يعني تراجع النفوذ الأميركي في أفريقيا أن إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب ستضطر إلى التعامل مع النقاط العمياء في فهمها لقارة سريعة التغير تتحالف بشكل متزايد مع الصين وروسيا ويهددها انتشار الجماعات الجهادية وحركات التمرد.

وتظهر المقابلات مع 8 مسؤولين حاليين وسابقين إلى جانب مراجعة تقارير هيئات الرقابة الحكومية الأميركية أن ندرة الموظفين والموارد في عهد الرئيس جو بايدن في السفارات في أفريقيا قوضت الجهود المبذولة لتنفيذ أهداف واشنطن.

وقد واجهت الولايات المتحدة انتكاسات دبلوماسية على مدى السنوات الأربع الماضية، بما في ذلك خسارة قاعدة التجسس الأميركية الرئيسية في النيجر والفشل في التفاوض على صفقة مع أي حليف لإعادة التموضع في القارة.

وهي الآن عالقة دون موطئ قدم بين المجالس العسكرية المدعومة من روسيا في منطقة الساحل، في الوقت الذي أصبحت فيه المنطقة مضطربة وتنتشر فيها الجماعات المسلحة.

التفوق الصيني

ومن حيث القوة الناعمة، أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب هذا العام أن الصين تفوقت على الولايات المتحدة من حيث الشعبية في أفريقيا.

وقال كاميرون هدسون، المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية والذي عمل في أفريقيا في عدد من الأدوار لكل من الإدارات الديمقراطية والجمهورية، إن نقص الموارد أدى إلى أخطاء.

 

وأضاف أن هذه تشمل المفاجأة عندما اندلعت الحرب في السودان في أبريل/نيسان العام الماضي، والمحادثات الفاشلة مع المجلس العسكري في النيجر بشأن قاعدتها الجوية.

وقال هدسون الذي يعمل حاليا في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن لرويترز “لدينا نقاط عمياء كبيرة في فهمنا للديناميكيات السياسية والعسكرية في الدول التي ننشط فيها. هذه قضية كبرى تواجهها الدبلوماسية الأميركية، وهي حادة بشكل خاص في أفريقيا”.

من جانبها، قالت وزارة الخارجية الأميركية إن المتقدمين لشغل وظائف في أفريقيا تم ثنيهم بسبب عدم كفاية المدارس والرعاية الصحية والطبيعة النائية للعديد من الوظائف، مضيفة أن هناك حوافز نقدية وغير نقدية لتشجيع الخدمة في تلك المناطق الصعبة.

وتشير علامات أخرى إلى تراجع أميركا في المنطقة التي طالما اعتبرت ذات أولوية منخفضة بالنسبة لصانعي السياسة الخارجية في الولايات المتحدة. ولم تحرز واشنطن تقدما يذكر نحو تعزيز الوصول إلى الاحتياطيات الهائلة من المعادن الأفريقية التي تقول إنها ضرورية للأمن القومي.

ولا يزال مشروع السكك الحديدية الرائد الذي تدعمه الولايات المتحدة لتصدير الموارد عبر أنغولا إلى الغرب، لم يكتمل بعد سنوات.

وقدم بايدن وعودا سياسية كبيرة لأفريقيا لكنه لم يلتزم بها، بما في ذلك الزيارة خلال فترة رئاسته التي تنتهي في يناير/كانون الثاني. كما تعهد بدعم إضافة مقعدين دائمين لأفريقيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وانضمام الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة الـ20، لكن لم يحدث أي من ذلك.

وقال اثنان من كبار المسؤولين السابقين الذين خدموا في إدارة ترامب 2017-2021 إنهما يتوقعان أن يتبع ترامب نهجا أكثر واقعية من بايدن، سعيا لتحقيق عوائد ملموسة للإنفاق الأميركي في المنطقة.

وقالا إن المنافسة مع الصين ستكون محور التركيز الرئيسي، إلى جانب الدعم الجديد للشركات الأميركية. وربما تعيد الولايات المتحدة أيضا النظر في سياستها تجاه الجيوش في منطقة الساحل المضطربة، مع تركيز أقل على الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وقال تيبور ناجي، السفير المتقاعد ومبعوث ترامب السابق إلى أفريقيا، إن “السياسة الأفريقية تحتاج إلى القليل من الواقعية”. وأضاف “آمل أنه مع إدارة ترامب الثانية، أن تكون السياسة أكثر ارتباطا بالمعاملات، حيث يمكن أن ينتهي الأمر إلى تحقيق المزيد من النجاحات”.

ولم ترد حملة ترامب على رسائل البريد الإلكتروني حول خططها لأفريقيا، كما لم يستجب براين هوك، مسؤول ترامب السابق الذي يشرف على الانتقال الدبلوماسي في وزارة الخارجية، لطلب التعليق.

ارتباك دبلوماسي

ويظهر الارتباك الدبلوماسي الأميركي في القارة في بيانات الحكومة الأميركية والتقارير الرسمية المتاحة للجمهور ولكنها لم تظهر في وسائل الإعلام حيث تتناول العديد من تلك التقارير الصادرة عن مكتب المفتش العام، وهو الهيئة الرقابية التابعة لوزارة الخارجية، بالتفصيل مشاكل التوظيف في السفارات مما قوض أهداف الولايات المتحدة التي تتضمن تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي.

أحد الأمثلة على ذلك هو الوضع في جمهورية أفريقيا الوسطى، وهي دولة منتجة للذهب، يقودها زعيم ديكتاتوري يدفع للمرتزقة الروس مقابل الحماية بينما يتلقى الملايين من المساعدات الأميركية، وفقًا لتقرير هيئة رقابية في يونيو/حزيران الماضي.

