جاء في مقال نشرته صحيفة، فايننشال تايمز، إن استجابة أوروبا لتصاعد التهديدات الجيوسياسية لا تزال مجزأة، والأخبار تتجه إلى الحديث عن أوروبا مستقلة عن الولايات المتحدة، لكنّ الواقع مختلف إذ تعيق الانقسامات المالية والسياسية الوحدة العسكرية الحقيقية.
وأشار الكاتب والمعلّق في السياسة الدولية جنان غانيش، إلى أن مستوى الإنفاق الدفاعي يختلف بشكل حاد في القارة، حيث تنفق الدول الشمالية والشرقية أكثر، مقارنةً بنظيرتها الجنوبية، وليس هناك اتفاق على كيفية نشر القوى الأوروبية.
أوروبا دون أميركا
وفي هذا الصدد شكك الكاتب بادعاءات، أن انفصال الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الاتحاد الأوروبي يعزز الوحدة الأوروبية، وأكد أنه من دون دعم شعبي صريح أو إستراتيجية عسكرية منسقة، فإن أوروبا لا تشهد صحوة تاريخية بل لا تزال في سباتها.
وذكر، أنه من المرجح أن يؤدي انفصال أوروبا عن حليفتها أميركا إلى ترسيخ الانقسامات الموجودة بين دول شمال القارة وجنوبها، وذكر مثالَ رفض رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إرسال قوات عسكرية إلى أوكرانيا بالرغم من أنها تدعمها.
وأشار غانيش إلى التفاوت في الالتزامات العسكرية داخل أوروبا، إذ إن دول البلطيق وبولندا تنفق بسخاء على الدفاع، في حين أن الدول الكبرى في الجنوب تقدم مساهمات محدودة رغم تعدادها السكاني الكبير.
وحذر من أنه حتى لو زادت ألمانيا إنفاقها الدفاعي كالمتوقع، فإن القدرة العسكرية الأوروبية ستظل ضعيفة خارج إطار حزب شمال الأطلسي (الناتو) ما لم يكن هناك انخراط فعلي من دول الجنوب.
تحديات
ولفت غانيش إلى أن التفاؤل الذي ساد المملكة المتحدة بعد تغير قيادتها عام 2024 سرعان ما تلاشى، إذ إنه كان من المتوقع، أن تعمل حكومة حزب العمال على استقرار الاقتصاد وتعزيز الإنفاق، ولكن الناتج البريطاني انكمش حتى قبل أن تدخل الزيادات الضريبية حيز التنفيذ.
وفي رأي الكاتب، فإن أوروبا تعاني مما تعانيه المملكة المتحدة، بما في ذلك تباطؤ النمو، وإيرادات مالية ضعيفة، وتمويل دفاعي غير كاف، ولاحظ مفارقة، أن بريطانيا أصبحت تأخذ الدفاع الأوروبي بجدية أكبر من بعض دول الاتحاد الأوروبي بعد خروجها من الاتحاد.
وقال غانيش، إنه لا عيب في البحث عن الأمل في ظل الأزمة الحالية -حتى لو كان أملا زائفا- ولكنه يرى أن هناك فرقا كبيرا بين التفاؤل وبين الاستسلام لأوهام لا أساس لها وهي تنكر الواقع، وتكمن الأوهام في أوروبا في الحديث عن توحيد أوروبا كنتيجة غير مقصودة لسياسات ترامب.
وأشار الكاتب إلى أنه من غير الواضح مدى استعداد المواطنين الأوروبيين للتضحية من أجل إعادة التسلح، كما أن أوروبا لم تقرر بعد من سيحمل السلاح فيها وإلى أين.
وخلص الكاتب إلى أن وصف أوروبا بالعملاق “الذي يستيقظ من سبات طويل” سيظل غير دقيق ما لم تحل هذه المشكلات، وتتوقف أوروبا “عن تجاهل المنبه” وتستيقظ تماما.