الخرطوم – حتى أبريل/نيسان 2023، كان القصر الرئاسي بالخرطوم المطل على شاطئ النيل الأزرق معلما ورمزا للسيادة وقبلة للحكام وكبار الزوار، لكنه بعد هذ التاريخ تحول إلى ساحة حرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.

كان الطرفان يتقاسمان المكان، حيث الجيش في الناحية الجنوبية للقصر يسيطر على البوابة الرئيسية، بينما تتمركز قوات الدعم السريع قبالة النيل وتسيطر على البوابة الشمالية.

كان ما يجمع الطرفين أكثر مما يفرقهما، فقد كانا يحرسان أهم موقع في الدولة ورمز سيادتها يجتمع جنودهما على مائدة إفطار واحدة في رمضان، الذي مثلت إحدى لياليه نقطة اللاعودة.

في وقت وجيز اندلع القتال وتحول المكان إلى ساحة حرب ما لبثت أن توسعت، فكان جنود الدعم السريع يهاجمون بأشرس المقاتلين وأقوى العتاد مقر إقامة قائد الجيش بهدف السيطرة عليه، ودارت معارك ضارية سقط فيها عديد من عناصر الحرس الرئاسي، لكن القيادة صمدت ولم تسقط طوال سنتي الحرب.

انسحبت قوات الجيش من القصر لعدم جاهزيتها، وربما بفعل المفاجأة وعدم الاستعداد للحرب، ومنذ ذلك التاريخ بقي هذا المكان تحت سيطرة الدعم السريع طوال الـ23 شهرا الماضية، قبل أن يتمكن الجيش من استعادته فجر اليوم الجمعة بعمليات عسكرية مكثفة وتطويق وحصار دام عدة أسابيع.

الرصاص والدم

بدا القصر الرئاسي -الذي كان يعد تحفة معمارية وإرثا تاريخيا- أثرا بعد عين وتحول جزء كبير منه إلي أكوام من الرماد والحجارة، وتناثر في جنباته الزجاج المحطم والأثاث المدمر بعد معارك على مدى عامين.

كانت قوات الدعم السريع تستخدم مباني القصر ارتكازات للقناصة ومنصات لإطلاق الصواريخ المتطورة القصيرة والمتوسطة المدى لتستهدف بها سلاح المهندسين غربا والقيادة العامة جنوبا.

رغم الدمار بفعل تبادل القصف والمواجهات المستمرة طوال هذه المدة، فإن قادة الجيش يشعرون بأن استعادة القصر حدث كبير يمثل تحولا كبيرا في الحرب.

عشرات الجنود من الدعم السريع قتلوا بالقصر الرئاسي كما فقد الجيش عديدا من ضباطه وجنوده في المعركة، فكان المكان عنوانا للرصاص والدم.

اتبع الجيش -حسب ضباط في صفوفه- إستراتيجية النفس الطويل لتقليم أظافر الدعم السريع في محيط القصر الرئاسي.

وكانت البداية الوصول إلى مناطق إستراتيجية بالمقرن، وهي منطقة حاكمة تقع غرب الخرطوم، لتسهيل عملية القصف المدفعي بهدف إرباك دفاعات الدعم السريع.

تزامن ذلك مع تقدم للجيش في مدينة بحري من الجهة الشمالية المقابلة للقصر، في وقت تحركت فيه قوة من سلاح المدرعات إلى محيط السوق العربي ووسط الخرطوم، وبذلك تم إغلاق كل المنافذ المؤدية للقصر، في حين انتشرت قوات من القيادة العامة في الشرق وباتت الخناق محكما.

كانت ثمة عوائق وألغام أبطأت تقدم الجيش بجانب وجود مبان شاهقة تحيط بالقصر من كل الاتجاهات، كان أبرزها العمارة الكويتية المطلة على النيل التي تتكون من عدة طوابق.

وحسب ضابط رفيع تحدث للجزيرة نت، كثف الجيش منذ نهار أمس الخميس هجماته على تلك العمارة بهدف تحييد القناصين المتمركزين فيها بكثافة مستخدما المدفعية والطيران المسير.

وأضاف الضابط -الذي فضل حجب اسمه- “بعد سيطرتنا على العمارة الكويتية، بات الأمر سهلا لدخول القصر، حيث تقدمت قوات ناحية الشرق بمحاذاة النيل، وتمكنت من الدخول عبر البوابتين الشرقية والشمالية الخاضعة لسيطرة الدعم السريع قبل الحرب”.

وقال الضابط “بعد توغلنا داخل القصر، هربت عناصر الدعم السريع جنوبا، ولاحقناهم بالسلاح الخفيف مثل الغرنوف والكلاشنكوف، وأوقعنا فيهم خسائر كبيرة”. وأوضح الضابط أن من تبقى من تلك القوات لاذ بالفرار عبر أزقة السوق العربي الكثيرة، مما حال دون القضاء الكامل عليهم.

من ناحيته، يقول العقيد ركن بالجيش عبد العال الأمين إن “الجيش أثبت تفوقه العملياتي والتكتيكي، حيث تمكن من اختراق دفاعات العدو المنهارة، واستئصال بقايا فلول آل دقلو ومرتزقتهم الذين حاولوا الاحتماء خلف جدران القصر، ظنا منهم أنه سيكون معقلا دائما لهم”.

دماء على بلاط القصر

مع إعلان السيطرة على القصر، اندفع الجنود وكاميرات الصحفيين للاحتفال بالحدث الذي كانت تتحدث عنه وتتوقعه وسائل الإعلام طوال الأيام الماضية. وكان في مقدمتهم الإعلام الرسمي ممثلا في التلفزيون القومي.

وبينما كان الجميع يحتفل فرحا بالنصر في باحة القصر باغتتهم مسيرة انتحارية للدعم السريع، فقتلت عددا منهم، بينهم صحفيون بتلفزيون السودان وضباط في الإعلام العسكري للجيش السوداني، قبل أن تستأنف وسائل إعلام إقليمية ودولية نقل احتفالات جنود الجيش وضباطه.

جيوب حول القصر

ولا تزال المنطقة حول القصر وبعض مناطق السوق العربي -حيث هربت بعض قوات الدعم السريع- غير آمنة. وهنا، يقول اللواء بالجيش محمد عبد الرحمن البيلاوي للجزيرة نت إن القوات المتبقية من الدعم السريع وسط الخرطوم محاصرة، ولا تستطيع الخروج وقد باءت كثير من محاولاتهم بالفشل ووقعوا في كمائن الجيش.

شاركها.
Exit mobile version