بيزنس الأربعاء 10:52 م

قالت صحيفة لوفيغارو الفرنسية إن الأزمات تتوالى بوتيرة مستمرة منذ تنصيب الرئيس دونالد ترامب، حيث تواصل إدارته سيطرتها على الحكومة الفدرالية من خلال إجراءات مستهدفة ورمزية، ويحكم هو بموجب المراسيم الرئاسية وباسم حالة الطوارئ الوطنية، مستخدما سياسة الضرب أولا ثم التفاوض بعد ذلك.

واستعرضت الصحيفة -في تقرير بقلم أدريان جولمز وافتتاحية بقلم فيليب جيلي- بعض الأزمات التجارية والدبلوماسية التي أثارها الرئيس مع بعض الدول، متذرعا تارة بضرورة مكافحة الهجرة أو تهريب المخدرات، أو إعادة التوازن التجاري، ليحل بعضها فورا بعد الحصول على تنازلات أو خشية عواقب وخيمة.

وقالت افتتاحية الصحيفة إن إستراتيجية ترامب مستوحاة من صديقه الملاكم مايك تايسون الذي يرى أن “كل شخص لديه خطة قبل أن يتلقى لكمة في الأسنان”، فهو يضرب أولا ثم يتفاوض، ولكنه في مجال التفاوض لم يحترم سوى قانون واحد هو قانون “الضغط الأقصى” الذي يهدف إلى الحصول على الصفقة الأكثر ملاءمة.

ومع فجر ولايته الثانية، تحرر ترامب من الاتفاقيات والقيود التي قيدت ولايته الأولى، فاستولى على الإدارة الفدرالية وأعطى مفاتيح الخزنة لخادمه المليادير إيلون ماسك، وبدأ يفرض بها الرسوم الجمركية يمينا ويسارا، قبل أن يرفع سماعة الهاتف ويبدأ المفاوضات مع نظرائه.

اضرب أولا ثم فاوض

وتكشف الخطوات الأولى التي اتخذها ترامب -حسب الافتتاحية- عن سمات للرئيس، كالسماح بسحب رافعة للحصول على نتيجة على أرض أخرى، من التجارة إلى الهجرة أو الدفاع، ثم تعود القاعدة القديمة المتمثلة في القوة مع الضعيف والحذر مع القوي.

وقد تجسد أسلوب الإدارة من خلال الأزمة المنظمة التي اندلعت مع كندا والمكسيك، حيث تم تأجيل فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الواردات من هذين البلدين، بعد أن توصلت المكسيك أولا لاتفاق أعلنت بموجبه “التعزيز الفوري للحدود الشمالية بـ10 آلاف من أفراد الحرس الوطني، لوقف تهريب المخدرات، وفي المقابل وافقت الولايات المتحدة على “العمل على وقف تهريب الأسلحة الأوتوماتيكية إلى المكسيك”.

وتوصلت كندا أيضا إلى اتفاق، وأعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو أنه تم التوصل إلى اتفاق مؤقت، تلتزم بموجبه كندا بمكافحة الاتجار بالفنتانيل وتعزيز أمن الحدود، ومن المقرر تعليق الرسوم الجمركية المقررة لمدة 30 يوما على الأقل بينما يعمل البلدان على التوصل إلى حل منسق.

وبدت هذه التسهيلات من جانب جيران أميركا وشركائها الاقتصاديين بمثابة أول انتصار دبلوماسي لترامب، وفي غضون 48 ساعة هدأ خطر الحرب الاقتصادية، وظهرت كأنها خدعة تهدف إلى الحصول على مزيد من التعاون، ولكن صحيفة وول ستريت جورنال التي وصفت التدابير الجمركية بأنها “الحرب التجارية الأكثر غباء في التاريخ”، رأت أن انهيار أسعار الأسهم في وول ستريت الذي أعقب هذه الإعلانات، ساهم في موقف ترامب التصالحي المفاجئ.

وفي نهاية الأسبوع، حقق ترامب نجاحا دبلوماسيا آخر في بنما، ولقد سمعت تهديداته باستعادة السيطرة على القناة بالقوة إذا لزم الأمر، كما اقترحت الدانمارك على الولايات المتحدة توسيع وجودها في غرينلاند، ولكنها أوضحت أن الممتلكات الدانماركية الضخمة ليست للبيع.

لكن التوترات انتقلت الآن إلى الصين، وقد فرض ترامب رسوما جمركية بنسبة 10% على واردات الصين، وردت الصين بإجراءات مماثلة، ولكن هذه قد تكون مجرد وسيلة للتفاوض قبل الاجتماع المقبل بين ترامب وشي جين بينغ، حسب الصحيفة.

