لندن – نزلت أخبار الانتخابات المحلية التي شهدتها بريطانيا يوم الخميس الماضي كالصاعقة على حزب المحافظين وزعيمه رئيس الوزراء ريشي سوناك، بعد أن تحقق السيناريو الأسوأ وخسر الحزب الحاكم ثلث المقاعد التي كان ينافس للحفاظ عليها في هذه الانتخابات التي شملت 230 مجلسا محليا.
وبعد فرز أكثر من 99% من الأصوات وظهور نتائج جميع المجالس المتنافس عليها، ظهر أن هذه الانتخابات حملت أخبارا سعيدة لكل من حزب العمال المعارض والحزب الليبرالي الديمقراطي، مقابل تعميق جراح حزب المحافظين، الذي يعلم أن نتائجها ما هي إلا انعكاس مصغر لما ستكون عليه الانتخابات العامة المزمع تنظيمها نهاية 2024 أو بداية 2025.
ويمكن القول إن هذه الانتخابات وإن كانت برهانا محليا وجزئية، إلا أنها حملت الكثير من النتائج التاريخية التي تصب كلها في اتجاه تزايد الغضب الشعبي على حزب المحافظين وطريقة تدبيره الحكومي.
السيناريو الأسوأ
كانت كل التقديرات تشير إلى أن حزب المحافظين قد يخسر حوالي 700 مقعد من أصل 3300 مقعد كانت بحوزته خلال هذه الانتخابات، لكن الذي حدث هو خسارة الحزب نحو 1058 مقعدا من مقاعده، أي نحو ثلث حصته تقريبا، ليتحقق ما وصفه المراقبون بالسيناريو الأسوأ.
ولأن المتاعب لا تأتي فرادى، فقد انهالت الانتقادات مباشرة على رئيس الوزراء ريشي سوناك الذي وصف هذه النتائج بالمخيبة للآمال، لكن أكثر ما يثير قلق سوناك هو تعالي الأصوات المؤيدة لرئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون، والتي ترى في الرجل الورقة الرابحة للحزب، وعاد هؤلاء لاتهام سوناك بأنه المسؤول الأول عن خروج جونسون من قيادة الحزب عندما قرر الاستقالة من منصبه وزيرا للخزانة.
وأدت هذه النتائج إلى فقدان حزب المحافظين لقب الحزب صاحب أكبر عدد من المقاعد في المجالس المحلية في بريطانيا، والذي حافظ عليه منذ عام 2002، أي لأكثر من عقدين، مما يظهر حجم الأزمة التي يعيشها الحزب.
ومن بين النقاط المهمة التي أظهرتها هذه الانتخابات أيضا عودة ما يسمى بـ”الجدار الأحمر” في شمالي البلاد، والذي يُعد معقلا لحزب العمال منذ عقود طويلة، وهو الجدار الذي انهار في الانتخابات العامة عام 2019 وصوّت لصالح حزب المحافظين ومنحه الأغلبية المطلقة في البرلمان، وحينها وصف المراقبون ما حدث بأنه تصويت عقابي ضد حزب العمال بسبب ضبابية موقفه من “البريكست”، لكن النتائج الأخيرة للانتخابات تظهر عودة الجدار الأحمر للتشكّل من جديد، مما سيسحب الكثير من المقاعد من يد المحافظين في الانتخابات المقبلة.
وفي أكبر تحليل لتوجه الأصوات الذي تقوم به شبكة “بي بي سي” (BBC) البريطانية، والذي يقدم نسبة تقسيم الأصوات على الصعيد الوطني إذا تم إجراء انتخابات عامة في الوقت الحالي، أظهر هذا التحليل أن حزب العمال سيحصل على 35% من الأصوات مقابل 26% لحزب المحافظين و20% للحزب الليبرالي الديمقراطي.
وتعدّ هذه أول مرة يصل فيها الفارق في الأصوات إلى 9 نقاط بين حزب العمال وحزب المحافظين منذ عام 2010، وهو العام الذي خسر فيه حزب العمال السلطة ولم يعد إليها حتى الآن.
نجاح تاريخي
مقابل الهزيمة المدوية التي مني بها حزب المحافظين، يسود فرح عام صفوف حزب العمال الذي فاز بأكثر من 527 مقعدا جديدا في هذه الانتخابات، والذي أصبح بعد الاقتراع صاحب أكبر حصة في تسيير المجالس المحلية في البلاد، وهو ما لم يحققه منذ عقدين من الزمان.
وبدت علامات الرضا واضحة على تصريحات زعيمه كير ستارمر، الذي أكد أن هذا الاقتراع “تحضير للانتخابات العامة”، مبديا استعداد حزبه لأي انتخابات عامة مقبلة، وحسب الأرقام التي أظهرتها النتائج، فإن حزب العمال يعيش أفضل أيامه منذ أيام قيادة توني بلير الحزب التي كانت فترة “ذهبية” للعمال، لولا أن هناك تحذيرات من إمكانية عدم حصول العمال على أغلبية مطلقة خلال الانتخابات العامة إذ لم يعمل على الرفع من شعبيته في المناطق التي يسيطر عليها حزب المحافظين.
في المقابل يقول عدد من المراقبين إن النتائج التي حققها حزب العمال هي نتيجة للتصويت “العقابي” أو “التكتيكي” الذي قام به عدد من المصوتين في الدوائر المعروفة بولائها لحزب المحافظين، وذلك غضبا منهم على الوضع المعيشي الذي تعرفه البلاد وعجز الحكومة عن مواجهة التضخم.
ومن بين أكبر الفائزين في هذه الانتخابات هناك الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي فاز بـ12 مجلسا جديدا، وهو أكبر رقم يحققه الحزب منذ عام 1995.