قادتنا الانتهاكات المتكررة التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي على أراضي بلدة عناتا وبحق مواطنيها إلى إجراء حوار خاص مع رئيس بلديتها طه نعمان الرفاعي، للإضاءة على حجمها ومدى تأثيرها على واقع البلدة الجغرافي والديمغرافي ومستقبلها الذي وصفه بـ”المأساوي”.
تقع بلدة عناتا شمال شرق القدس المحتلة، ولا سلطة لبلديتها على الأراضي كافة، فجزء منها يتبع لبلدية البلدة، وآخر لبلدية الاحتلال في القدس، وجزء ثالث تزوِّد سكانَه بخدمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وجزء رابع للسكان البدو.
وخلال الحوار الخاص الذي أجرته الجزيرة نت مع رئيس البلدية قال إن الاحتلال صادر واستولى على 90% من أراضي القرية، وبنى 5 مستوطنات عليها، إضافة لتعمده تطويقها بجدار الفصل العنصري من كل الجهات.
وتاليا نص الحوار كاملا:
-
بداية كم تبلغ مساحة أراضي بلدة عناتا تاريخيا، وكم مساحة الأراضي المصادرة؟
تربعت بلدة عناتا تاريخيا على مساحة 32 ألف دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع) وهي مسجلة كـ”طابو” منتهي التسوية منذ عام 1956، لكنّ الجدار أطبق على البلدة من الجهات الأربع، وصودرت معه 30 ألف دونم، وبقي خارجه ألفا دونم فقط.
تتبع 957 من الدونمات المتبقية لصلاحية البلدية، وهي مصنفة مناطق “ب” وفق اتفاقية أوسلو، وتعني سيادة أمنية إسرائيلية، وتتبع إداريا للسلطة الفلسطينية.
وأصبح نحو 500 دونم من الأراضي تحت سلطة بلدية الاحتلال في القدس، و220 دونما هي مناطق مصنفة “ج” مسموح بالبناء فيها، ولكن تحت طائلة المسؤولية الشخصية، وهي مناطق تتبع سلطة الاحتلال أمنيا وإداريا.
-
ما المستوطنات التي أُقيمت على أراضي بلدة عناتا؟
يوجد معسكر ومستوطنة “عناتوت”، وكل من مستوطنة “نفيه برات” و”كفار أدوميم” و”ألون”، وجزء من مستوطنة “ميشور أدوميم”.
ومن ثم، عناتا مطوقة من الجهات كافة إما بالمستوطنات أو بجدار الفصل العنصري.

-
استطاع أهالي عناتا سابقا وقف الزحف الاستيطاني في بعض المناطق واستعادة أراض مثل “تلة عالميت” وإيقاف شق شارع يربط شطري مستوطنة “عناتوت”، حدثنا عن هذه التجربة.
رفع المواطنون بمساعدة البلدية دعاوى وصل مسارها إلى المحكمة الإسرائيلية العليا، وحالفنا الحظ والحجة القوية بكسب بعضها، لكننا خسرنا أخرى.
ومن ضمن القضايا التي نجحنا فيها إيقاف شق طريق لصالح مستوطنة “عناتوت”، واستعادة تلّة “عالميت” التي سعوا لضمها إلى هذه المستوطنة، لكن المحكمة العليا عجزت عن مجاراة المستوطنين بسبب قوة حجّتنا ومصداقية الدعوى، وكان ذلك عام 2016.
في المقابل، لم نوفق في قضايا أخرى ومن ضمنها استعادة الأراضي التي صودرت في منطقة مستوطنة “ميشور أدوميم”، وكان ردّ المحكمة أن هذه المصادرة تمت منذ عام 1974 لأغراض بناء مستوطنتي “معاليه أدوميم” و”ميشور أدوميم”.
كما أننا لم ننجح في قضايا تتعلق بجدار الفصل العنصري بعد محاولتنا من خلال القضاء الإسرائيلي إزاحته وإبعاده لأنه يطبق على البلدة، وعدا عن ذلك، لا توجد قضايا عالقة في المحاكم الإسرائيلية الآن.
-
كم يبلغ عدد سكان هذه البلدة، وكم نسبة حملة الهوية الإسرائيلية (الزرقاء) منهم؟
يبلغ عدد سكان عناتا 30 ألف نسمة، بينهم نحو 13 ألف مقدسي يحملون بطاقة الهوية الإسرائيلية (الزرقاء)، وهي هوية إسرائيلية تصدرها سلطات الاحتلال للفلسطينيين داخل حدود مدينة القدس باعتبارهم مقيمين لا مواطنين.
