تقترب أوسع عملية عسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي منذ نحو عقدين، من نهاية شهرها الأول، مستهدفة بشكل خاص مخيمات شمالي الضفة الغربية، ومخلفة نحو 60 شهيدا وعشرات آلاف النازحين وتدميرا كبيرا في المنازل والبنية التحتية.
وطال العدوان بشكل واسع مخيمي طولكرم ونور شمس بطولكرم، والفارعة جنوب مدينة طوباس، وبشكل أوسع مخيم جنين، الذي دمر الاحتلال فيه أحياء كاملة وشق طرقا على أنقاض المنازل الفلسطينية.
ومنذ أيام، استدعت الإدارة المدنية أحد أذرع الاحتلال في الضفة الغربية، مسؤولين محليين ورجال أعمال من مدينة جنين، وأبلغتهم بنيتها البقاء طويلا في مخيم جنين وأنه يجري العمل على تحويل المخيم إلى حي من أحياء المدينة، وهو ما رفضه المشاركون في اللقاء مؤكدين أن المخيم يقع تحت سلطة الأونروا.
لكن ماذا يقلق الاحتلال في المخيمات؟ ولماذا يسعى إلى تحويلها إلى أحياء ضمن المدن؟ وماذا عن تبعات العقاب الجماعي الممارس ضد سكانها؟
دمج المخيمات
وفق الصحفي المختص في الشأن الإسرائيلي، وديع عواوده، فإن إسرائيل تسعى لتحويل مخيمات الضفة إلى أحياء لأنها غير معنية بمخيمات اللجوء وتريدها أن تندمج بكل المدن الفلسطينية.
وأضاف أن الاحتلال لا يريد أيضا “أي شيء يربط الفلسطينيين بحق العودة إلى الأماكن التي هجروا منها إبان النكبة عام 1948”.
ولفت إلى أن المخيمات في العموم، تشكل “قلاعا وطنية فيها دائما فرصة للمقاومة وتهديد لأمن إسرائيل، ولذلك تحاول بيد من حديد أن تضرب القوة الشبابية فيها ضمن ما تطلق عليه نظرية جز العشب، والمستمرة منذ حكومات سابقة”.
وفق عواوده فإن “المستوى السياسي في إسرائيل يحاول دمج اللاجئين في مدن الضفة وتحويل المخيمات لأحياء لإضعاف حلم العودة”.
وعن انعكاسات العقاب الجماعي لسكان المخيمات بتدمير منازلهم، يشير إلى وجود أصوات في إسرائيل تحذر فعلا من أن كثرة الضغط تولد الانفجار خاصة مع غياب أفق سياسي ووضع اقتصادي متأزم في الأراضي المحتلة.
وتابع أن هناك تخوفا -وإن كانت أصواته داخل إسرائيل قليلة- يحذر من بركان قد ينفجر دون سابق إنذار، وترى أنه لا يمكن هزيمة إرادة شعب يسعى للاستقلال ويريد أن يعيش بحرية.

مرحلة جديدة
من جهته، يقول الصحفي والكاتب السياسي نواف العامر إن للإعلام الإسرائيلي -باعتباره ذخيرة في مشاريع ضم الضفة الغربية- دورا رئيسيا في التحريض على المخيمات الفلسطينية.
وأشار في حديثه للجزيرة نت إلى عدة عوامل تفسر استهداف المنظومتين العسكرية والسياسية في إسرائيل لمخيمات الضفة أبرزها أن المخيمات “هي العنوان والشاهد على النكبة الفلسطينية، وتعد واحدة من الثوابت الوطنية الفلسطينية التي تركز على حق العودة”.
وأضاف أن وجود المخيمات يُبقي حق العودة حيا في ذاكرة الفلسطينيين عبر الأجيال، حتى إن أجيالا ولدت بعد النكبة لم تنس حق العودة، بل هي أكثر تمسكا به “لذلك إسرائيل تريد أن تزيل الشاهد على جريمتها”.
وذكر من العوامل أيضا تحول المخيمات إلى حاضنة للمقاومة يلجأ إليها المقاومون الملاحقون من الاحتلال كما في مخيم جنين، مما حول المخيمات مصانع للمقاومين، فبات الاحتلال ينظر إليها على أنها “خطر أمني”.
من هنا، تابع العامر، أن الاحتلال يريد تشريد سكان المخيمات وتقطيع أوصالها لتصبح غير قابلة للسكن ونقل سكانها إلى أحياء وضواحي مدن وقرى أخرى والاندماج مع سكانها.
وفي ضوء كل ما سبق، يقول الصحفي الفلسطيني إن هدف إسرائيل الأوسع بعد استهداف وإزالة بؤر المقاومة في الضفة الغربية التي تعتبر المخيمات حاضنتها “إما التمهيد لضم الضفة، أو التمهيد لمرحلة سياسية يكون فيها دور السلطة الفلسطينية أقل بكثير من الحكم الذاتي”.
نائب محافظ طولكرم فيصل سلامة ⤵️
– #الجيش_الإسرائيلي يعمل على إعادة تغيير معالم وهندسة جغرافية مخيم طولكرم عبر هدم منازل فلسطينية
– المخطط الإسرائيلي في مخيم #طولكرم يشبه إلى حد كبير ما جرى ويجري في مخيم #جنينhttps://t.co/QzhzrBLLOm pic.twitter.com/t1qKaiC4EG
— Anadolu العربية (@aa_arabic) February 19, 2025
معطيات رقمية
ويصف مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي المحتلة التابع للأمم المتحدة العملية الجارية شمالي الضفة منذ 21 يناير/كانون الثاني بأنها “أطول عملية تنفذها القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية منذ عقدين”.
ووفق معطيات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” حتى 10 فبراير/شباط الجاري، فقد هُجِّر أكثر من 40 ألف فلسطيني من 4 مخيمات للاجئين والمناطق المحيطة بها في جنين وطولكرم وطوباس.
وأشارت إلى استمرار النزوح من المخيمات الأربعة التي تؤوي بمجموعها أكثر من 76 لاجئا فلسطينيا، موضحة أن “مخيم جنين يكاد يكون خاليًا تمامًا اليوم، كما شهد مخيم نور شمس تهجيرًا كاملًا تقريبًا، وهُجر الآلاف من السكان من مخيمي طولكرم والفارعة”.
ولفتت أونروا إلى لجوء معظم الأسر المهجرة إلى مدن جنين وطوباس ونابلس، وسط استمرار تعليق عملياتها داخل المخيمات بالكامل واستمرار إغلاق 13 مدرسة تابعة لها تخدم أكثر من 5 آلاف طفل شمال الضفة.
وذكرت أونروا أن “معظم الأشخاص المهجرين يقيمون حاليًا في مساكن مستأجرة. ولكن الأسر المهجرة عاجزة، وبدرجة متزايدة، عن تحمُّل تكلفة أسعار الإيجار الباهظة للغاية”.