طهران – مرر البرلمان الإيراني، أول أمس الثلاثاء، مشروع ميزانية العام الإيراني المقبل، الذي يبدأ بتاريخ 21 مارس/آذار، بزيادة مخصصات المؤسسات العسكرية، إذ صرحت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني بأن ميزانية الدفاع ارتفعت بنحو 200%، على أمل أن تلبي هذه الزيادة احتياجات البلد الأمنية والعسكرية.
ولا يعني هذا الإجراء أن الميزانية قد تم إقرارها بشكل رسمي، إذ إنها ستخضع لفحص لجان خاصة بوصفها “مشروع قانون”، لكن الملفت أن الإعلان جاء بعد 3 أيام فقط من الهجوم العسكري الذي شنته إسرائيل على مواقع عسكرية إيرانية السبت الماضي.
كما يأتي هذا الإعلان في وقت تشهد فيه المنطقة توسعا للجبهات وتصعيدا منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفي وقت اقترب فيه التومان الإيراني من أدنى مستوياته (الدولار الأميركي يعادل 69 ألف تومان).
في حين صرح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن بلاده فتحت المجال بما يتعلق بالمفاوضات، “لكن يبدو أن الأوروبيين غير مهتمين بهذا الاتجاه” وفق تعبيره، مما يزيد التساؤل عن مصير العقوبات المفروضة على إيران.
احتياجات تنظيمية
في ميزانية العام الجاري، يصل إجمالي المبلغ المخصص لميزانية المؤسسات العسكرية إلى 469 ألف مليار تومان (6.8 مليارات دولار)، وتمتلك هيئة الأركان المشتركة للحرس الثوري الإيراني ميزانية تبلغ حوالي 125 ألف مليار تومان (1.8 مليار دولار)، كما يمتلك الحرس الثوري أيضا إمكانية الوصول إلى النفط الخام ومصادر مالية أخرى، لكن لا يُذكر حجمها الدقيق في الميزانية.
ويرى أستاذ السياسة والباحث في الشأن العسكري حسين حقيان أن الزيادة بنسبة 200% في ميزانية الدفاع الوطني قد تكون مفيدة في 3 مجالات وهي: الاحتياجات التنظيمية للقوات المسلحة، والاحتياجات الداخلية للبلاد، والأهداف الإستراتيجية في بُعد الردع.
ويوضح في حديثه للجزيرة نت ما يعنيه بالاحتياجات التنظيمية للقوات المسلحة، قائلا إنه “على الرغم من أن القوات المسلحة في إيران تتمتع بموارد مالية كبيرة، هناك فجوة واضحة بين الأهداف والإمكانيات المتاحة لها، كما أن إيران تقدم دعما لعدة جبهات مقاومة”.
ويضيف أنه في ظل هذه الظروف، فإن الرواتب الشهرية للعسكريين ليست كافية لتلبية متطلبات العيش، مما يدفع بعضهم للعمل في وظائف إضافية، معتبرا أن هذا الوضع لا يؤثر فقط على كفاءة عملهم، بل يحمل أيضا مخاطر تتعلق بالأمن، وبالتالي، فإن جزءا من زيادة الميزانية يمكن تخصيصه لتحسين الوضع الاقتصادي للعسكريين.
وبشأن ما يتعلق بالاحتياجات الداخلية للبلاد، يقول حقيان إن “الإيرانيين سيتذكرون عام 2024، بأنه رغم الانخراط في نزاع علني مع إسرائيل، فإن معظم الخسائر كانت بسبب الهجمات الإرهابية على الحدود الشرقية، حيث لم يتوفر الحد الأدنى من تجهيزات حراسة الحدود لقوات الشرطة، مثل المركبات والسترات الواقية من الرصاص”.
وأضاف أن الاعتماد على أساليب تقليدية في تأمين الحدود كان من أسباب ارتفاع الخسائر، “فبالتالي، فإن زيادة الميزانية العسكرية قد تتيح تجهيز قوات الشرطة وحرس الحدود، وإقامة أنظمة مراقبة ذكية وإلكترونية على الحدود”.
أهداف إستراتيجية
ويتابع الباحث في الشأن العسكري موضحا الأهداف الإستراتيجية في مجال الردع، قائلا إنه “بعد تجاوز إيران وإسرائيل الخطوط الحمر المتعلقة بالصراع المباشر، تسعى إيران لتعزيز قدراتها الردعية عبر تحديث أسلحتها”.
ويردف أن عملية “الوعد الصادق 1” كشفت أن صواريخ “كروز” الفرط صوتية والهجمات الجماعية بالطائرات المسيرة بدون طيار لم تكن فعالة بالقدر الكافي، بينما في عملية “الوعد الصادق 2” برزت الحاجة لوجود طائرات إنذار مبكر حساسة ضد الاختراق الجوي “أواكس”، وهي مسألة أُدرجت في خطط وزير الدفاع الجديد.
كما يقول إن إيران تحاول التغلب على العقبات التكنولوجية والعسكرية وتعزيز قدرتها الردعية، والتي تشمل الاحتياجات المحددة من صواريخ كروز الفرط صوتية، وأقمار صناعية للتجسس والاتصالات، وطائرات إنذار مبكر، وسفن دورية بحرية، “وبالتالي، فإن تحقيق هذه الأهداف يتطلب تدفق استثمارات ضخمة على القطاع الصناعي، والذي يمكن توفيره عبر زيادة الميزانية” حسب قوله.
ويختم حقيان بالقول إن إيران تنوي استكمال بناء قواعد الصواريخ المنتشرة في جميع أنحاء البلاد بسرعة، حيث تتيح هذه القواعد المنتشرة إمكانية الحفاظ على قدرة الردع، وتقلل من احتمالية القضاء على القدرة العسكرية بالكامل في أول موجة من أي هجوم، مما يتيح لإيران الاحتفاظ بالقدرة على توجيه ضربة انتقامية وتحقيق الردع المطلوب.
رسائل مبطنة
من جانب آخر، يرى الباحث العسكري محمد مهدي يزدي أن إعلان خبر زيادة الميزانية العسكرية يحمل جانبا من الحرب النفسية، ويظهر أيضا دعم الحكومة للقوات المسلحة، وتحديدا في ما يتعلق بردود إيران العسكرية على إسرائيل.
ويضيف في حديثه للجزيرة نت أن زيادة الميزانية العسكرية تدعّم قدرات القوات المسلحة بشكل ملحوظ، وتزيد من قدرات إيران الدفاعية والهجومية بشكل كبير.
ويخلص إلى أن هذه الزيادة تحمل رسالة إلى دول المنطقة، التي استخدمت إسرائيل مجالها الجوي لشن الهجوم، وتؤكد لهم بأن إيران لن تتراجع عن الدفاع عن أرضها وأمنها.