-
يضطر معظم حملة الهوية الزرقاء لاجتياز حاجز مخيم شعفاط يوميا، حدثنا عن المعاناة التي يسببها هذا الحاجز، ومتى تفاقمت؟
شكّل حاجز مخيم شعفاط ضغطا إضافيا على بلدة عناتا، لأن الجدار شمله وشمل كلًّا من منطقة رأس خميس ورأس شحادة وضاحية السلام مع البلدة، وبالتالي أصبحت عناتا هي الوجهة للتوسع من ناحية البناء من جهة، ولكل من يريد الخروج والدخول من المنفذ الخارجي الوحيد لها في الجهة الشمالية الشرقية لتجنب اجتياز حاجز مخيم شعفاط العسكري من جهة أخرى.
نتحدث عن 120 ألف مقدسي يعيشون في هذه المناطق، ويمرّ جميعهم من عناتا عندما يُغلق الحاجز، وبسبب التعامل الرديء معهم خلال اجتيازه، وبالتالي يخرجون من عناتا نحو حواجز أخرى تؤدي إلى القدس، وهي إما حزما أو الزعيم أو العيساوية.
-
خلال الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران، نُصبت بوابة حديدية على مدخل القرية، فهل باتت محاصرة من الاتجاهات كافة، وما خطورة نصب هذه البوابة؟
نُصبت البوابة على المنفذ الوحيد لعناتا، وأصبح نحو 150 ألف مواطن في سجن كبير، وفي حال إغلاقها بشكل مفاجئ بالتزامن مع إغلاق مخيم شعفاط لا يتمكن المقدسيون من الوصول إلى مدينتهم، ولا يتمكن حملة بطاقة الهوية الفلسطينية (الخضراء) من الخروج من عناتا باتجاه مدن الضفة الغربية الأخرى.
يمكننا القول إن جدار الفصل العنصري هو القارورة والبوابة هي غطاؤها.
-
في الآونة الأخيرة استُهدفت عناتا بحملة المداهمات الليلة والاعتقالات وسرقة الأموال والمصاغ الذهبي، في أي إطار تنظر إلى هذه الحملة، وهل ترى أن الاعتقالات تستهدف شريحة معينة أم أنها عشوائية وتهدف للترهيب والردع؟
في هذه الجزئية لا يمكنني أن أفصل عناتا عن الجو العام في مناطق الضفة الغربية، وهي جزء من المعادلة، ولا فرق بينها وبين أي قرية أو مدينة فلسطينية أخرى، ولا خصوصية لها في هذا الجانب.
تتكرر الاقتحامات التي ترافقها حملة اعتقالات وتحقيق ميداني مع المواطنين الذين يفرج عنهم بعد ساعات، وهناك عديد من المواطنين الذين تطول فترة اعتقالهم وتقدم ضدهم لوائح اتهام.
-
لاحظنا أيضا استهداف القرية بسياسة الهدم مؤخرا، ونفذت بعض عمليات الهدم دون إنذار مسبق، لماذا تصاعد عقاب السكان بالهدم؟
تصاعد الهدم في عناتا بعد اندلاع الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهو مرتبط بقضية تصنيف جزء من أراضي البلدة كمناطق “ج”، فتُهدم المنازل والمنشآت إما تحت هذه الذريعة أو بحجة قربها من الجدار.
ورغم أن المواطنين حرصوا على الابتعاد عن الجدار حتى مسافة 150 إلى 200 متر في بعض الأحيان، فإن منازلهم هدمت أيضا بادعاء محاذاتها لجدار الفصل العنصري، ولا بديل للسكن في المنطقة لكل من يهدم منزله بسبب الاكتظاظ السكاني الكبير، وبالتالي يُهجّر هؤلاء قسريا.
-
كيف ترى مستقبل البلدة إذا استمر الحال كما هو عليه الآن؟
الحال مأساوي لأن الحصار مطبق بسبب الجدار، ولا توجد أراض للبناء عليها والهدم مستمر.
عناتا باختصار بلدة منكوبة ومشروع لجوء مستقبلي، لأن 30 ألف نسمة يعيشون على رقعة جغرافية لا تتجاوز ألف دونم، وسيكون هناك انفجار سكاني كبير بعد عقد من الزمان، وبالتالي سيضطر المواطنون مستقبلا للخروج منها بحثا عن شقق سكنية يعيشون فيها وهذا هو التهجير الطوعي.
-
أخيرا، ما أبرز التحديات التي تواجهكم كبلدية فلسطينية؟
أصعب ما نواجهه هو الازدحام الشديد، وعدم وجود سيادة فلسطينية على هذه المنطقة، الأمر الذي يخلق فراغا أمنيا قاتلا يزيد العبء علينا.
أرى أن عناتا ستتحول مستقبلا من بلدة إلى تجمع سكاني أشبه ما يكون بمخيم بسبب انعدام المساحات والأراضي.