كييف- “ساعات أو أيام قليلة على أبعد تقدير، تفصلنا عن بدء أوكرانيا عمليات عسكرية مضادة واسعة النطاق”. بهذه التصريح عبّر يفغيني باليتسكي حاكم الجزء الخاضع للسيطرة الروسية في مقاطعة زاباروجيا، عن ترقّب بلاده هذا التطور.
ومنذ عدة شهور، تستعد أوكرانيا بدعم سخي من الأسلحة والمعدات والأموال التي تصلها من دول الغرب، وتتحدث عن إمكانية حقيقية لتحرير كامل أراضي البلاد في 2023، وصولا إلى حدود العام 1991، المعترف بها دوليا.
ووفق المسؤولين الأوكرانيين، باتت البلاد مستعدة لتلك العمليات، حتى وإن غاب سلاح الطيران المطلوب عنها. ووفقا لكل من واشنطن وحلف شمال الأطلسي أيضا، فإن كييف حصلت على 98% مما تحتاجه لهذا الغرض.
متى وأين وكيف؟
الإجابة عن تساؤلات “متى وأين وكيف ستبدأ تلك العمليات؟”، تبقى محصورة في رؤوس 5 أشخاص، يشكّلون معا ما يسمى مجلس القائد الأعلى في أوكرانيا وهم الرئيس، ووزير الدفاع، ورئيس الأركان، وأمين مجلس الأمن القومي، ورئيس دائرة الاستخبارات العسكرية.
لكن بعض المسؤولين والخبراء العسكريين والمحللين الإستراتيجيين يطلقون العنان لتوقعات حول زمان ومكان العمليات المتوقعة. وهذه أبرزها:
بدءا من أواسط مايو/أيار
تحسّن الطقس وغياب الوحل الذي يعرقل تقدّم الآليات والمشاة، شرطان رئيسيان لبدء العمليات المضادة. وهذا ما لمح إليه بنفسه وزير الدفاع الأوكراني، أوليكسي ريزنيكوف، الذي قال أيضا إن “التشكيل الهجومي الأول جاهز بنسبة تزيد على 90%، لكن بعض الوحدات لا تزال تكمل برامج التدريب في الخارج”.
ولهذا يتوقع كثيرون أن تبدأ العمليات أواسط مايو/أيار الجاري؛ بل إن رئيس مجموعة “فاغنر” العسكرية الروسية، يفغيني بريغوجين، حدّد موعد البداية في 15 الشهر الجاري، قبل أن يكشف نية الانسحاب من مدينة باخموت في العاشر من الشهر الحالي.
ولكن رئيس الوزراء الأوكراني، دينيس شميهال، كان قد لمح إلى أن عمليات بلاده قد تبدأ في صيف العام الجاري، وليس قبل ذلك.
نحو القرم أولا
يمتد خط المواجهات بين الروس والأوكرانيين على مسافة تتجاوز ألف كيلومتر، ولهذا يتوقع الخبراء أن تركز أوكرانيا في عملياتها على جهة أكثر إيلاما لروسيا.
ويرى معهد دراسات الحرب البريطاني أن التركيز سينصب -غالبا- على الجنوب، في محاولة لقطع ما يسمى بـ”جسر القرم البري”، الذي يصل أراضي روسيا بشبه جزيرة القرم.
ووفق إيفان ستوباك، عضو المعهد، والخبير العسكري في “المعهد الأوكراني للمستقبل” أيضا “تتركز استعدادات الروس حاليا في مقاطعات زاباروجيا وخيرسون إضافة إلى القرم، حيث يقومون هناك بإجلاء السكان وبناء عدة خطوط دفاعية”.
ويضيف، في حديث للجزيرة نت “تدعم هذه الفرضية حقيقة أن أوكرانيا كثّفت مؤخرا استهداف مواقع إستراتيجية ولوجستية حساسة في هذه المقاطعات وفي القرم. والتركيز على استعادة القرم سيحبط الروس ويكسر معنوياتهم وسيؤثر على قدراتهم وعلى وضع أسطولهم في البحر الأسود، وعلى نفوذهم في المياه الدافئة بشكل عام”.
