Published On 27/8/2025
|
آخر تحديث: 14:28 (توقيت مكة)
بيروت- بعد عام من الانتظار، أصدر القضاء اللبناني أمس الثلاثاء قرارا بإطلاق سراح حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، الموقوف بتهم تتعلق باختلاس المال العام، وذلك مقابل كفالة مالية بلغت 20 مليون دولار، و5 مليارات ليرة لبنانية، كما تضمن القرار منعه من السفر لمدة عام، ضمن سياق الملاحقات القضائية الجارية بحقه.
ويأتي القرار بعد توقيف سلامة (75 عاما) في سبتمبر/أيلول 2024، بموجب تهم متعددة، بينها “اختلاس أموال عامة” و”تزوير”، بعد أن شكل خلال 3 سنوات محور تحقيقات محلية وأوروبية، تركزت حول شبهات تتعلق بتملكه أصولا عقارية ومصرفية بطرق غير مشروعة.
وترافقت ملاحقة سلامة مع أزمة اقتصادية غير مسبوقة ضربت لبنان منذ خريف 2019، إذ أصبح الحاكم السابق لمصرف لبنان (1993-2023) أحد أبرز الأسماء المرتبطة بالانهيار المالي والنقدي، وسط دعاوى محلية ودولية تتعلق بالاختلاس وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع.
وفرضت الولايات المتحدة إلى جانب كندا والمملكة المتحدة ودول أوروبية، عقوبات على سلامة وأفراد عائلته لشبهات فساد، بما في ذلك تجميد أصولهم في البلدان الثلاثة.
وقد أثار توقيفه جدلا قانونيا واسعا، إذ إن مدة احتجازه تجاوزت عاما كاملا، وهو ما يفوق السقف الأقصى المنصوص عليه في المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي تحدد مدة التوقيف بـ6 أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، وخلال هذه الفترة أصدر القضاء 3 مذكرات توقيف متعاقبة بحقه.
ويُنظر إلى قرار الإخلاء الحالي كخطوة مفصلية في مسار التحقيقات، وسط ترقب محلي ودولي لمعرفة مدى تأثيره على الملفات المالية والاقتصادية التي طالما ارتبط اسم سلامة بها.
إفراج مشروط
بدوره، قال الوكيل القانوني لحاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، المحامي مارك حبقة، في حديث للجزيرة نت إن الكفالة التي حددتها الهيئة الاتهامية لإخلاء سبيل موكله “غير قانونية وغير مقنعة”، واصفا إياها بأنها “الأعلى في تاريخ لبنان” بعدما بلغت 20 مليون دولار و5 مليارات ليرة لبنانية.
وأوضح حبقة أنه طلب مهلة 24 ساعة لدراسة القرار وتحديد الموقف المناسب، مع إمكانية التقدم بطلب لتخفيض قيمة الكفالة، مشيرا إلى أنه “في حال تم تسديد الكفالة، لا يوجد ما يمنع خروج رياض سلامة من السجن”، لكنه اعتبر أن “القضاء اختار هذا الرقم المرتفع تحت وطأة الضغوط والمناخ الشعبوي السائد، في محاولة لحماية نفسه وكسب ثقة الرأي العام”.
وأضاف أن خروج سلامة سيكون مشروطا بمنع سفر لمدة عام كامل، لافتا إلى أن “الوضع الصحي لموكلي متدهور بشهادة أطباء شرعيين عينتهم المحكمة، وهذا ما عجل في اتخاذ القرار”.
وختم حبقة بالقول إن “المعركة القانونية الحقيقية ستبدأ بعد الإفراج عن سلامة”.
مأزق سلامة
ويرى الصحفي القضائي والسياسي يوسف دياب أن قرار إخلاء سبيل حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة لم يكن مفاجئا، موضحا في حديثه للجزيرة نت أنه كان من المفترض في الرابع من سبتمبر/أيلول المقبل أن يُطلق من دون أي شرط، لانقضاء سنة كاملة على توقيفه، وبالتالي استنفاد مهلة التوقيف الاحتياطي، مما يفرض على القضاء إخلاء سبيله بغياب أي حكم أو محاكمة بحقه، على أن تستكمل الإجراءات وهو خارج السجن.
وأوضح دياب أن القرار الصادر أمس الثلاثاء جاء مشروطا بكفالة مالية غير مسبوقة بلغت 20 مليون دولار، وهو ما يفتح الباب -برأيه- أمام عدة تفسيرات؛ أولها أن القضاء أراد منع خروجه في سبتمبر/أيلول المقبل من دون أي قيد أو شرط، وهو حق يكفله له القانون، وثانيها أنه وُضع أمام معادلة معقدة عبر كفالة ضخمة، فإذا دفعها سيُتهم عمليا بامتلاكه الأموال، وكأنه يقر بشكل غير مباشر بتهم الاختلاس الموجهة إليه (44 مليون دولار)، أما إذا امتنع فسوف يبقى رهن التوقيف.
منذ عامين يوم كنا نتظاهر ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ودعماً لحركة القاضية غادة عون… شكراً لمن أنصفها وأنصف الشعب اللبناني بوجه مافيا الفساد.#غاده_عون pic.twitter.com/HzURftUhPW
— Charbel Kamil Maroun (@charbelkmaroun) May 16, 2023
ويتابع دياب أن القرار من الناحية القانونية أتاح خروجه، لكنه ربطه بكفالة كبيرة تزيد القضية تعقيدا بدلا من تسهيلها، كما يشير إلى أن سلامة يواجه ملفات أخرى أمام القضاء، أحدها لدى قاضي التحقيق في جبل لبنان وأُخلي سبيله فيه بكفالة، وآخر في بيروت بالصيغة نفسها، غير أن الملف الحالي يعد الأبرز.
ولفت إلى أن فريق الدفاع سيتقدم بطلب لتخفيض الكفالة، فإذا استجابت الهيئة الاتهامية سيكون الوضع أفضل لموكله، أما إذا رُفض الطلب فسيضطر سلامة إلى توفير المبلغ بأي وسيلة، سواء ببيع عقارات أو بدفعه نقدا، إذ يبدو واضحا أنه يسعى إلى الخروج من السجن مهما كان الثمن.
وختم دياب بالتأكيد أن القرار شكل سابقة في تاريخ القضاء اللبناني، إذ إنها المرة الأولى التي تحدد فيها كفالة بالدولار الأميركي، وهي في الوقت نفسه الأعلى على الإطلاق في سجل المحاكمات اللبنانية.