بلفاست- متحدثا عن تجربته كونه أحد مقاتلي حركة الجيش الجمهوري الأيرلندي، التي أدت إلى سجنه 18 عاما بعد الهجوم على وحدة تابعة للجيش البريطاني، أجرت الجزيرة نت حوارا خاصا مع كل من بات شيهان، السياسي الأيرلندي البارز والمتحدث الحالي لحزب “شين فين” باسم قضايا الصحة والتعليم، وداني موريسون أمين عام مؤسسة “بوبي ساندز”.
يقول شيهان “نعتقد أن من مسؤوليتنا أن نشارك هذا التراث في بناء السلام مع آخرين يناضلون من أجل حقوقهم، وهذا لا يعني أننا قادرون على تطبيق عملية السلام الأيرلندية في مناطق أخرى مثل الشرق الأوسط، لكن هناك مبادئ عالمية نعتقد أنها قابلة للتطبيق”.
شارك شيهان في عدة عمليات مسلحة ضد الجيش البريطاني في عمرالـ19، وفي عام 1981، انضم إلى 16 سجينا آخرين، بينهم أيقونة النضال الأيرلندي بوبي ساندز، وخاضوا إضرابا عن الطعام احتجاجا على الظروف القاسية في السجون البريطانية، وسعيا للضغط من أجل محاكمتهم بوصفهم سجناء سياسيين، لا بوصفهم إرهابيين.
وأسفر هذا الإضراب عن وفاة 9 سجناء، بينهم ساندز، بينما استطاع شيهان وآخرون البقاء على قيد الحياة، ولاحقا، ساهمت اتفاقية “الجمعة العظيمة” في إحلال السلام ووقف العمليات العسكرية ضد بريطانيا، بالإضافة إلى الإفراج عن السجناء واعتبارهم سجناء سياسيين.
جذور المقاومة الأيرلندية
يقول موريسون، وهو المسؤول عن توثيق تفاصيل حياة المناضل ساندز، إنه بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، أجريت انتخابات عامة في أيرلندا غير المقسمة عام 1918، حقق فيها حزب “شين فين” فوزا كاسحا، معلنا الولاء للجمهورية التي أعلنها قادة ثورة عام 1916.
حينها جاء الرد البريطاني عنيفا، إذ تم اعتقال وإعدام بعض الممثلين المنتخبين، مما أدى إلى اندلاع حرب عصابات بين الجيش الجمهوري الأيرلندي والقوات البريطانية، استمرت من عام 1919 حتى عام 1921.
انتهى الصراع بمعاهدة 1921، التي أسفرت عن تقسيم أيرلندا إلى دولة حرة في الجنوب تحت التاج البريطاني، وأيرلندا الشمالية التي بقيت خاضعة للحكم البريطاني، لكن هذا التقسيم لم ينهِ التوترات، إذ واجه القوميون الكاثوليك في الشمال تمييزا واضطهادا على يد السلطات البريطانية والاتحاديين الموالين لها، مما أدى إلى اندلاع نزاع دموي استمر لـ3 عقود.
ويوضح موريسون أن توقيع المعاهدة تسبب في الوقت ذاته بانقسام الحركة الجمهورية، حيث اندلعت حرب أهلية بين أنصار المعاهدة ومعارضيها، انتهت بانتصار مؤيديها، مما عزز سلطة حكومة معارضة لإعادة توحيد الجزيرة، وعلى الرغم من إعلان جمهورية أيرلندا لاحقا، ظل حزب “شين فين” محظورا لسنوات طويلة، وتعرض أعضاؤه للاعتقال دون محاكمة بموجب قوانين الطوارئ.
ويضيف شيهان عن نهاية الصراع المسلح “كانت لدينا فرصة للاستفادة من دعم بعض الحركات الأخرى، مثل المؤتمر الوطني الأفريقي في جنوب أفريقيا، الذين قدموا لنا خبراتهم في عملية بناء السلام، شمل ذلك التفاوض والتخطيط الإستراتيجي، وقد كان لذلك أثر كبير في تصورنا حول ضرورة مشاركة تجربتنا مع شعوب أخرى تمر بالمعاناة نفسها.
![](https://jeddahdays.com/wp-content/uploads/2025/02/2NS-IRELAND-1734819347.jpg)
تشابه القمع
أكد موريسون أن النهج الذي اتبعته بريطانيا في قمع الحركة الجمهورية الأيرلندية، لا سيما عبر الاعتقالات الإدارية دون محاكمة، تحول لاحقا إلى نموذج تبنّته إسرائيل في تعاملها مع الفلسطينيين.
