الخرطوم – في خطوة اعتبرها مراقبون مرحلة أولى لإنهاء المواجهات المسلحة المستمرة منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي، وقّع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع “إعلان جدة” لحماية المدنيين وتوصيل المساعدات الإنسانية لهم. لكنهم توقعوا تصاعد القتال بين الطرفين لحسم المعارك قبل التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، رغم أن الإعلان المقرر بدء تنفيذه فورا ترافقه هدنة إنسانية تستمر 10 أيام.

وكان لافتا أن ممثل الجيش اللواء محجوب بشرى تجنّب مصافحة ممثل الدعم السريع العميد عمر حمدان عقب توقيعهما على الإعلان، حيث صافحهما نائب وزير الخارجية السعودي، ووقف بينهما، وطلب من بشرى مصافحة حمدان لكنه امتنع عن ذلك، في خطوة أثارت سجالا في مواقع التواصل الاجتماعي.

 

 

ضغوط على الطرفين

وكشفت مصادر أفريقية كانت تراقب مفاوضات جدة، للجزيرة نت، أن وتيرة التفاوض بين الطرفين كانت بطيئة، وحاول كل طرف وضع شروط شبه تعجيزية ورفع سقف المطالب لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة، لكن وصول مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية مولي في لجدة أدى إلى تسريع خطوات التوقيع على الإعلان.

ومارست مولي في -حسب المصادر ذاتها- ضغوطا على الطرفين وتلميحات بتفعيل الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأميركي بفرض عقوبات على من يتحمل مسؤولية استمرار العنف ويعرقل التوصل إلى وقف الحرب.

وأضافت المصادر الأفريقية أن الإدارة الأميركية واجهت انتقادات من أعضاء في الكونغرس ومهتمين بملف السودان بسبب ما اعتبروه فشلاً في التعاطي مع أزمة السودان منذ أكتوبر/تشرين الأول 2021، عندما أقصى رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) شركاءهما من القوى المدنية واستوليا على السلطة، ثم عدم تقديرها وقوع الحرب بينهما من أجل العمل على تجنبها.

شروط غير مرتبطة بالعملية السياسة

وشمل “إعلان جدة” شروطا أبرزها أن الالتزام به لن يؤثر على أي وضع قانوني أو أمني أو سياسي للأطراف الموقعة عليه، كما أنه لن يرتبط بالانخراط في أي عملية سياسية.

ومن أبرز الالتزامات التي شملها الإعلان:

  • الامتناع عن أي هجوم من شأنه أن يتسبب في أضرار مدنية، واتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب وتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين وعدم استخدامهم دروعا بشرية.
  • ضمان عدم استخدام نقاط التفتيش في انتهاك مبدأ حرية تنقّل المدنيين والجهات الإنسانية.
  • حظر النهب والسلب والإتلاف، والالتزام بالإجلاء والامتناع عن الاستحواذ.
  • احترام وحماية كل المرافق الخاصة والعامة كالمرافق الطبية والمستشفيات ومنشآت المياه والكهرباء، والامتناع عن استخدامها للأغراض العسكرية.
  • اتخاذ جميع الإجراءات الممكنة لجمع الجرحى والمرضى وإجلائهم، بمن فيهم المقاتلون، دون تمييز. والسماح للمنظمات الإنسانية بالقيام بذلك.

تعرف على تفاصيل اتفاق "إعلان جدة" بين الجيش السوداني والدعم السريع

اختبار للدعم السريع

ويرى عضو في وفد الحكومة إلى مفاوضات جدة أن نحو 80% من إعلان حماية المدنيين عبارة عن مبادئ وأحكام في القانون الدولي الإنساني والخاصة بقواعد الاشتباك في أوقات الحروب، وأن “الجيش ملتزم بها ويدركها لأن ضباطه يدرسونها في الكليات والدورات، وأكدت المواجهات الجارية حاليا ذلك ولم تحدث أي تجاوزات تذكر”.

وفي حديث مع الجزيرة نت، اعتبر المصدر الحكومي “إعلان جدة” امتحانا حقيقيا لقوات الدعم السريع، التي قال إنها “اعترفت ضمنا بالاحتماء بالمؤسسات المدنية والانتشار وسط الأحياء السكنية والاستيلاء على المستشفيات والمرافق الصحية، وأن خروجها منها يعني استسلامها لأنها بلا قواعد حول الخرطوم ولا تسيطر على مواقع عسكرية”.

