على مساحة 88 دونما (الدونم يساوي ألف متر مربع)، تمتد مباني ومنشآت كلية تدريب قلنديا، أول كلية أنشأتها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1953.

وتقع الكلية شمال القدس مقابل مخيم قلنديا للاجئين، ويقدر عدد طلبتها حاليا بـ270 طالبا، يتوزعون على 14 تخصصا، وتقدم لهم خدمات إضافية كالسكن الداخلي والتمريض والإرشاد والتوعية. وتضم الكلية قسم توجيه وإرشاد مهني لتوجيه الطلبة ومساعدتهم في مجالي التدريب وسوق العمل، ويتراوح عدد الخريجين سنويا بين 250 و300 خريج في التخصصات كافة.

وكلية تدريب قلنديا إحدى منشآت الأونروا التي باتت مهددة بعد إقرار الكنيست الإسرائيلي قوانين تحظر عمل الوكالة الأممية في المناطق التابعة لـ”السيادة الإسرائيلية”، و”منع أي نشاط للأونروا في أراضي دولة إسرائيل، وألا تقوم بتشغيل أي مكتب تمثيلي، ولا تقدم أي خدمة، ولا تقوم بأي نشاط، بشكل مباشر أو غير مباشر، في أراضي دولة إسرائيل”، بالإضافة إلى إبلاغ إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، الأمم المتحدة بانسحابها من اتفاق عام 1967 الذي ينظم علاقتها مع الأونروا.

تحريض واستهداف

وستدخل القوانين الإسرائيلية حيز التنفيذ خلال 90 يوما، وستكون لها تداعيات على الخدمات التي تقدمها الأونروا للاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها الخمس: الأردن ولبنان وسوريا وقطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، إلا أن تأثيرها سيبدو جليًا على القدس التي تتعرض لاستهداف إسرائيلي ممنهج.

وتقدم الأونروا خدماتها لأكثر من 110 آلاف لاجئ في القدس، ويتبع الوكالة الأممية مخيمان للاجئين هما: مخيم شعفاط شرق المدينة وتأسس عام 1965 ويقطنه نحو 16 ألفا و500 لاجئ مسجّل، ومخيم قلنديا شمال المدينة والذي تأسس عام 1949 ويقطنه نحو 16 ألفا و400 لاجئ مسجّل، وفقا لبيانات موقع الأونروا الإلكتروني.

كما يدرس نحو 1800 طالب وطالبة على مقاعد 6 مدارس تتبع الأونروا في المدينة المقدسة، بالإضافة إلى أن عددا كبيرا من اللاجئين المسجّلين يتلقون الخدمات الطبية المجانية في عيادة الوكالة في البلدة القديمة بالقدس.

وتصاعد التحريض والاستهداف الإسرائيلي للأونروا والمحاولات لإنهاء وجودها وتصفية قضية اللاجئين منذ عام 2017، بعد إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب أن القدس، بشطريها الغربي والشرقي، عاصمة موحّدة لإسرائيل، قبل أن تتزايد وتيرة هذا التصعيد بالتزامن مع حرب الإبادة والعدوان المتواصل على الشعب الفلسطيني منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وصولا إلى وصم الأونروا بـ”الإرهاب”.

معهد قلنديا ومرافق للأونروا

قرار استباقي

واستبق الاحتلال الإسرائيلي قوانين حظر عمل الأونروا بإعلان ما تسمى “سلطة أراضي إسرائيل” في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي الاستيلاء على الأرض المقام عليها مقر الوكالة في حي الشيخ جرّاح بالقدس المحتلة لبناء بؤرة استعمارية تضم 1440 وحدة.

كما استهدف الاحتلال كلية تدريب قلنديا بإصدار ما تسمى “سلطة أراضي إسرائيل” يوم 14 يناير/كانون الثاني الماضي قرارا يطالب الأونروا بإخلائها، ودفع رسوم إشغالها بأثر رجعي بقيمة 17 مليون شيكل (الدولار يساوية 3.75 شيكلات) بذريعة إنشاء مبان واستخدامها دون تصريح.

وفي السياق، قال الخبير في شؤون الأونروا سامي مشعشع لوكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية (وفا) إن إغلاق مقر الوكالة في الشيخ جراح له بعد رمزي وسياسي وعملياتي، لأن إدارة عمليات الوكالة في الضفة تنطلق من القدس، ويهدف الاحتلال سياسيا إلى القول بأنه لا يوجد لاجئون في القدس وإن القدس عاصمته الموحدة.

