بيت لحم- حزمت 6 عائلات فلسطينية حقائبها مهاجرة من منطقة سكنها في شعب تيما جنوب شرق مدينة بيت لحم، وذلك بعد أن ضاقت ذرعا بجرائم المستوطنين التي فاقت قدرتها على التحمل والصبر.

قلعة أخرى من قلاع الصمود في البادية الفلسطينية شرق عرب الرشايدة تنهار وسط صمت دولي وتجاهل من المؤسسات المحلية والحقوقية، وذلك بعد أن تحمّل المواطن الفلسطيني نصار محمد سالم الرشايدة وأبناؤه إلى الحد الأقصى مختلف أشكال الاعتداء والتنكيل منذ أكثر من عامين.

ويقع “شعب تيما” على بعد نحو 3 كيلومترات شرق بلدة عرب الرشايدة، على بعد نحو 20 كيلومترا جنوب شرق مدينة بيت لحم جنوبي الضفة الغربية.

في حديثه للجزيرة نت، قال الرشايدة إنه وعائلات أبنائه عانوا كثيرا بسبب اعتداءات المستوطنين المتكررة عليهم، والتي بلغت حد التهجير القسري من بيوتهم، من دون أن توفر أي جهة فلسطينية أو دولية بديلا للمهجرين من نساء وأطفال.

يوضح الرشايدة أن اعتداءات المستوطنين بدأت بالمضايقات قبل حرب الإبادة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكنها أخذت منحى تصاعديا مع بدء الحرب بما في ذلك مهاجمة المنازل ليلا وإلقاء النفايات بينها لاستفزاز سكانها.

لا خيار

تصاعدت الاعتداءات في الشهور الأخيرة إذ أطلق مستوطنون كلابهم على السكان، ورشوقهم بالحجارة، وحطموا زجاج البيوت، وزجّوا بأغنامهم بينها، واعتدوا على السكان بالضرب، وحاولوا سرقة الأغنام، كما يضيف المواطن الفلسطيني.

وأوضح من مكان سكنه الجديد، على بعد نحو ألفي متر من منزله ومنازل أبنائه المهجورة منذ أيام، أن المستوطنين أحرقوا منزل أحد أبنائه، وضاعفوا الاعتداءات.

وأشار إلى أن 28 نفرا، بينهم 12 طفلا، هم تعداد أفراد 6 عائلات فيهم أفراد عائلته وعائلات أبنائه الذين اضطروا إلى الهجرة من بيوتهم التي بنوها على أرض ذات ملكية خاصة، لكن المستوطنين أرغموهم على الهجرة.

وأضاف أن المستوطنين صعّدوا اعتداءاتهم في شعب تيما، بعد أن أجبروا سكان جميع التجمعات المحيطة على الهجرة، “فلم يكن أمامنا من خيار، بعد أن فشلت كل مناشداتنا للجهات الحكومية والدولية، وبعد أن تجاهلت الشرطة الإسرائيلية كل الشكاوى التي تقدمنا بها ضد المستوطنين”.

وأشار الرشايدة إلى أن المستوطنين لم يكتفوا بترحيله وعائلات أبنائه، بل شارك نحو 40 مستوطنا في الهجوم على المنازل بعد مغادرتها وسرقوا كل ما يمكن حمله، بما في ذلك أسقف المنازل وخلايا الطاقة الشمسية.

وناشد المواطن الفلسطيني المنظمات الحقوقية سرعة التدخل لإعادته وعائلات أبنائه إلى منازلهم وتوفير الحماية لهم ووضع حد لأطماع المستوطنين وهجماتهم.

فلسطين-بيت لحم-عرب الرشايدة-شعب تيما-مساكن فلسطينية أجبر أصحابها على الهجرة ثم قام المستوطنون بتخريبها وتفكيك أسقفها ومصادرتها –أغسطس – 2025 (الجزيرة نت)

صمت تام

من جهتها، قالت منظمة “البيدر للدفاع عن حقوق البدو”، في بيان وصل إلى الجزيرة نت نسخة منه، إن المستوطنين الإسرائيليين ارتكبوا خلال الأسبوع الماضي اعتداء واسعا وممنهجا في منطقة شعب تيما “وسط صمت تام من قوات الاحتلال التي لم تتدخل لوقف هذه الجرائم أو حماية المدنيين”.