ووصف التقرير كيف أن النقص في عدد الموظفين بالسفارة يعني أن السفير الأميركي في أفريقيا الوسطى لم يكن لديه في كثير من الأحيان سكرتير لتسجيل الملاحظات في الاجتماعات، وقد يستغرق إرسال المستندات ساعات بسبب ضعف الاتصال بالإنترنت في السفارة.

وقال التقرير إن ما يزيد عن مليوني دولار قد فُقدت في عام 2023، ويرتبط ذلك جزئيًا بالسرقة والاحتيال من قبل الموظفين المحليين. وحتى في الأماكن التي ترغب الولايات المتحدة بالتنافس فيها مع بكين، وهي أولوية قصوى للأمن القومي، فإن مشاكل التوظيف حادة.

وفي وقت ما من عام 2023، قال مسؤول في الكونغرس الأميركي، إن القسم السياسي كان شاغرًا في غينيا، موطن أكبر احتياطيات البوكسيت في العالم، حيث كانت الصادرات متجهة في الغالب إلى الصين.

وقال المسؤول لرويترز، شريطة عدم الكشف عن هويته “القسم بأكمله فارغ، والغرف مظلمة”.

وفي توغو الدولة الأفريقية على الساحل الغربي والمهددة من قبل الجهاديين، لم تتمكن السفارة الأميركية الصغيرة من مواكبة مطالب واشنطن بعد اختيار هذه الدولة لاختبار قانون الهشاشة العالمية الذي أقره الحزبان، وهو إستراتيجية أميركية لتعزيز الاستقرار السياسي في جميع أنحاء العالم من خلال خطط مدتها 10 سنوات، حسبما ذكر تقرير المفتش العام الذي نشر في منتصف عام 2023.

وألقى التقرير باللوم على نقص الموظفين والخبرة، حيث يخدم كل مسؤول أميركي تقريبًا في منصبه لأول مرة. وقال التقرير إن السفارة في توغو رفضت تمويلا إضافيا للمساعدة الأمنية لأنها لا تملك السبل اللازمة لإنفاقه.

ورفضت وزارة الخارجية التعليق على أسئلة محددة حول عمليات السفارات في جمهورية أفريقيا الوسطى وغينيا وتوغو.

التجاهل الأميركي لأفريقيا

ومع احتدام الحروب الكبرى في أوكرانيا والشرق الأوسط، ربما تأتي أفريقيا في مرتبة متدنية من أولويات سياسة ترامب الخارجية. ولم يعين بعد فريقا أفريقيا، على عكس منافسته الخاسرة نائبة الرئيس كامالا هاريس، التي عينت فريقا للمنطقة في الأيام التي سبقت انتخابات 5 نوفمبر/تشرين الثاني.

في عام 2016 وخلال إدارته السابقة، غضب الكثيرون في أفريقيا عندما أشار ترامب إلى دول القارة على أنها “دول قذرة”، وتعرض الحلفاء المقربون لحظر السفر.

وكانت إريتريا ونيجيريا والصومال وتنزانيا من بين 13 دولة في قائمة الحظر عندما ترك ترامب منصبه.

وقال بيتر فام، كبير مبعوثي ترامب السابق إلى منطقة البحيرات الكبرى والساحل في أفريقيا، إنه لا يتوقع انخفاضًا كبيرًا في المساعدات الأميركية لأفريقيا مع الإدارة الجديدة، لكن مع وجود ترامب هناك احتمال أكبر بقطع المساعدة إذا قامت دولة ما كان يُنظر إليها على أنها تعمل ضد المصالح الأميركية.

وقال فام في مقابلة “علينا أن نكون أكثر صدقا بشأن ذلك، وهذا يعني شركاء أكفاء ومساءلة”.

اقترحت إدارة ترامب الأولى تخفيضات كبيرة في وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وواجهت المؤسستان صعوبات في شغل المناصب خلال فترة وجود ترامب في السلطة.

كما سحبت أموالا من الأمم المتحدة ومنظمات الرعاية الصحية كانت مخصصة لدعم تنظيم الأسرة.

وقالت جمعية الخدمة الخارجية الأميركية، وهي الاتحاد الذي يمثل الدبلوماسيين الأميركيين، إن النقص في الموظفين من المستوى المتوسط، والروتين، وغيرها من القضايا المؤسسية، كلها ساهمت في المشاكل في أفريقيا.

وقالت مارسيا بيرنيكات، المديرة العامة للخدمة الخارجية، في مقابلة أجريت معها في سبتمبر/أيلول، إن ربع القوى العاملة الآن في الخارجية الأميركية تتكون من موظفين تم تعيينهم منذ عام 2020.

وأضافت أن هناك دراستين جاريتين لمراجعة الحوافز لجذب كوادر إلى الوظائف التي يصعب شغلها.

وعلى الرغم من هذه الجهود، لم تتغير مستويات التوظيف في أفريقيا إلا قليلا بشكل عام خلال فترة وجود بايدن في منصبه بعد انخفاضها خلال وباء كورونا.

وتظهر بيانات محدودة لوزارة الخارجية أن عدد موظفي الخدمة الخارجية في أفريقيا انخفض من 2175 في ديسمبر/كانون الأول 2018 إلى 2057 في عام 2023. وقال رئيس نقابة الخدمات “إنها ليست مجرد مسألة توظيف بل هي مصدر قلق للأمن القومي”.

شاركها.
Exit mobile version