القدس المحتلة- عادت قضية تسريب الوثائق السرية من وحدة الاستخبارات العسكرية “أمان” للتفاعل مجددا بإسرائيل، وذلك بعد أن سمحت محكمة الصلح برفع حظر النشر عن جزء كبير من التسريبات التي يقف وراءها إيلي فيلدشتاين، وهو المتحدث باسم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وأثارت قضية سرقة الوثائق السرية من الجيش الإسرائيلي ونقلها إلى مكتب نتنياهو ومن ثم تسريبها لوسائل إعلام أجنبية جدلا واسعا بإسرائيل، بعد أن تكشف أن الهدف من سرقة الوثائق والتلاعب بمضمونها وتسريبها، هو التأثير على الرأي العام الإسرائيلي لرفض قبول صفقة تبادل، وخلق أجواء مناهضة لحركة الاحتجاج ضد حكومة نتنياهو، بزعم أن الاحتجاجات تعزز قوة وموقف حركة حماس.

وبحسب المعلومات التي سمحت المحكمة بنشرها، فقد حولت وثائق سرية في أبريل/نيسان الماضي من ضابط احتياط في الاستخبارات العسكرية إلى المتحدث باسم نتنياهو، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وسعى فيلدشتاين في سبتمبر/أيلول إلى نشر محتوى الوثيقة عبر وسائل إعلام إسرائيلية، بهدف التأثير سلبا على الرأي العام الإسرائيلي بشأن المفاوضات المتعلقة بصفقة تبادل وإعادة الأسرى.

عاجل | القناة 12 الإسرائيلية: القضاء الإسرائيلي يرفع حظر النشر في قضية تسريبات مكتب نتنياهو

سري للغاية

وبعد رفض وسائل إعلام إسرائيلية نشر الوثائق السرية استجابة للمنع الذي فرضته الرقابة العسكرية، توجه فيلدشتاين إلى وسائل الإعلام الأجنبية بمساعدة شخص آخر، حيث نشرتها هذه الوسائل، وبعدما أثار التسريب شكوكا حول مصداقية الوثائق التي تم التلاعب بمضمونها، أقدم فيلدشتاين على طلب نسخة أصلية من الضابط بوحدة الاستخبارات ليثبت صحتها.

ورغم منع النشر من قبل الرقابة العسكرية، واصل الضابط عملية التسريب، وسلم الوثيقة الأصلية للمتحدث باسم نتنياهو، كما سلمه نسخا أخرى من وثائق ومستندات صنفتها الاستخبارات العسكرية “سرية للغاية”، حيث سرقت هذه الوثائق من وحدة التنصت الإلكتروني 8200 في الاستخبارات العسكرية، بينما يواصل جهاز الأمن العام “الشاباك” التحقيق في ملابسات سرقة المستندات وتسريب المعلومات.

وقال المحقق في القضية خلال جلسة المحكمة لتمديد اعتقال المشتبه بهم إنه “لا خلاف على أن نقل المواد والمعلومات السرية كان لصالح مكتب رئيس الوزراء”، علما أن “الشاباك” اعتقل 5 أشخاص بشبهة ضلوعهم بالتسريب، وتتحضر النيابة العامة الإسرائيلية لتقديم لوائح اتهام ضدهم.

ووفقا لما ورد في مداولات تمديد الاعتقال، فإن فيلدشتاين طلب من ضابط الاستخبارات معلومات سرية لصالح “مواد تكميلية” لخطاب رئيس الوزراء، حيث قدم فيلدشتاين نفسه على أنه مقرب جدا من نتنياهو وأنه يحمل “تصنيفا أمنيا”، ولتوضيح ذلك، قدم أيضا مسودة من خطاب مزمع لنتنياهو.

شبكة عملاء

يقول المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل “إن محاولات وسائل الإعلام اليمينية تقزيم فضيحة تسريب الوثائق السرية مآلها الفشل”، ويضيف إن رفع معظم أوامر حظر النشر في قضية اعتقال فيلدشتاين وضباط وجنود من وحدة الاستخبارات العسكرية، يكشف أن التسريب يندرج ضمن الحملة للتأثير على الرأي العام الإسرائيلي، وهي الحملة التي جهز لها بالبيئة المحيطة لنتنياهو”.

ولفت المحلل العسكري إلى أن ما سمح بنشره في ملف التحقيق يظهر أن المتحدث باسم نتنياهو -الذي حاول مكتب رئيس الوزراء التنصل من علاقته به في بداية الفضيحة- كان يدير من خلال منصبه شبكة من العملاء، الذين مرروا له خلال الحرب وثائق ومعلومات سرية من وحدة الاستخبارات العسكرية.

