في مطلع فبراير/شباط الجاري، أعلن دونالد ترامب عن خطته المثيرة للجدل التي تهدف إلى تهجير سكان قطاع غزة قسرا وإخضاع القطاع لسيطرة أميركية. جاءت هذه الخطة كجزء من حزمة مقترحات وصفت بأنها تعكس رؤية الرئيس الأميركي لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

ورغم أن خطة ترامب لم تتجاوز مرحلة الاقتراح، فإنها أثارت موجة واسعة من الانتقادات الدولية الحادة، إذ وصفها قادة أوروبيون بأنها فضيحة وانتهاك صارخ للقانون الدولي، مؤكدين أنها تمثل تطهيرا عرقيا غير مقبول.

ولم تتوقف ردود الفعل، بل امتدت لتشمل دعوات لاحترام حقوق الإنسان والقوانين الدولية، مع تنظيم مظاهرات حاشدة في عدد من العواصم والمدن الأوروبية تعبيرا عن رفض الخطة.

كما تناولتها الصحافة الأوروبية عبر مقالات وتحليلات وتحقيقات قوية أظهرت فساد الخطة وتحديها لكل الأعراف الإنسانية والقوانين الدولية.

ألمانيا: ما قاله ترامب فضيحة

وصف المستشار الألماني أولاف شولتس تصريح ترامب بأنه “فضيحة وتعبير فظيع حقا”، وذلك خلال مناظرة بثها التلفزيون الألماني في التاسع فبراير/شباط الجاري مع منافسه في الانتخابات المقبلة فريدريش ميرتس.

وفي حين صرح شولتس بأن “تهجير السكان أمر غير مقبول ومخالف للقانون الدولي”، قال ميرتس “أتفق مع هذا التقييم، وهو واحد من مقترحات كثيرة ومربكة صادرة عن الإدارة الأميركية الجديدة، وربما علينا أن ننتظر ونرى ما المقصود حقا بها ومدى جديتها”.

ونقل موقع “يورو نيوز” عن وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك قولها “من الواضح أن غزة -مثل الضفة الغربية والقدس الشرقية- تابعة للفلسطينيين”، مضيفة أن “طرد الفلسطينيين من غزة لن يكون مقبولا ويتعارض مع القانون الدولي فحسب، بل سيؤدي أيضا إلى المزيد من المعاناة والكراهية، فلا ينبغي فرض أي حل على الفلسطينيين”.

بريطانيا: أهل غزة يجب أن يعودوا إلى ديارهم

في أول انفصال علني كبير له عن إدارة ترامب، أعرب رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر خلال جلسة في مجلس العموم عن معارضته لاقتراح ترامب بشأن غزة، معتبر أن أهل غزة “يجب أن يتمكنوا من العودة إلى ديارهم وأن يسمح لهم بإعادة البناء، وعلينا أن ندعمهم في تلك العملية لأن ذلك هو الطريق إلى حل الدولتين”.

وأكد رئيس الوزراء البريطاني أن القضية الأكثر أهمية الآن هي الحفاظ على وقف إطلاق النار الهش بين إسرائيل وحماس بما في ذلك إطلاق سراح الرهائن والسماح للمساعدات بالتدفق إلى قطاع غزة، حيث تتكشف كارثة إنسانية، حسب ستارمر.

إسبانيا: لن نسمح بتهجير الفلسطينيين

وفي رد حازم على خطة ترامب، أكد رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز أن بلاده لن تسمح بتنفيذ مقترح ترامب بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، داعيا إلى “احترام القانون الدولي في غزة، كما هو الحال في أنحاء العالم”.

وحسب وكالة أبناء الأناضول، ففي كلمة له خلال فعالية لحزبه قال سانشيز: “لن تستطيع أي عملية عقارية أن تغطي هذا الشر والعار والجرائم ضد الإنسانية التي شهدتها غزة خلال السنوات الأخيرة”.

