نابلس- كما كانت مطاردتهما تسير بهدوء وتعتمد أكثر على المعلومات الاستخبارية، نُفذِّت عملية الاغتيال بصمت واستشهد الشابان معاذ المصري وحسن قطناني منفذا “عملية الأغوار” كما اصطلح على تسميتها قبل أقل من شهر، واستشهد إلى جانبهما شاب ثالث هو إبراهيم جبر المصاب بمرض السرطان وقعيد الفراش.
وفي عملية عسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي تشبه سابقاتها كثيرا في المكان والزمان، اقتحمت قوات إسرائيلية خاصة حي الياسمينة في البلدة القديمة بمدينة نابلس شمال الضفة الغربية قرابة السابعة من صباح اليوم، وشرعت في محاصرة منزل الشهيد إبراهيم جبر الذي كان به المقاومان قطناني والمصري.
الهدف ثمين
وتشير معلومات جمعتها “الجزيرة نت” من مواطنين وشهود عيان بالبلدة القديمة في نابلس إلى أن القوات الخاصة التي يعتقد أنها نفذت الاقتحام في ساعة مبكرة من صباح اليوم تخفَّت بزي رجل دين وامرأة وشاب ثالث يعتمر قبعة على رأسه ويسير إلى جانبهم وهم يخفون شيئا تحت ملابسهم يعتقد أنه سلاح، وهو ما أظهرته أيضا إحدى الصور التي التقطت لهم، واقتحموا حي الياسمينة من الجهة الغربية بينما كانت الطائرات المسيرة تراقب المكان من أعلى وبشكل مكثف.
وفي الأثناء كانت قوات خاصة أخرى تقتحم البلدة القديمة عبر حارة القريون في الجهة الجنوبية، لتتبعها قوات الاحتلال عبر آلياتها العسكرية باقتحام المدينة من عدة محاور وتحاصر معظم مداخل البلدة القديمة.
وأوضح الشهود أن جيش الاحتلال تنقل عبر أسطح المنازل واتخذ نقاطا عسكرية فيها للوصول إلى المقاومين الذين رفضوا الاستسلام واشتبكوا مع جيش الاحتلال ووحداته الخاصة، إذ أطلق جيش الاحتلال إضافة إلى الرصاص الحي القذائف الصاروخية فأدى ذلك إلى تدمير كبير بالمنزل المستهدف.
وأضاف الشهود أن جيش الاحتلال حاصر المواطنين داخل منازلهم أثناء تنفيذه للعملية، واستخدم تلك المنازل للوصول إلى مكان المقاومين وسط حالة من الترهيب والتهديد لتلك العائلات.
واستمرت العملية العسكرية نحو ساعتين، وانسحب جيش الاحتلال بعد أن قام بتصفية المقاومين، كما أكد في بيان له وصل الجزيرة نت، وقال فيه “بعد معلومات استخباراتية دقيقة تمت تصفية ناشطين من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) متهمين بتنفيذ عملية إطلاق النار قرب مفترق الحمرا قبل نحو شهر وقتل 3 مستوطنات إسرائيليات”.
وأضاف بيان الجيش الإسرائيلي أنه قتل برفقة الشهيدين قطناني والمصري الشاب إبراهيم جبر “المتهم” بمساعدة المقاومين على التخفي والاختباء بمنزله، كما استولى جيش الاحتلال على أسلحة في مكان العملية تعود للمقاومين.
ووصفت مصادر طبية عملية جيش الاحتلال وتصفية المقاومين “بالشرسة”، وأكدت أن أشلاء المقاومين تناثرت في المكان فوق الأرض وعلى الجدران، بينما أعلن جيش الاحتلال مقتل كلب بوليسي له في العملية.
وإلى مشفى رفيديا الحكومي نقلت جثامين الشهداء مع انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث انطلقت من هناك جنازة تشييع الشهداء الثلاثة إلى مقابر مدينة نابلس ومخيم عسكر شرقي المدينة حيث ينحدر الشهيدان قطناني والمصري.
ويقول ياسر مناع المتخصص الفلسطيني بالشأن الإسرائيلي إن عملية الجيش الإسرائيلي اليوم اعتمدت إجراء “طنجرة الضغط” وهو ما أصبح معروفا ومتبعا في عملياته العسكرية، إذ حاصر المقاومين بناء على “معلومات ذهبية” وصلت إليه وقام بتصفيتهم.
