واشنطن- فاجأ الرئيس المنتخب دونالد ترامب الدوائر الأميركية المتابعة لأزمة غزة بإصداره بيانا حادا توعد فيه الشرق الأوسط كله “بالجحيم” في حال عدم الإفراج عن الأسرى المحتجزين قبل تنصيبه يوم 20 يناير/كانون الثاني المقبل.
وبعد يوم واحد قام مبعوثه الجديد للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف بجهود دبلوماسية للدفع نحو التوصل لصفقة لوقف إطلاق النار والإفراج عن الأسرى، اجتمع فيها -بشكل منفصل- مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني.
كما التقى مايكل والتز مستشار الأمن القومي لترامب بوزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر أثناء زيارته واشنطن، حيث ناقشا الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق في قطاع غزة. ويوجد لدى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) نحو 101 أسير محتجز، بينهم 7 أميركيين، 3 منهم أحياء و4 لقوا حتفهم.
مكاسب
يقول غريغوري أفتانديليان، خبير ملف سلام الشرق الأوسط والأستاذ بالجامعة الأميركية بواشنطن، إن ترامب يريد تحقيق مكاسب من موقفيه المتعارضين في كلا الاتجاهين؛ فهو يريد أن يُنظر إليه بوصفه مؤيدا لحكومة نتنياهو، وأن يكون قادرا على أن يظهر للعالم العربي، و”خاصة السعوديين”، أنه يريد أن يكون صديقا لهم أيضا.
هذا هو السبب -في رأيه- في ترشيح ترامب أشخاصا مؤيدين لإسرائيل، وكذلك مسعد بولس (الأميركي اللبناني) والد زوج ابنته تيفاني، للتواصل مع العالم العربي.
جاءت تهديدات ترامب، التي أطلقها في تغريدة على منصته “تروث سوشيال”، بعد مشاهدته الفيديو الذي بثته حركة حماس للمحتجز الأميركي الإسرائيلي إيدن ألكسندر وهو يبكي ويطلب من ترامب تحديدا التدخل للإفراج عنه، كما ذكرت شبكة فوكس الإخبارية.
وجاءت كذلك بعد ساعات من إعلان الجيش الإسرائيلي مقتل المواطن الأميركي عمر نيوترا، الذي كان يُعتقد أنه على قيد الحياة وتحتجزه حماس منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023. وخلال يوليو/تموز الماضي، خاطب والدا نيوترا المؤتمر الوطني الجمهوري مطالبين بإطلاق سراح ابنهما وبقية الأسرى.
كما وردت تصريحاته أيضا بعد يوم من لقاء جمعه مع سارة نتنياهو زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي.
ولترامب تاريخ مثير -خلال فترة حكمه الأولى- فيما يتعلق بحرصه على إعادة كافة المواطنين الأميركيين المحتجزين في دول أجنبية بغض النظر عن سبب احتجازهم، وتصدير ذلك للرأي العام الأميركي على أنه إنجاز كبير لا يستطيع أحد إلا هو القيام به، ونجح ترامب وأُفرج عن عدة مواطنين أميركيين من إيران واليمن وروسيا، ومصر أيضا من خلال حالة الناشطة آية حجازي.
وليس من المستغرب أن يضغط ترامب ويهدد للإفراج عن المحتجزين الأسرى، كما أنه يسعى إلى محاولة طلب تدخل قوى إقليمية مثل قطر ومصر وتركيا، أو حتى اللجوء لإبرام صفقة منفردة بين الولايات المتحدة وحماس للإفراج عن المحتجزين الأميركيين.
تأثير متسارع
ويرى مارك دوبويتز الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي جهة بحثية تتبنى مواقف حزب الليكود الإسرائيلي، أن دعوة ترامب لإطلاق سراح المحتجزين المتبقين في قطاع غزة يمكن أن تُسرع الجهود المبذولة لتأمين إطلاق سراحهم بالفعل.