وكانت إسبانيا قد ردت بشكل فوري على اقتراح ترامب، حيث نقلت وكالة “أوروبا برس” عن وزير الخارجية خوسيه مانويل ألباريس قوله إن إسبانيا تقول بصوت عال: “غزة أرض للفلسطينيين، ويجب أن يبقوا فيها لأنها أيضا جزء من الدولة الفلسطينية المستقبلية التي تعول عليها إسبانيا”.

فرنسا: غزة ليست أرضا بلا شعب

أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مقابلة مع شبكة “سي إن إن” الأميركية عن معارضته لخطة ترامب بتهجير الفلسطينيين من غزة قائلا إن “غزة ليست أرضا فارغة، بل هي أرض يعيش فيها مليونا شخص، ولا يمكنك أن تقول لمليوني إنسان: حسنا، الآن خمنوا ماذا؟ “سوف تغادرون”، مضيفا أن “الحل ليس بعملية عقارية، وإنما عبر مقاربة سياسية”.

واعتبر ماكرون أن الحاجة إلى ما سماه “الكفاءة في إعادة بناء القطاع لا تعني عدم احترام السكان الفلسطينيين وكذلك الأردن ومصر”، داعيا الدول الأخرى إلى أن تحذو حذوه في رفض ما وصفه بالعملية الضخمة لتهجير المدنيين من أراضيهم.

وكانت وزارة الخارجية الفرنسية قد وصفت في بيان صحفي خطة ترامب فور إعلانها بأنها خطيرة على الاستقرار وعلى عملية السلام في الشرق الأوسط وانتهاك خطير للقانون الدولي، إضافة إلى أنها اعتداء على التطلعات المشروعة للشعب الفلسطيني.

جهل بالتاريخ الفلسطيني

انتقدت وزيرة الخارجية السلوفينية تانيا فايون تصريحات ترامب، ووصفتها بأنها تعكس “جهلا عميقا بالتاريخ الفلسطيني”، ونقلت وكالة الأناضول عن فايون قولها إن مثل هذه المقترحات قد تؤدي إلى مزيد من الاضطرابات والعنف.

كما أدان رئيس وزراء إسكتلندا جون سويني اقتراح تهجير الفلسطينيين ووصفه بأنه “غير مقبول وخطير”، مؤكدا أن معاناة شعب غزة لا ينبغي أن تتفاقم بسبب خطط التهجير القسري.

وحسب تقرير ليورو نيوز فقد قال وزير الخارجية الأيرلندي سيمون هاريس “نحن بحاجة إلى حل الدولتين، وأي فكرة لنقل سكان غزة إلى مكان آخر ستكون بمثابة انتهاك صارخ لقرارات الأمم المتحدة”.

وبدوره صرح أندريه سينا نائب وزير الخارجية البولندي ​​بأن بلاده تدعم حل الدولتين، مضيفا: “كما نقول إننا لا نستطيع اتخاذ قرار بشأن أوكرانيا من دون الأوكرانيين، فإننا لا نستطيع اتخاذ قرار بشأن فلسطين من دون الفلسطينيين”.

وقال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني أمام لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان إنه يعتقد أن الحل الذي قدمه ترامب “صعب التنفيذ”، مضيفا نحن مع حل الدولتين، ومستعدون لإرسال جنود إيطاليين في مهمة إعادة توحيد غزة مع الضفة الغربية.

الترحيب الأوروبي الوحيد بخطة ترامب

حسب يورو نيوز فقد صدر قرار الترحيب الأوروبي الوحيد بخطة ترامب من زعيم حزب الحرية اليميني المتطرف في هولندا خيرت فيلدرز الذي قال في تغريدة له على منصة إكس: “صحيح تماما يا دونالد ترامب، فكما أقول دائما: الأردن = فلسطين، فلينتقل الفلسطينيون إلى الأردن، حلت مشكلة غزة”.