وأظهرت المعلومات المتراكمة من ملف التحقيق -بحسب ما أفاد هرئيل- أن الوثائق التي سرقت من وحدة الاستخبارات بالجيش الإسرائيلي حولت على ما يبدو إلى نتنياهو وفريقه الذين اطلعوا عليها، ومن ثم سرّبها فيلدشتاين إلى وسائل الإعلام الأجنبية بمساعدة شريك واحد آخر على الأقل، متجاوزا الرقابة العسكرية.

“لا شيء من هذا يصل إلى نتنياهو نفسه في هذه المرحلة” يقول المحلل العسكري، ويضيف أنه طوال أكثر من 13 شهرا من الحرب، لم يكتف رئيس الوزراء بالبقاء في السلطة وبمنع تشكيل لجنة تحقيق في إخفاقات السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 فقط، بل نجح في تحويل قضية المختطفين إلى قضية سياسية تقسم الجمهور وتعمق الشرخ بالمجتمع الإسرائيلي”.

خدمة المصالح

القراءات ذاتها، استعرضها المحلل السياسي في صحيفة “معاريف” بن كسبيت، الذي بدا أكثر انتقادا لنتنياهو، وحمله المسؤولية الكاملة في فضيحة تسريب الوثائق السرية واتهمه بالوقوف وراءها، وذلك من أجل خدمة مصالحه الشخصية والسياسية بالامتناع عن إبرام صفقة تبادل، لتجنب تفكك ائتلاف حكومته والاستمرار بالحرب بلا نهاية، لضمان البقاء على كرسي رئاسة الوزراء.

وعزز المحلل السياسي موقفه من خلال الرواية التي يتم الترويج لها من قبل معسكر اليمين الداعم لنتنياهو، وهي أنهم “أخفوا عن رئيس الوزراء مواد سرية مهمة، وهو لم يكن على دراية بالأمر”، مشيرا إلى أن هذه الرواية تهدف إلى إبعاد نتنياهو عن قضية سرقة المواد السرية من الجيش الإسرائيلي وتسريبها إلى وسائل الإعلام الأجنبية مع تجاوز الرقابة العسكرية.

ووصف بن كسبيت محاولة تنصل نتنياهو من فضيحة تسريب الوثائق السرية والتلاعب بمضمونها بـ”الاستخفاف بالعقول”، مشيرا إلى أن الوثائق وصلت إلى يدي فيلدشتاين في أبريل/نيسان الماضي، لكنها لم تستخدم إلا بعد 31 أغسطس/آب، عندما قتل 6 من المحتجزين في غزة واندلعت على إثر ذلك احتجاجات واسعة بإسرائيل، عندها تقرر تسريبها بهدف “إقناع الجمهور الواسع بمعارضة المظاهرات المطالبة بإعادة المحتجزين”.

عملية احتيال

كما وصف الكاتب الإسرائيلي آفي يسخاروف قضية تسريب الوثائق بـ”الخطيرة من الناحية الأمنية والأخلاقية”، كونها تسببت بأضرار جسيمة بالمصادر الاستخباراتية للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وتهدف إلى ابتزاز الإسرائيليين الذين خرجوا إلى الشوارع للمطالبة بالإفراج عن المحتجزين بيد حركة حماس.

وأشار في مقال له بصحيفة “يديعوت أحرونوت” إلى أن الأخطر في فضيحة التسريبات التي تعتبر الأولى من نوعها في تاريخ إسرائيل “أن من يقف وراءها مسؤول في مكتب رئيس الوزراء، الذي كانت مهمته إدارة العلاقة مع المراسلين العسكريين”.

ولفت إلى أن المشتبه به الرئيس -وهو المتحدث باسم نتنياهو- استغل منصبه من أجل تسريب الوثائق السرية التي اختارها بعناية وتلاعب بمضمونها، بقصد إضعاف موقف عائلات المحتجزين، وتأليب الرأي العام الإسرائيلي ضد الاحتجاجات المطالبة بإبرام صفقة تبادل، وذلك لضمان استقرار ائتلاف حكومة نتنياهو.

وقال يسخاروف “هذه عملية احتيال غير مسبوقة، وحتى الآن من الصعب تصديق أن شخصا ما نيابة عن رئيس الوزراء يشارك في مثل هذه الحملة في ذروة الحرب، ولماذا؟ بسبب الخوف من نهاية الحرب، والاتفاق على إطلاق سراح المختطفين ووقف مؤقت أو طويل المدى لإطلاق النار، وهو ما سيؤدي ربما إلى حل الحكومة”.

وأوضح الكاتب الإسرائيلي أن نتنياهو ورجاله يراهنون على الذاكرة القصيرة للجمهور الإسرائيلي، الذي كاد ينسى من كان على رئاسة الحكومة عندما سجل أسوأ فشل استخباراتي في تاريخ إسرائيل، قائلا إن “رئيس الوزراء يحاول تصفية خصومه وكل ما يربطه بإخفاق أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، والسؤال هو ما إذا كان الجمهور في إسرائيل سيسمح له بمواصلة ذلك”.

شاركها.
Exit mobile version