المقاوم العنيد
ولد حسن سليمان حسن قطناني (35 عاما) في مخيم عسكر للاجئين الفلسطينيين شرقي نابلس لأب كان موظفا في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وهو الشقيق الأوسط بين 10 أشقاء (4 ذكور و6 إناث)، حيث نشأ وترعرع في المخيم وتعلم في مدارسه، ولم يكمل حسن تعليمه الجامعي، إذ التحق للعمل الحر بأحد مصانع الإسفنج في المدينة، وتزوج قبل سنوات وأنجب طفليه محمد (4 سنوات) وصهيب (3 سنوات).
وعرف بحبه الشديد للمقاومة وبموقفه الصلب والعنيد تجاهها ورفضه لغير العمل المقاوم سبيلا أوحد للتحرر من الاحتلال، وهو ما عرَّضه للاعتقال 3 مرات ولنحو 3 سنوات.
ولعائلة مقاومة ولد حسن، فابن عمه الشهيد عثمان قطناني الذي اغتالته إسرائيل مع قادة حركة حماس الشيخين جمال سليم وجمال منصور عام 2001، كما نفذت قريبته الفتاة أشرقت قطناني عملية طعن ضد جنود الاحتلال عند حاجز حوارة جنوب نابلس قبل سنوات، وتعرض جميع أشقائه وأبناء عمومته للاعتقال لدى الاحتلال الإسرائيلي، وعلى الدوام تتعرض العائلة للاعتقال واقتحام منازلها.
حافظ القرآن ومعلمه
ولد معاذ سعد نبيه المصري (36 عاما) بمدينة نابلس ومن ثم انتقلت عائلته للعيش داخل مخيم عسكر شرقي المدينة، وهناك درس في المدارس الحكومية ومدارس وكالة الغوث وأنهى الثانوية العامة بتقدير جيد أهله للالتحاق بجامعة النجاح الوطنية وإنهاء البكالوريوس في تخصص التربية الرياضية.
ولأب يعمل موظفا في بلدية نابلس وأم معلمة، ولد معاذ المصري وهو الشقيق الثاني لـ5 أشقاء ذكور، واعتقله الاحتلال الإسرائيلي لعدة أشهر.
وبعيدا عن دراسته الجامعية، التحق المصري للعمل في شركة للأقمشة والمفروشات، ثم تزوج عام 2015، وحفظ القرآن الكريم وكان يعلّم الأطفال في مساجد المخيم.
ويقول ذوو الشهيدين -للجزيرة نت- إن حسن ومعاذ صديقان ورفاق درب ومقربان من بعضهما، فقد كانت نشأتهما معا في مسجد مصعب بن عمير بمخيم عسكر، وفيه تعلما وعلما القرآن الكريم وعلومه، وصارا يعلمانه للأجيال الشابة داخل المسجد.
وانتميا مبكرا لحماس، وهو ما عرضهما لاعتقالات واستدعاءات كثيرة تخللتها تحقيقات قاسية لدى أجهزة الأمن الفلسطينية.
ويؤكد ذووهما أن حسن ومعاذ طالما حدثا نفسيهما بالجهاد والمقاومة، وكانا مفعمين دوما بكل القيم الوطنية والجهادية، وأعدّا نفسيهما جيدا لهذه المواجهة، ومعا نفذ المقاومان عمليتهما الفدائية، وتخفيا عن الأنظار منذ تنفيذها بشكل أكد حسهما الأمني.
عملية الحمرا
وفي 7 أبريل/نيسان الماضي نفذ المقاومان حسن قطناني ومعاذ المصري عملية إطلاق نار ضد مركبة إسرائيلية تقل 3 مستوطنات (أم وابنتيها) في منطقة جسر الحمرا قرب قرية فروش بيت دجن في الأغوار الوسطى بالضفة الغربية، حيث اصطدم المقاومان بمركبتهن قبل أن يطلقا النار عليهن من بندقية “كلاشنكوف” تحمل كاتم صوت كما ذكر جيش الاحتلال الإسرائيلي حينئذ.
وتمكن المقاومان قطناني والمصري من الانسحاب من مكان العملية، ليكشف بعد 20 دقيقة أنه عمل فدائي وأن ما جرى ليس حادث سير كما ظن جيش الاحتلال بداية، وأنها عملية “معقدة” وقعت في منطقة عسكرية لجيش وتحيطها الحواجز والأبراج العسكرية والمستوطنات، ومراقبة بالكاميرات من كل النواحي.
وبصمت، بدأ جيش الاحتلال مطاردته للمقاومين قطناني والمصري، معتمدا على عمله الاستخباري، ولم يعلن أسماءهما رغم الوصول إلى المركبة والعثور عليها في مدينة نابلس بعد ساعات من العملية ونشر صورة لها والمقاومين بداخلها.