في أبريل/نيسان القادم سيكون الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي، ووزيره الأول عثمان سونكو قد أكملا سنة في قيادة البلاد بعد أن خاضا طريقا شاقا كان السجن والحرمان من الحقوق المدنية أحد منعرجاته البارزة.

وعلى وقع الوعود بتحقيق الرخاء، والوعيد بمحاسبة رموز النظام السابق، أمضى الرئيس ربع المأمورية البالغة 5 سنوات، والقابلة للتجديد مرة واحدة.

مطبات وانتخابات

ومع بداية تعيينه في منصب رئيس الوزراء بدأ عثمان سونكو في عرض مقترح تعديلات دستورية طفيفة أمام البرلمان لإلغاء بعض المناصب التي يرى أنها هدر للمال العام ولا تقدم خدمات ملموسة للمواطنين مثل المجلس الأعلى للجماعات المحلية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي.

لكن البرلمان – الذي كان حينها محسوبا على الرئيس السابق ماكي صال – شكل عقبات ومطبات في وجه طموحات رئيس الوزراء وإصلاحاته، إذ أسقط مقترح التغيير الدستوري، وبدأ الخلاف بين السلطتين التنفيذية والتشريعية يتزايد حتى قرر تحالف نواب “بينو بوك ياكار” (التحالف من أجل السنغال) تقديم ملتمس لحجب الثقة عن الحكومة وإسقاطها.

وفي خطوة اعتبر مراقبون أنها جريئة، أصدر الرئيس فاي مرسوما رئاسيا يقضي بحل البرلمان ويدعو لانتخابات تشريعية مبكرة، وحقق فيها حزب “الوطنيون الأفارقة في السنغال من أجل العمل والأخلاق والأخوة” (باستيف) اكتساحا كبيرا للساحة، إذ حصل على 130 مقعدا من أصل 165.

وإثر صدور نتائج الانتخابات التشريعية، أعاد رئيس الجمهورية تكليف سونكو بقيادة الحكومة من جديد، وأدخل فيها قيادات بارزة كانت معارضة للنظام المنصرف.

اتهامات متبادلة

ينحدر سونكو من الطبقات الهامشية، وعاش جزءا من شبابه في منطقة كازامانس حيث الخلافات والتمرد وعدم الخضوع لأوامر الدولة.

وعندما أراد دخول المعترك السياسي، رفع شعار محاربة الفساد وضرورة محاسبة المسؤولين، فانجذب إليه الشباب، والحالمون بالتغيير وتحسين الأوضاع المعيشية.

وفي عام 2018 ألف كتابا تحت عنوان “البترول والغاز في السنغال.. النهب المزمن” ركز فيه على الفساد المتعلق بصفقات استخراج ثروة البلاد.

وقد ظلت هذه الشعارات لصيقة بذهنه وجزءا من أفكاره ومبادئ حزبه، وعندما أصبح رئيسا للوزراء بدأ في تجسيدها على أرض الواقع، فدخل في صدام مع رجال السياسة والنفوذ وأصحاب رؤوس الأموال.

قررت الحكومة تشكيل لجنة من الخبراء الماليين والقانونيين لمراجعة عقود النفط والغاز التي أبرمت في العهد السابق للنظر في مدى مطابقتها لمصالح الأمة.

سيارات الأجرة في العاصمة السنغالية دكار

وبعد فترة وجيزة أعلن رئيس الوزراء في نهاية سبتمبر/أيلول 2024 نتائج المراجعة والتدقيق، إذ زعم وجود خروقات مالية وتزوير للأرقام في سجلات الحكومة.

وفي 13 فبراير/شباط الجاري أصدر مجلس التدقيق في محكمة الحسابات تقريرا عن الوضع المالي للبلاد يشمل الفترة الممتدة من سنة 2019 وحتى 31 مارس/آذار 2024، وهي الولاية الأخيرة للرئيس السابق ماكي صال الذي كان خصما للنظام الحالي وأدخل قياداته إلى السجن.

وتحدث التقرير عن خروقات واسعة في التسيير، وتزوير الأرقام التي كانت تقدم للشركاء الدوليين، إذ كشف أن الديون المستحقة على ميزانية الدولة حتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2023 تصل إلى 18 ألف مليار فرنك غرب أفريقي أي نحو 28 مليار دولار، وهو ما يمثل نسبة 99.67 من الناتج المحلي، وهي نسبة تفوق ما قدمته الحكومة السابقة إذ قالت إن الدين العام يمثل 74% من الناتج.

كما قال التقرير إن العجز في الموازنة العامة لسنة 2023 وصل 12.3% وهو يخالف 4.9% التي تم إعلانها في الحقبة الماضية.

واتهم مالك أندور الوزير السابق والقيادي في حزب التحالف من أجل الجمهورية السلطات بالسعي إلى تشويه صورة الخصوم، واعتبر أن التقرير الصادر من محكمة الحسابات لا يتضمن إدانة لأي شخص رغم أن النظام هو من يقف خلفه.

أبواب المحاكم

وقال وزير العدل عثمان دياني إن التقرير المالي كشف عن تجاوزات قد تشكل جرائم غسيل الأموال، والإثراء غير المشروع، وكذلك الاحتيال على الأموال العمومية.