ويقول “كما كان يتم اعتقال أعضاء شين فين والنشطاء الجمهوريين من دون تهم واضحة، يعاني الفلسطينيون اليوم من الاعتقالات الإدارية، إذ يُحتجزون لمدد غير محددة من دون توجيه لائحة اتهام رسمية”.
ويعكس هذا التشابه في الأساليب القمعية -حسب موريسون- استمرارية النهج الاستعماري في مواجهة الحركات التحررية، وهو ما يدفع كثيرا من الأيرلنديين، إلى تبني موقف داعم للقضية الفلسطينية.
ومن جهته أيضا، لم يخف شيهان تأثره العميق بمعاناة الشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت الاحتلال الإسرائيلي، وقال “عندما أتحدث عن الفلسطينيين، أشعر بأنهم يعيشون تجربة مشابهة لأيرلندا، خاصة في ما يتعلق بالصراع ضد الاحتلال العسكري، حيث تعرضنا للتهجير القسري والقتل والاعتقال التعسفي، وصمدنا”.
وأكد شيهان أنه من خلال التضامن الدولي يمكن تحقيق تقدم ملموس في القضية الفلسطينية، وأوضح: “لقد تعلمنا كثيرا من تجربتنا في أيرلندا، خاصة من مسار المفاوضات التي أعقبت حربا طويلة؛ السلام في أيرلندا لم يأتِ بسهولة”.
![](https://jeddahdays.com/wp-content/uploads/2025/02/12258565-1716880125.jpg)
تبادل الخبرات
وفي معرض حديثه، أشار شيهان إلى لقاءاته مع قيادات المقاومة الفلسطينية قائلا: “كان لدينا تاريخ مشابه للتاريخ الفلسطيني في بعض الجوانب، إذ واجهتنا انقسامات داخل حركتنا نفسها، وهو ما دفعنا للتركيز على ضرورة الحفاظ على الوحدة الداخلية في أثناء الانتقال من النضال المسلح إلى السلمي”.
وأشار إلى أنه “كما كانت الوحدة الداخلية ضرورية للنضال الأيرلندي، فإنها تعد عنصرا أساسيا في النضال الفلسطيني، وإن شين فين يعتقد أن الوحدة الفلسطينية هي المفتاح لتحقق أهداف الشعب الفلسطيني”.
وفي إطار تبادل الخبرات مع حركات التحرر الأخرى، ذكر شيهان أنه كانت هناك لقاءات مهمة مع قيادة حركة حماس، “فلقد تواصلت مع شخصيات بارزة مثل خالد مشعل وإسماعيل هنية خلال فترة عملي ممثلا لحزب شين فين في الشرق الأوسط”.
وشدد شيهان على أهمية فتح قنوات تواصل بين مختلف الفصائل الفلسطينية، مؤكدا أن التعددية السياسية أمر طبيعي في أي حركة وطنية، “ولكن يجب أن تتضافر الجهود من أجل مواجهة التحديات المشتركة، بدون هذا التنسيق، سنظل نواجه عقبات في الوصول إلى أهدافنا”، حسب قوله.
ولتوضيح ذلك، أوضح شيهان إنه في تجربتهم لتخطي الخلافات، أجمعت الحركة قبيل اتفاق “الجمعة العظيمة” على عدد محدود من المطالب العامة، التي لا يختلف عليها مؤيدو الحركة أو معارضوها من غير المنخرطين في الكفاح، وهو ما ساهم بشكل واسع في انضمام قطاعات شعبية عريضة لدعم المطالب والدفع للاتفاق.
وأكد شيهان أن الانخراط مع جميع الأطراف المعنية كان أحد الدروس الرئيسة التي يمكن استخلاصها من تجربة أيرلندا، موضحا أن “التواصل مع الجهات من القوى السياسية إلى المجموعات المحلية كافة كان مهما في بناء الثقة بين الأطراف المختلفة، والشيء نفسه يجب أن يحدث في فلسطين؛ حوار شامل يمكن أن يساهم في إيجاد حلول قابلة للتطبيق”.
وعن عملية السلام الأيرلندية، أشار شيهان إلى أنه رغم خصوصية الحالة، فإن “التفاوض وتقديم تنازلات مؤلمة في سبيل السلام كان له تأثير إيجابي في تحقيق تقدم نحو إنهاء الصراع، إذ إن الحلول التي تم التوصل إليها في اتفاقية الجمعة العظيمة كانت تتطلب تنازلات من جميع الأطراف، وقد تكون هذه التجربة قابلة للتطبيق في حالة الفلسطينيين، حيث ينبغي أن يكون هناك تفاوض حقيقي وجاد لتحقيق سلام شامل”.