ويضيف عضو الوفد الحكومي أنهم “لم يتراجعوا عن توصيفهم القانوني لقوات الدعم السريع بأنها مليشيا متمردة يجب تجريدها من السلاح، ولن يكون لها أي دور في العملية السياسية، وتم تثبيت ذلك في الإعلان بصورة واضحة”، لافتا إلى أن تنفيذ الإعلان “ستتم مراقبته عبر الأقمار الصناعية والرصد الميداني والتقارير التي ترد عبر الإنترنت”، وشكك في قدرة “المتمردين” على تنفيذه “لعملهم في مجموعات معزولة بسبب انقطاع التواصل وضعف السيطرة”.

إلزام الجيش

وفي المقابل، ترى مصادر في الدعم السريع كانت قريبة من المفاوضات أن “إعلان جدة” شمل “إدانة ضمنية لقوات الجيش باستخدام القوة المفرطة والقصف العشوائي لمنازل المواطنين بالطيران، مما أدى إلى تدمير عشرات منها”.

وفي حديث مع الجزيرة نت، توضح المصادر ذاتها أن قوات الجيش “كانت تنتهك القانون الإنساني بمنع إخلاء الجرحى وعلاج المصابين من قوات الدعم السريع، ولا تراعي وضع المدنيين خلال الاشتباكات”. وقالت إن “الإعلان سيحجم استخدام الطيران والأسلحة الثقيلة التي تحدث أضرارا في البنية المدنية، وإنهم ملتزمون بكل ما ورد فيه”.

اتفاق فرضه الواقع

ويعتقد خبير إدارة الأزمات والتفاوض بمركز البحوث الإستراتيجية الدكتور أمين إسماعيل أن “إعلان جدة” فرضته ضغوط الوسطاء وخاصة من الولايات المتحدة، إلى جانب الواقع العسكري على الأرض.

وفي حديثه للجزيرة نت، قال إسماعيل إن جانبا من الإعلان يخص قوات الدعم السريع، يحث على سحب القوات العسكرية والأمنية من المستشفيات والمرافق المدنية ومنازل المواطنين وعدم استخدامهم دروعا بشرية، وعدم استخدام نقاط التفتيش في انتهاك مبدأ حرية تنقل المدنيين والجهات الإنسانية.

ويضيف أن توقيع الإعلان يشير إلى رغبة طرفي النزاع في التوصل لاتفاق يوقف الحرب، “ولكن قوات الدعم السريع ستواجه مصاعب في تنفيذ الهدنة والالتزامات التي شملها الإعلان بسبب انهيار منظومة القيادة والسيطرة”. ويرى أن آلية الرقابة ستكون رادعا لأي طرف ينتهك الاتفاق.

أما الخبير العسكري فضل الله العبادي، فانتقد قبول الجيش أن يكون في مقابل قوات كانت تابعة له وتمرّدت عليه، على الرغم من أن إعلان جدة كفل له القيادة ضمنا بتصنيفه القانوني والأمني لقوات الدعم السريع.

وحقق الإعلان للدعم السريع -وفقا للعبادي- نقاطا يمكنه الاستفادة منها في تحييد القوة الجوية للجيش التي حققت له التفوق العسكري، وضمان علاج جرحاه وإمكانية نقل بعض قياداته إلى خارج البلاد تحت ذريعة العلاج عبر المنظمات الإنسانية.

واعتبر الاتفاق مكسبا للمدنيين، وأتاح لهم الانسحاب من مواقع اشتباكات طرفي الحرب والعودة إلى منازلهم المحتلة، ولكنه صمت عن المواقع التي ستذهب إليها قوات الدعم السريع التي ستخلي المنازل والمرافق المدنية والمستشفيات، ورجح أن يكون هذا الأمر موضع خلاف، لذا سكت عنه الإعلان إلى حين حسمه في اتفاق وقف إطلاق النار لاحقا.

ويضيف العبادي للجزيرة نت أن مغادرة الدعم السريع للأعيان المدنية يمنح الجيش زيادة في الانتشار والسيطرة لأنه لم تفقد أي منطقة عسكرية، لافتا إلى أن الإعلان تمت صياغته بطريقة لا غالب ولا خاسر.

شاركها.
Exit mobile version