طهران، القدس المحتلة- تتصاعد حدة التوتر بين إيران وجارتها أذربيجان، عقب اتهام طهران لباكو بتقديم تسهيلات عسكرية واستخباراتية لإسرائيل في الهجوم الذي استهدف أراضيها في 13 يونيو/حزيران الماضي، إلا أن أذربيجان نفت هذه الاتهامات، داعية إلى حل الخلافات عبر الحوار ووفق القانون الدولي.

ورغم فرض إسرائيل رقابة مشددة على تفاصيل تعاونها مع باكو، ولا سيما في فترات التوتر والحرب، فإن المؤشرات على الشراكة الوثيقة بين الطرفين في مجالات الأمن والدفاع والطاقة تتزايد، مما يعكس تعميق العلاقات الثنائية في مرحلة بالغة الحساسية إقليميا.

وترى طهران أن أذربيجان تحولت إلى ما يشبه “القاعدة الأمامية” لإسرائيل على حدودها الشمالية، في ظل تعاون علني بين البلدين يمتد منذ تسعينيات القرن الماضي. ورغم تأكيد باكو على التزامها بسياسة الحياد، ترى إيران أن هذا التعاون يفاقم التوتر الإقليمي ويهدد الاستقرار، وتلوح بإمكانية الرد إذا تكررت الاعتداءات من أراض أذربيجانية.

وتزامنا مع الحرب الإسرائيلية على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كثفت تل أبيب إظهار علاقتها الإستراتيجية مع باكو، ووصفتها بأنها “موطئ قدم” مهم قرب الحدود الإيرانية، في حين تشير تقارير إعلامية إلى أن صفقات السلاح بين الجانبين تتيح لإسرائيل الاقتراب أكثر من العمق الإيراني.

وفي المقابل، صرح السفير الإيراني في أرمينيا مهدي سبحاني بأن إيران بدأت تحقيقات رسمية لتحديد ما إذا كانت الطائرات المسيرة الإسرائيلية انطلقت من أراضي أذربيجان أو أجوائها، مؤكدا أن “ثبوت ذلك سيكون انتهاكا خطيرا للقانون الدولي”.

وأضاف سبحاني أن طهران طالبت باکو بإجراء تحقيقات مماثلة وتقديم نتائج شفافة، مؤكدا أن رد إيران سيتحدد بناء على نتائج هذه التحقيقات.

قرائن وعمليات سرية

ويرى الباحث في الأمن الدولي عارف دهقاندار أن “شواهد وقرائن متعددة تشير إلى احتمال استخدام إسرائيل لأراضٍ أو قواعد تابعة لأذربيجان لتنفيذ عمليات ضد إيران، بما في ذلك خلال الحرب التي استمرت 12 يوما”.

وأوضح دهقاندار، في حديثه للجزيرة نت، أن “رغم نفي المسؤولين الأذربيجانيين المتكرر لهذه الادعاءات، فإن ما هو موثق من سوابق، إلى جانب طبيعة العلاقات الأمنية والعسكرية الوثيقة بين تل أبيب وباكو، يظهر بوضوح أن هذا التعاون قائم بالفعل”.

وأشار إلى أن “عملية سرقة الوثائق النووية من موقع تورقوزآباد في عام 2018، التي نسبت إلى جهاز الموساد، تمثل مثالا بارزا على هذا التعاون، إذ فر عملاء الموساد بعد تنفيذ العملية من طهران عبر الحدود الشمالية الغربية لإيران باتجاه أذربيجان، بمساعدة شبكات التهريب وعصابات محلية أمنت لهم هذا المسار الآمن”.

ويضيف دهقاندار أن العلاقات بين الجانبين تعززت منذ عام 1992، مع توقيع صفقة تسليحية ضخمة بقيمة 1.6 مليار دولار شملت طائرات مسيرة من طراز “هيرمس 450” و”هيرون تي بي”، إلى جانب صواريخ “سبايك”.

العلاقات الأذربيجانية الإسرائيلية تمتد إلى فترة التسعينات من القرن الماضي (الأناضول)

مسارات الطيران من الشمال

ويتابع دهقاندار أن وجود فرق فنية إسرائيلية في أذربيجان، وتقارير عن استخدام قاعدة “سيطالجاي” لجمع المعلومات وتنفيذ عمليات بالطائرات المسيرة، جعل من باكو قاعدة مناسبة لأنشطة خفية ضد إيران، خاصة أن موقعها الجغرافي وحدودها المشتركة مع طهران يعززان من هذه الإمكانية.