وأضافت -استنادا إلى شهادات موثوقة من سكان المنطقة وشهود عيان- أن الهجوم على الأهالي تضمن إحراق منزل المواطن أحمد نصار محمد الرشايدة بالكامل، مما أجبر العائلة على الفرار إلى منطقة أخرى في ظروف إنسانية صعبة جدا “من دون أي دعم أو حماية”.

ونوهت المنظمة إلى أن هذا الاعتداء يأتي ضمن سلسلة متواصلة من الهجمات الممنهجة التي تستهدف التجمعات السكانية الفلسطينية في المناطق المصنفة “ج” من الضفة الغربية والتي تشكل نحو 60% من الضفة وتخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة “حيث يسعى الاحتلال إلى تهجير السكان وتهويد الأرض”.

وأشارت المنظمة الفلسطينية إلى أن التواطؤ الرسمي الإسرائيلي مع المستوطنين يؤكد سياسات الاحتلال الاستعمارية الهادفة إلى تغيير التركيبة الديمغرافية للأراضي الفلسطينية المحتلة.

وطالبت “المجتمع الدولي ومؤسسات حقوق الإنسان بضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة وحاسمة لإيقاف هذه الانتهاكات المتصاعدة (…) وتوفير حماية دولية ملموسة وسريعة للسكان الفلسطينيين المعرضين للخطر”.

من جهته، قال المشرف العام على المنظمة حسن مليحات، للجزيرة نت، إن منظمته وثقت في السنوات الأخيرة تهجير 64 تجمعا بدويا فلسطينيا يبلغ عدد سكانها نحو 9 آلاف نسمة، من أصل 212 تجمعا منتشرة في مناطق متفرقة من الضفة الغربية بسبب هجمات المستوطنين في السنوات الأخيرة.

466 اعتداء في تموز

وقالت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية في تقرير يرصد انتهاكات شهر يوليو/تموز الماضي إنها رصدت 466 اعتداء نفذها مستوطنون في الضفة الغربية “تباينت بين هجمات مسلحة وإعدامات ميدانية وتخريب وتجريف أراض واقتلاع أشجار والاستيلاء على ممتلكات وإغلاقات وحواجز تقطع أواصر الجغرافيا الفلسطينية”.

وأضافت أن تلك الاعتداءات أدت إلى “استشهاد 4 مواطنين وترحيل قسري لتجمعين بدويين في أريحا وبيت لحم هما تجمعا عرب المليحات ودير علا، بواقع 50 عائلة فلسطينية تتكون من 267 مواطنا”.

وأشارت إلى مواصلة “مسلسل فرض البيئة القهرية الطاردة التي تتم برعاية ممنهجة من قبل المؤسسة الرسمية في دولة الاحتلال”.

وتحدث التقرير الشهري عن قيام المستوطنين باقتلاع وتخريب وتسميم 2844 شجرة منها 2647 من أشجار الزيتون، ومحاولتهم إقامة 18 بؤرة استيطانية جديدة “غلب عليها الطابع الزراعي والرعوي”.

التهجير الأوسع منذ 1967

ووفق تقرير لمنظمة بتسليم الحقوقية الإسرائيلية نشرته في منتصف يوليو/تموز الماضي، فقد أدت الهجمات العسكرية وعنف المستوطنين والجيش في الضفة الغربية إلى تهجير سكان “على نطاق لم يسبق له مثيل منذ احتلال الضفة في عام 1967”.

وأوضحت أنه منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 حتى يونيو/حزيران 2025 “تمّ تهجير عشرات التجمعات الفلسطينية بالقوة ويبلغ عدد سكانها أكثر من ألفي شخص، من مواقع إقامتها في مناطق “ج” في الضفة الغربية نتيجة للعنف”.

وأضافت أن “آلاف الأشخاص الآخرين، الذين يعيشون في عشرات التجمعات السكانية الفلسطينية، مُهدّدون بخطر تهجير حقيقي نتيجة لهجمات المستوطنين اليومية”.

وقالت إن العنف الذي أصبح روتينا يوميا مرعبا لسكان التجمعات يشمل “اعتداءات جسدية خطرة على السكان، واقتحامات المستوطنين للتجمعات ومنازل السكان نهارا وليلا، وإشعال حرائق، وطرد الرعاة الفلسطينيين من مناطق الرعي والمزارعين من حقولهم، وقتل المواشي وسرقتها، وإتلاف المحاصيل، وسرقة المعدات والممتلكات الشخصية وإغلاق الطرق”.

شاركها.
Exit mobile version