإسرائيل سيلعبون دورا مهما في هذا المسار لإعادة ترتيب النظام الإقليمي.

وأردف دهقاندار -في حديثه للجزيرة نت- أن سياسات ترامب عادة ما تكون غير متوقعة وأشد عدوانية من رؤساء الولايات المتحدة السابقين، ومن المحتمل أن يسعى إلى تشكيل تحالف إقليمي ضد إيران وحلفائها في المنطقة.

وتابع أنه من المرجح أن يعيد ترامب سياسة “الضغط الأقصى” على إيران، محاولا توجيه ضربات اقتصادية كبيرة من خلال فرض عقوبات محددة تستهدف الصناعات الرئيسية في إيران، مثل النفط والبتروكيماويات، وتقييد المعاملات البنكية الدولية، وزيادة الضغوط على شركاء إيران التجاريين، بهدف الحصول على تنازلات كبيرة من إيران.

ورأى الباحث في الأمن الدولي أن نجاح هذه السياسة أو فشلها يعتمد إلى حد كبير على مدى استعداد إيران لهذه الظروف، وكيفية استخدامها لتجاربها السابقة في التحايل على العقوبات وتحييد تأثيرها.

وفي ما يتعلق بالحديث عن المفاوضات النووية، اعتبر الباحث أنه في ضوء تحركات ترامب السابقة، يبدو أن مجرد الحديث عن مفاوضات نووية بين إيران وإدارة ترامب يعد أمرا صعبا.

وأضاف أنه من الطبيعي أن يسعى ترامب إلى تحقيق مكاسب أكبر في الملف النووي بزيادة الضغط الاقتصادي والسياسي على حلفاء إيران في المنطقة، وفرض قيود دائمة على البرنامج النووي الإيراني، وتوسيع نطاق المفاوضات لتشمل الملفات العسكرية والإقليمية، وخلص إلى أن هذه التحركات قد تؤدي إلى تصعيد مستوى التوتر في المنطقة، وربما تدفع إيران إلى زيادة مستوى تخصيب اليورانيوم وتقليص تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ورغم أنها ليست بصدد بناء سلاح نووي، بناءً على فتوى من المرشد الأعلى علي خامنئي التي تحرم تصنيع واستخدام الأسلحة النووية، فإنه بالنظر إلى التغيرات الأمنية الجديدة في المنطقة والديناميات الفقهية في المذهب الشيعي وتأثير عنصر الزمن، ليس من المستبعد أن تعيد الجمهورية الإسلامية النظر في عقيدتها الدفاعية والنووية، خاصة إذا زادت حدة التوترات بين إيران وإسرائيل، وتصاعدت السياسات العدائية من جانب ترامب ضد إيران.

شاركها.
Exit mobile version