وكان مسؤول في حلف شمال الأطلسي “الناتو” قد لمح، في وقت سابق، إلى أنه آن الأوان ليفرض الحلف سيطرته على كامل البحر الأسود.
4 مدن إستراتيجية
يرى خبراء أن أوكرانيا ستركز أيضا في عملياتها على تحرير 4 مدن رئيسية في مقاطعتي زاباروجيا ودونيتسك جنوب شرق البلاد، وهي:
- ميليتوبول، التي تضم واحدة من أكبر القواعد العسكرية في مقاطعة زاباروجيا.
- إنيرهودار، التي تضم محطة زاباروجيا للطاقة النووية، الأكبر في أوكرانيا وأوروبا.
- مدينة وميناء بيرديانسك على السواحل الشمالية لبحر آزوف في مقاطعة زاباروجيا.
- مدينة وميناء ماريوبول في مقاطعة دونيتسك على بحر آزوف أيضا.
دونباس.. محرقة مستمرة
ووفق الخبراء، فإن سر غياب باقي مدن إقليم دونباس، الذي يضم مقاطعتي دونيتسك ولوهانسك، والتي تعد الأكثر سخونة في الوقت الحالي، يكمن في حقيقة أن الإقليم تحول إلى “محرقة مستمرة”.
ويقول المحلل العسكري يوري فيدوروف، للجزيرة نت إن “أوكرانيا لا تخفي هذه الحقيقة. مدن باخموت وأفدييفكا ومارينكا وليمان هي حاليا أفضل مكان لقتل أكبر عدد من المحتلين الروس، وإشغالهم عن جبهات أخرى”.
وفي السياق ذاته، يعتبر فيدوروف أن “تمسك الروس برغبة السيطرة على كامل الإقليم أوقعهم في فخه الذي لا يستطيعون الخروج منه حتى لو أرادوا”، على حد رأيه.
ويقول إن “استعادة السيطرة على كامل دونباس ستكون الأصعب على أوكرانيا، لأن الإقليم مفتوح من الجهة الشرقية على أراضي روسيا وطرق الإمداد الكثيرة، على عكس القرم ومقاطعات جنوب شرق البلاد”.
والناظر إلى الخريطة، كما يقول فيدوروف “يدرك جيدا أن دونباس سيكون خطوة أخيرة، بعد تحرير مدن ماريوبول وبيرديانسك، وإمكانية أن تطوقه أوكرانيا بقوات قريبة من 3 جهات”.
بدون سلاح الطيران
وعند الحديث عن سير العمليات، يقلل بعض الخبراء من أثر سلاح الجو المتطور، الذي تفتقده أوكرانيا، وتطالب به دول الغرب الداعمة، ويقولون إنه “مطلوب لأغراض دفاعية أكثر مما هي هجومية”.
ويؤكد المتحدث باسم القوات الجوية الأوكرانية يوري إيهنات، ذلك قائلا “نحن بحاجة طبعا إلى طائرات الجيل الجديد، وخاصة طائرات “إف-16″، لأنها قادرة على اعتراض صواريخ وطائرات العدو المتطورة”.
ويضيف “طائراتنا قادرة على ضرب مواقع العدو بصواريخ أميركية متطورة، وهي نشطة فعلا على جبهات الشرق والجنوب”.
وفي الإطار ذاته، كان وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا، قد ربط إمكانية إعادة فتح بعض المطارات بقدرة الدفاعات الجوية على حمايتها، ومن ذلك حصول بلاده على طائرات “إف-16”.
ويرى الخبير العسكري إيفان ستوباك، أن “الكلمة في المعارك القادمة ستكون لتشكيلات الأرض التي تحمي نظم الدفاع الجوي ظهورها، ومنها ألوية الدبابات ومدرعات ونظم مدفعية وقوات مدربة وفق معايير الناتو”.
وأشار إلى أن “هذه التشكيلات هي التي أحدثت فارقا كبيرا في الحرب لصالح أوكرانيا، رغم قلتها سابقا وتفوق روسيا بالأعداد، وأدت -في وقت سابق- إلى تحرير أراضي واسعة في مقاطعتي خاركيف شرقا وخيرسون جنوبا”.