وأوضح أن تداعيات قرار حظر عمل الأونروا ستطال الآلاف من اللاجئين من حملة الهوية المقدسية الذين يقطنون في مخيم شعفاط تحديدا، وسيؤثر على وجود الوكالة الخدماتي في البلدة القديمة والأحياء الملاصقة لها، وعلى عمل مدارس الوكالة في القدس.

وأضاف أن القرار مدخل أساسي للقضاء على خدمات الوكالة في الضفة، حيث سيتأثر عشرات آلاف اللاجئين هناك من ناحية الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية والإغاثية وكل الخدمات المعهودة منذ عقود، وستتم محاولة إنهاء عمل الوكالة تدريجيا.

مكمن الخطورة

ولفت سامي مشعشع إلى أن الخطورة تكمن عند إغلاق مدارس الوكالة في مخيم شعفاط للذكور والإناث، ومدارس أخرى في صور باهر وسلوان وواد الجوز وغيرها من المدارس، حيث سيضع المزيد من الأعباء على اللاجئين لتسجيل أبنائهم، علما أن المدارس الخاصة ومدارس الأوقاف مكتظة ولا يبقى أمامهم سوى التسجيل في المدارس الحكومية التي تدرّس المنهاج الإسرائيلي، مما سيكون له تبعات فيما يتعلق بالوعي الجمعي للطلبة والقضية الفلسطينية، وتعزيز سطوة الاحتلال على كل مناحي الحياة.

وأوضح أن “القرار ينص على منع المسؤولين الإسرائيليين من التواصل مع أي موظف في الوكالة، كما أن الإعفاءات الضريبية ستُمنع عن الوكالة، وهذا يضيف إليها عبئا كبيرا، فضلاً عن سحب التأشيرات من مسؤوليها وموظفيها وعدم تجديدها، وهو ما بدأ بإعلان المفوض العام للوكالة شخصية غير مرغوب فيها، ومنعه من دخول القدس، حيث ما زال القرار ساريا حتى اللحظة”.

ويرى مشعشع أن من تبعات القرار الإسرائيلي تأثيره في الأمن الوظيفي لمئات الموظفين الذين يعملون في القدس في المقر العام، وعلى المئات الذين يعملون في القدس وضواحيها.

غير أن التأثير الأكبر، حسب مشعشع، هو أن الوكالة “لن تتمكن من استيراد الأغذية والمواد الإنسانية المنقذة للحياة، ولن يكون متاحا وضعها في المخازن بعد جلبها عبر الموانئ الإسرائيلية، وهذا سيؤثر في قدرة الوكالة على الإيفاء بالتزاماتها الإنسانية وتحديدا نحو اللاجئين والفقراء منهم، وهم كثر في الضفة”.

كما أن هناك تأثيرات مباشرة للقرار ستحد بشكل كبير من نجاعة تقديم ووصول الخدمات الصحية والخدمات الإغاثية وخدمات الإقراض والخدمات المختلفة.

تداعيات قانونية وسياسية

ويحيل استهداف الأونروا وحظر عملها، خاصة في القدس المحتلة، على أبعاد سياسية وقانونية، إلى جانب البعد الإغاثي والإنساني.

وبهذا الخصوص، قال وزير العدل شرحبيل، في مقابلة مع وكالة “وفا”، إن القرار الإسرائيلي بحظر عمل الأونروا يخالف القانون الدولي لأن على إسرائيل التزامات، فهي أنشئت بقرار من الأمم المتحدة، وقبول عضويتها في الأمم المتحدة كان مشروطا بقبول القرارين 181 و194، والقرار اللاحق 302 الذي تأسست بموجبه الأونروا.

وأضاف أن استهداف وجود الأونروا وعملها في القدس الشرقية يأتي في سياق الاستهداف الإسرائيلي الممنهج لمدينة القدس واعتبارها “عاصمة موحّدة” لإسرائيل، والذي يتعارض مع القوانين والقرارات الأممية والدولية، وآخرها الرأي الاستشاري الذي صدر عن محكمة العدل الدولية وتبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي، والذي أكد أن الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية، غير قانوني ويجب إنهائه خلال عام.

وتابع وزير العدل أن إسرائيل تضرب بعرض الحائط كل هذه القرارات وتحاول فرض أمر واقع بالقوة، مستدركا أن حظر عمل الأونروا لن يؤثر بشكل مباشر على الوضع التاريخي والقانوني للقدس، إلا أن له تأثيرا غير مباشر عبر محاولة إسرائيل تكريس سيطرتها واحتلالها غير القانوني للقدس، وبالتالي إفراغ المدينة من المؤسسات التي تخدم الفلسطيني وتعزّز وجوده فيها.

شاركها.
Exit mobile version