وأخيرا يبقى السؤال قائما هل سيتغلب القرب الأيديولوجي على المصالح الأنانية للولايات المتحدة؟ وبالتالي كيف سيكون التعامل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي تزعج تصريحاته المحرضة على الحرب ترامب “صانع السلام”، أو رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني التي لا تزال ميزانيتها العسكرية بعيدة عن مستويات حلف شمال الأطلسي؟

ارتباك وفوضى

أما في واشنطن -كما يقول جولمز- فيطبق إيلون ماسك، الذي لا يشغل أي وظيفة رسمية سوى كونه اليد اليمنى للرئيس، على الإدارة الفدرالية الأساليب المعمول بها في عالم شركات التكنولوجيا الفائقة في كاليفورنيا، وقد قامت الفرق الصغيرة التي جمعها بالسيطرة فعليا على خوادم الحاسوب التابعة للإدارات المستهدفة، ومنعت الموظفين المدنيين من الوصول إلى مكاتبهم، مبررة هذه الإجراءات بضرورة إجراء إصلاح عميق للدولة الفدرالية.

ومع أن حالة الارتباك والفوضى التي نشأت لم تفعل حتى الآن الكثير لزيادة كفاءة الحكومة، كما يطلق على الإدارة غير الرسمية التي يرأسها ماسك، فإن هذه المداهمات كان لها أثر بث الذعر بين كبار المسؤولين.

قام رجل الأعمال الملياردير بتأسيس فرق عمله في مكاتب إدارة الموارد البشرية في الحكومة الفدرالية ومكتب إدارة الموظفين، وأعاد تسمية الخدمات الرقمية باسم “إدارة فعالية الحكومة” بقيادة زملائه من شركاته المختلفة، وقد تمكنت هذه الفرق من الوصول إلى نظام الدفع التابع لوزارة الخزانة، حيث تمركز رواتب جميع الموظفين الفدراليين.

وكان الهدف الأول لإصلاح هذه الفرق هو الوكالة الفدرالية الأميركية للتنمية الدولية، حيث دخل مساعدو ماسك إلى مقرها الرئيسي، وعلقوا خادم الإنترنت وعطلوا الوصول إلى رسائل البريد الإلكتروني للموظفين، وأوقفوا اثنين من كبار المسؤولين عن العمل بعد احتجاجهما على الاقتحام.

وبرر ماسك -على شبكته إكس- الاقتحام قائلا إنها “ليست تفاحة بداخلها دودة، بل هي كرة من الديدان” هكذا وصف الوكالة التي نسقت المساعدات الإنمائية الأميركية في جميع أنحاء العالم “نيابة عن الشعب الأميركي” منذ ستينيات القرن الماضي، وتدير مجموعة واسعة من البرامج من المساعدات الإنسانية إلى الحملات الطبية إلى المساعدة للدول الفقيرة، كما تقول الصحيفة.

كابوس من صنع ترامب

وسلط النقاد الضوء على رمزية هجوم أغنى رجل في العالم على وكالة تنمية تساعد البلدان الفقيرة، ولكن البيت الأبيض أبرز “المشاريع السخيفة للبيروقراطيين”، مستشهدا بمشاريع تمولها الوكالة من أجل “المساواة والإدماج في مكان العمل في صربيا”، وبتمويل “المركبات الكهربائية في فيتنام”، و”أوبرا المتحولين جنسيا في كولومبيا”، وبرامج “إعادة تحديد الجنس في غواتيمالا” وتمويل أبحاث علم الفيروسات في مختبر ووهان.

ولم يتم إغلاق الوكالة بعد، وتم وضعها تحت السيطرة المباشرة لوزارة الخارجية، وحتى الآن بقي رد فعل المنتخبين الديمقراطيين صامتا على هذا الإجراء الأول ضد وكالة فدرالية يعتمد إنشاؤها وميزانياتها على تصويت الكونغرس.

وقالت الديمقراطية إليزابيث وارن عضو مجلس الشيوخ إن “دونالد ترامب ورفاقه من المليارديرات عازمون على الاستيلاء على هذه الحكومة حتى تعمل بشكل أفضل بالنسبة لهم وأسوأ بالنسبة للجميع. ما يحدث ليس طبيعيا.. نحن نعيش كابوسا من صنع ترامب وإيلون ماسك، ويجب علينا أن نستيقظ”.

وقارن أحد كتاب الأعمدة في صحيفة نيويورك تايمز أساليب موظفي ماسك باستيلاء الإدارة الأميركية المؤقتة على الدولة العراقية بعد غزو العراق عام 2003، حيث خلقت بسبب مزيج من عدم الكفاءة والغطرسة حالة من الفوضى جعلت البلاد غير قابلة للحكم.

وخلص جولمز إلى أن هذه الأزمات المتكررة أدت إلى تحويل الانتباه جزئيا عن جلسات الاستماع لـ3 من أكثر المرشحين إثارة للجدل في الإدارة الجديدة، مثل مرشح ترامب لرئاسة مكتب التحقيقات الفدرالي كاش باتيل، وتعيين روبرت كينيدي جونيور وزيرا للصحة، وترشيح تولسي غابارد لمنصب مدير الاستخبارات الوطنية.

شاركها.
Exit mobile version