وفيما يتعلق بالهجوم الأخير، أوضح أن “اكتشاف بقايا طائرات مسيرة من طراز هيرمس 900 في مدينة أصفهان، بالإضافة إلى خزانات وقود أجنبية في المناطق الشمالية لإيران، يشير إلى أن مسارات الطيران جاءت من الشمال، وهو ما يتطابق مع موقع أذربيجان الجغرافي”.

وأضاف أن “وسائل إعلام إسرائيلية كانت قد لمحت إلى تنفيذ عمليات من أراضي دولة قريبة من إيران، وهو ما يعزز هذا الاحتمال، رغم نفي باكو المتكرر، والذي لا يتعدى في الغالب الإطار الدبلوماسي للحفاظ على المظاهر الرسمية”.

وختم دهقاندار بأن إيران لطالما أكدت تمسكها بمبدأ حسن الجوار، إلا أن باكو خرقت هذا المبدأ عبر تقاربها مع إسرائيل وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، مشيرا إلى أن نشاط الطائرات المسيرة والتحركات الحدودية تكشف عن دور غير مباشر تؤديه أذربيجان في دعم الهجمات ضد إيران.

وتماشيا مع ما أشار إليه الباحث عارف دهقاندار، قال عبد الرحيم سرايي، المسؤول الإداري لممثلية المرشد الأعلى في فيلق “عاشوراء”، إن إسرائيل أنشأت مطارا كبيرا في المنطقة المقابلة لقرية “عاشقلو” التابعة لمدينة خداآفرين، على بعد 17 كيلومترا فقط من الحدود الإيرانية، مشددا على أن “الوجود الإسرائيلي العلني يمثل دليلا على السيطرة الصهيونية الكاملة على القرار الأمني في باكو”.

تكتم رسمي

من جانبه، يرى الباحث الإسرائيلي أنطوان شلحت أن التعتيم الإعلامي والسرية التي تفرضها تل أبيب على عملياتها الاستخباراتية المنطلقة من أذربيجان يعكسان حساسية الموقع الجغرافي وحدود باكو الطويلة مع طهران.

وقال للجزيرة نت إن العلاقات بين إسرائيل وأذربيجان تعود لسنوات طويلة، لكنها شهدت تطورا متسارعا منذ اندلاع عملية طوفان الأقصى والحرب متعددة الجبهات، التي انتقلت إلى مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران.

ويرى شلحت أن أذربيجان شكلت ساحة حيوية لاختراق البرنامج النووي الإيراني، خصوصا من خلال تقديم الدعم الاستخباراتي لسلاح الجو الإسرائيلي، مما نقل المواجهة إلى العمق الإيراني.

وأكد أن إسرائيل لا تعتمد فقط على جهاز الموساد، بل تستفيد من تعاون استخباراتي واسع مع أجهزة دولية أخرى، وهو ما ساعدها في توجيه ضربات دقيقة داخل إيران، مستشهدا بتصريحات المستشار الألماني فريدريش ميرتس التي أشار فيها إلى أن إسرائيل تقوم بأعمال استخباراتية نيابة عن الغرب.

صمت إستراتيجي

وأوضح شلحت أن تل أبيب تعتمد على التعتيم والخداع ضمن إستراتيجية حربية جديدة تخالف الأساليب التقليدية، حيث تتجنب الكشف عن حجم الدمار الذي تلحقه الصواريخ الإيرانية، أو تفاصيل استهداف قيادات حزب الله.

وأشار إلى أن إسرائيل قد تكشف أحيانا معلومات محدودة، لكن الصورة الكاملة تظل طي الكتمان، لافتا إلى أن هذا النهج شمل أيضا جولة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأخيرة في الولايات المتحدة، وهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، حيث أحاطتها حكومته بسرية مطلقة.

وختم الباحث الإسرائيلي بأن أذربيجان تبقى متمسكة بالنفي الرسمي لأي دور في الهجمات ضد إيران، بينما تساعدها إسرائيل على التزام الصمت لتجنب ردود فعل طهران، التي تصر من جانبها على مواصلة التحقيقات، مما يجعل القضية مفتوحة وقابلة لمزيد من التصعيد في المرحلة المقبلة.

شاركها.
Exit mobile version