وفي مقال رأي بصحيفة واشنطن بوست، قال دوبويتز إن التهديد الذي أصدره ترامب الاثنين الماضي سيكون له تأثير متسارع على الأحداث. وإذا كان من الممكن بالفعل إبرام صفقة قبل أن يتولى منصبه، فله الحق في إرجاع بعض الفضل لنفسه. وتتطلب هذه اللحظة قيادة حاسمة ودعما من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، إذ ربما تكون تلك هي الفرصة الأخيرة للأسرى وعائلاتهم.
وفي حديث للجزيرة نت، قال تشارلز دان عضو مجلس الأمن القومي الأميركي السابق والخبير حاليا بالمعهد العربي بواشنطن، إنه “من الطبيعي أن تقوم الإدارة الحالية بالجهود الدبلوماسية، وليس فريق ترامب، وإن جهود مبعوثه ويتكوف قد تمثل انتهاكا محتملا لقانون لوغان”.
وهذا القانون فدرالي يحظر على المواطنين الأميركيين، غير المخول لهم رسميا، التفاوض مع حكومات أجنبية على خلاف مع الولايات المتحدة.
واعتبر دان أنه إذا أدت جهود ترامب إلى وقف إطلاق النار، “فسيكون ذلك أفضل بكثير لشعب غزة”. لكنه قد يعقّد الدبلوماسية إلى حد كبير، كما أن تهديداته الغامضة تجاه حماس لا تساعد على تهيئة الأجواء للتفاوض حول صفقة جديدة.
خيارات عسكرية
في السياق ذاته، عيّن ترامب مبعوثا رئاسيا خاصا له لشؤون المحتجزين هو آدم بوهلر، مشيرا إلى تجربته في التفاوض مع بعض أصعب الأشخاص في العالم طبقا لما ذكره في تغريدة على منصته “تروث سوشيال”، من بينها دوره السابق في التوصل للاتفاقات الإبراهيمية.
وخلال سنوات إدارة ترامب الأولى، تبنى المبعوث الرئاسي الخاص لشؤون المحتجزين (ومستشار الأمن القومي لاحقا) روبرت أوبراين -بانتظام- نهجا أعطى الأولوية للخيارات العسكرية لإطلاق سراح المحتجزين بدلا من الخيارات الدبلوماسية فقط.
وسبق أن جادل بوهلر بأن المفاوضات الأميركية لإعادة المواطنين الأميركيين المحتجزين “ظلما” في الخارج يجب أن تقترن بالتهديد بعمل عسكري.
وفي مقال رأي نشره في أغسطس/آب الماضي في موقع “ذا هيل” الأميركي، دعا بوهلر إلى اتخاذ موقف أميركي أقوى في الجهود المبذولة لإعادة المحتجزين في قطاع غزة بما في ذلك عمليات عسكرية محتملة في القطاع. وأضاف “في أعقاب المهمة الفاشلة لإنقاذ الأميركيين الذين احتجزتهم إيران في عام 1980، أعيد بناء فرق العمليات الخاصة الأميركية لتحقيق ما لم تستطع غارة الرئيس جيمي كارتر إنجازه”.
وتابع “واليوم، تتمتع القوات الخاصة الأميركية بسجل حافل في التسلل بنجاح إلى مناطق معادية لإنقاذ المحتجزين. يجب على أولئك الذين يكرهون فكرة الوجود العسكري الأميركي داخل قطاع غزة أن يتذكروا أن غارة جوية واحدة ليست هي نفسها الوجود العسكري الطويل الأمد”.
وفي وقت أشادت فيه الدوائر الإسرائيلية بتهديد ترامب، وصفه المسؤول السابق والخبير بالمعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي جون حانا، في حديث تلفزيوني، بأنه “مثير للسخرية وبنّاء في الوقت نفسه”. وقال “اعتمادا على من تحدث معه آخر مرة أو حالة مزاجه يوم 20 يناير/كانون الثاني المقبل، قد يتبع ترامب إجراءات صعبة للغاية تتجاوز بكثير أي شيء فكرت فيه إدارة الرئيس جو بايدن”.