ورغم أن فيلدرز ليس عضوا في الحكومة، لكن حزبه هو القوة الرئيسية في الائتلاف الحاكم المكون من 4 أحزاب.

وبحسب وسائل إعلام هولندية، فقد اعتبر وزير خارجية هولندا كاسبر فيلدكامب أن تصريحات فيلدرز لا تمثل السياسة الرسمية للحكومة، مضيفا: “بالنسبة لهولندا ليس هناك شك في أن غزة ملك للفلسطينيين، وموقفنا لم يتغير وهو أن هولندا تدعم حل الدولتين، وهذا يعني دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة إلى جانب دولة إسرائيل الآمنة”.

وعُرف فيلدرز بدفاعه عن حرب الإبادة الجماعية التي اقترفتها إسرائيل في غزة، فقد اعتبر في مقال نشره شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي أنها حرب عادلة تستحق الدعم من القوميين الأوروبيين.

مظاهرات أوروبية رفضا لخطة ترامب

ورفضا لخطة ترامب بتهجير سكان قطاع غزة شهدت عواصم ومدن أوروبية عديدة مظاهرات حاشدة، ففي العاصمة البريطانية لندن تجمع ما يقارب 200 ألف شخص -حسب تقديرات وكالات الأنباء- أمام السفارة الأميركية، رافعين الأعلام الفلسطينية ولافتات كُتب عليها “لا للتطهير العرقي” و”الحرية لفلسطين”، و”غزة للفلسطينيين”.

وخرجت مظاهرات مماثلة في العاصمة الألمانية برلين والعاصمة الأيرلندية دبلن، والعاصمة السويدية ستوكهولم، والعاصمة النرويجية أوسلو.

وعبر المشاركون عن استهجانهم لجرائم إسرائيل ولسياسات الولايات المتحدة الداعمة له، مرددين شعارات: “غزة ليست للبيع”.

الصحافة الأوروبية: ترامب يقضي على ما تبقى من القانون الدولي

كان الموقف الأوروبي الرافض لخطة ترامب بشأن غزة ملموسا بقوة في الصحافة الأوروبية من خلال التحليلات الإخبارية والتحقيقات ومقالات الرأي لكتاب أوروبيين بارزين.

ففي مقال بعنوان “غزة في عهد ترامب.. المضي بأقصى سرعة نحو التطهير العرقي” على الموقع الفرنسي أورينت21، اعتبر الكاتب المختص في شؤون الشرق الأوسط آلان غريش أن ترامب أكد خلال اجتماعه مع بنيامين نتنياهو في الرابع من فبراير/شباط، بشكل واضح، أنه لن يحترم القانون الدولي، ولو جزئيا، فمبدأه الوحيد: قانون الأقوى.

وأضاف غريش أن هذا المنطق من شأنه أن يقضي على ما تبقى من القانون الدولي، الذي تلوث أصلا إلى حد كبير بفعل الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية في غزة، إضافة إلى أنه يعني الإفلات التام من العقاب بدعم من الولايات المتحدة، فلم يكتف ترامب بكونه أول رئيس دولة يستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بعد إصدار مذكرة اعتقال بحقه، بل إنه يسعى لتقويض المحكمة الجنائية الدولية، عقابا لها على ملاحقتها لنتنياهو.

وخلص غريش إلى أن ما يقوم به ترامب في جبهات مختلفة من الاستخدام الظالم للقوة سيفتح الطريق أيضا لتبرير كل اجتياح عابر للحدود من غزو روسيا لأوكرانيا وغزو رواندا للكونغو الديمقراطية إلى غزو الصين لتايوان، وهكذا.

واعتبرت صحيفة لو باريزيان الفرنسية أن دونالد ترامب صدم العالم عندما اقترح، في الخامس من فبراير/شباط، سيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة، مما جعله يتعرض لانتقادات شديدة من المجتمع الدولي.