وأضاف الوزير أن المتورطين في هذه التجاوزات إذا أثبتت التحقيقات جرمهم سيعرضون على المحاكم من دون استثناء، رغم أنه لم يذكر أحدا باسمه.

وفي 16 فبراير/شباط الجاري عقد حزب التحالف من أجل الجمهورية المحسوب على ماكي صال مؤتمرا صحفيا، قال فيه إنه يطالب بعرض تقرير محكمة الحسابات على المحاكم القضائية العادية والمجلس الدستوري والمحكمة العليا، وكذا المحاكم الإقليمية والدولية.

وقال الحزب إنه سيتقدم بشكوى ضد محكمة الحسابات في السنغال بتهمة التزوير وتشويه شرف المواطنين الذين تولوا مناصبة عامة وحساسة في الدولة.

ويرى عضو الجمعية الوطنية “تيرنو حسن صال” أن تقرير محكمة الحسابات ليس سوى أداة لتنفيذ أمر السلطة التنفيذية الجديدة، لأنه قام بفرز الملفات بشكل انتقائي ليحاكم أشخاصا معينين، واعتبر أن التقرير ليس له مصداقية لأن محكمة الحسابات سبق لها أن صادقت على مشروع قانون تسوية الميزانية للسنوات المذكورة، وقد ناقضت نفسها.

سياسة الإلهاء

وتساءل عضو الجمعية الوطنية النائب تيرنو ألاسان عن الوعود التي قدمها رئيس الوزراء السنغالي للشعب قائلا إنه مضى أكثر من 8 أشهر على انتظار تحسن الأوضاع المعيشية وخلق فرص اقتصادية.

واعتبر النائب أن الوعود التي التزم بها سونكو تبين أنها ليست دقيقة، وأصبح النظام يبحث عن طرق لاستهداف خصومه عبر انتقاء ملفات معينة والانشغال بها بدلا من واجباته التي تتمثل في إحداث نهضة تنموية.

من جانبه، قال النائب من كتلة ” تاكو والو” عبدو أمبو إن الدول لا تتطور بالانتقام من الأشخاص والإساءة للرموز والقضاء على تاريخهم، معتبرا أن ما يقوم بها رئيس الوزراء الحالي ليس سوى نوع من سياسة الإلهاء، مقابل عجزه عن تقديم بديل لهجرة المواطنين الذين يموتون في البحر ويعاملون كعبيد في إسبانيا وأوروبا.

وشبه النائب التقرير الذي صدر مؤخرا عن الحالة الاقتصادية بأنه “غطاء للبؤس” الذي تعيشه البلاد ومحاولة للتستر على مشاكل المواطنين.

توسع المعارضة

وقد شهدت الأيام الأخيرة توسعا ملحوظا في صفوف المناوئين للحكومة، إذ تم تشكيل تحالف جديد أطلق عليه “جبهة الدفاع عن الديمقراطية والجمهورية”، ويتألف من 76 مكونا يضم أحزابا سياسية وهيئات نقابية وحقوقية، وتكتلات شبابية، وتسعى جميعها إلى رص الصفوف من أجل الوقوف أمام حزب باستيف.

ويضم التحالف الجديد شخصيات سياسية وازنة من بينها عمدة بلدية دكار السابق خليفة صال، ورئيس الوزراء الأسبق إدريسا سك، ورئيس حزب “البديل من أجل الوطن” أنتا بابكر.

ويقول أصحاب التحالف المذكور إنهم سيوحدون أصواتهم ضد هيمنة الحزب الحاكم الذي يسعى إلى التفرد بالساحة عبر استهداف الرموز السياسية في البلاد.

مستقبل الساحة

وفي حديث للجزيرة نت يقول المحلل السياسي والخبير في الشأن الأفريقي الحسين ولد حمود إن الخلافات السياسية والتباين في وجهات النظر من مظاهر الحكم الديمقراطي، لكن السنغال ليس في صالحه العمل على التأزيم والانسداد، حيث كان حديث عهد بالتوترات التي تسببت في مقتل وإصابة العشرات في سنة 2023.

ويرى ولد حمود أن حزب باستيف عليه الاستفادة من أخطاء النظام السابق، وتركيز الجهود على إنجاز المشاريع التي على أساسها تم انتخابه من قبل الجماهير الشبابية العريضة في السنغال، حتى يبقى متحكما في الساحة السياسية على المدى البعيد.

ويرى أمادو تيديان الباحث في معهد العلوم السياسية في بوردو بفرنسا أن الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة برهنت على أن حزب باستيف بفضل شخصية سونكو يمتلك الكلمة في الميدان السياسي على الأقل في الوقت الحالي.

ويضيف في مقال نشرته صحيفة “أفريك كونفيدنتييل” أن سونكو تحول من رمز للأمل إلى عنوان للعجز وسوء التقدير، ولن يكون له حضور بعد هذه المأمورية، لأن الثقة التي تبنى على مدى عقود تنهار بسرعة إذا ما استمر السياسي في تكرير نفس الخطاب دون أن يجسده على أرض الواقع.

شاركها.
Exit mobile version