وبدورها عنونت شبكة يوراكتيف تحليلا إخباريا لها بعبارة: “غزة: تصريحات دونالد ترامب تهز أوروبا”، معتبرة أن اقتراح دونالد ترامب المشكوك في واقعيته لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يأتي بعد تهديداته بغزو غرينلاند وقناة بنما، مما يدل على أن تصريحات ترامب المبالغ فيها أصبحت أمرا شائعا.

ونقل تقرير لموقع يورونيوز عن الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية هيو لوفات قوله: “إن ما يقترحه ترامب كارثي بوضوح بالنسبة لغزة، ولكنه من شأنه أيضا أن يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في دول المنطقة، ويمثل محاولة لتكرار عمليات التهجير القسري التي حدثت بعد إنشاء دولة إسرائيل في عامي 1948 و1967.

ونقل التقرير أيضا عن مايكل حنا من مجموعة الأزمات الدولية أن “خطة ترامب تمثل تهجيرا قسريا وتطهيرا عرقيا غير مسموح به بموجب القانون الدولي، ويشكل جريمة حرب دولية”.

وعلى موقع “توت لوروب” اعتبر الكاتب فالنتين ليدرويت أن الرئيس الأميركي الجديد أثار دهشة الصحافة الأوروبية والعالمية عندما أعلن أنه يريد نفي سكان الأراضي الفلسطينية، وأضاف الكاتب أنه من التطرف الشديد ازدراء دونالد ترامب لأي شكل من أشكال حقوق الإنسان المحلية أو الدولية.

شخص واحد سعيد بتلك التصريحات

وقالت صحيفة دي فيلت الألمانية إن كلمات دونالد ترامب جعلت شخصا واحدا سعيدا، حيث لم يستطع بنيامين نتنياهو أن يصدق حظه، وقال لترامب: “أنت أفضل صديق لإسرائيل في البيت الأبيض على الإطلاق”، و”كان يضرب بقبضته على المكتب أمامه بقوة مع كل كلمة حتى بدأت تهتز قليلا”، حسب دي فليت.

ووصفت الصحيفة الإسبانية “إلبايس” خطة ترامب بأنها تمثل “تحولا جذريا في سياسة واشنطن في المنطقة”، وأطلقت صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية على الرئيس الأميركي لقب “المستعمر ترامب”.

وبدورها نشرت صحيفة الغارديان البريطانية الجمعة الماضي تحقيقا من قطاع غزة سبر آراء الغزيين بشأن خطة ترامب، ونقل التحقيق إجماع الغزيين على أن الرئيس الأميركي لن ينجح أبدا في إجبارهم على ترك منازلهم لبناء “ريفييرا” شرق أوسطية.

ويضيف تحقيق الغارديان أنه لم يتعامل أي شخص ممن تحدثت إليهم صحيفة الغارديان في غزة مع التهديد على أنه مزحة، لكن ردود فعلهم كانت متسقة وخلاصتها أنه ما دامت الحرب الأخيرة التي تعد إحدى أكثر حملات القصف كثافة وأشدها تدميرا في التاريخ قد فشلت في طردهم من منازلهم، فإن قطب العقارات الأميركي الذي تحول إلى رئيس سيفشل بالتأكيد أيضا.

ونقلت الصحيفة عن الغالبية العظمى من الغزيين قولهم: “إن تربة غزة أفضل من أفضل دول العالم”.

وأخيرا، يبدو أن هناك شبه إجماع داخل الأوساط السياسية والإعلامية في أوروبا على الرفض الحازم لخطة ترامب، كما أن هناك اتفاقا من العديد من المحللين والكتاب الأوروبيين على أن الرئيس الأميركي تجاوز خطا أحمر لم يجرؤ أسلافه -رغم الاتفاق في دعم إسرائيل- على تجاوزه، وهو الترحيل القسري للسكان الذي يمثل جريمة حرب في نظر القانون الدولي.

شاركها.
Exit mobile version