بانكوك- برّأت المحكمة الجنائية في تايلند، اليوم الجمعة، رئيس الوزراء الأسبق ثاكسين شيناوات (76 عاما) من تهم “الطعن في الملكية” التي وُجهت إليه بسبب مقابلة أجراها عام 2015 مع وسيلة إعلامية كورية جنوبية.

وقضت المحكمة أن مقطع الفيديو المقدم كدليل لم يتضمن سوى مقتطفات من المقابلة، مع صياغة محدودة، في حين أنها تعتقد أن المقابلة الكاملة تحتوي على محتوى أكثر.

وبما أن الادعاء لم يثبت ما إذا كان المقطع قد تم تحريره أم لا، ولأن تصريحات ثاكسين لم تكن موجهة إلى الملك تحديدا، فقد منحت المحكمة احتمالية الشك للمتهم وبرّأته، وشوهد وهو يغادر قاعة المحكمة حسب وسائل إعلامية تايلاندية، وكان قد نفى في المحكمة ارتكاب أي مخالفات، وتعهد مرارا بالولاء للملك، الذي ينص الدستور على مكانته الخاصة وتوقيره.

ورأت المحكمة عند فحص العبارات الواردة في المقطع، أن اللغة المستخدمة لا تحتوي على كلمات أو مصطلحات تشير بوضوح للملك، ولاحظ القضاة أن شاهد الادعاء وهو الخبير اللغوي كان الوحيد، وأن أدلة الادعاء لم تكن كافية للوفاء بعبء الإثبات، ولهذا رأت المحكمة أن المتهم غير مذنب بالتشهير بالملك أو إهانته أو تهديده حسبما نقلت صحف وقنوات تلفزيونية تايلاندية.

العائلة وأحزابها

وكان ثاكسين شيناوات، وهو رجل أعمال قبل أن يكون سياسيا، قد أسس حزب “تاري راك تاي” أو “التايلنديون يحبون تايلاند” عام 1998 الذي فاز بـ3 انتخابات خاضها، وبدأ مسيرته التشريعية آنذاك حتى تسلم حزبه الحكم وصار رئيسا لوزراء البلاد بين عامي 2001 و 2006، حتى أسقط حكمه انقلاب عسكري على حزبه، الذي حلّته المحكمة الدستورية عام 2007 ومنعته و111 عضوا فيه من ممارسة العمل السياسي 5 سنوات.

ويمثل الحكم بالبراءة اليوم، انتصارا جديدا لثاكسين الذي عاد إلى تايلاند في 2023، بعد أكثر من 15 عاما في المنفى الاختياري خارج البلاد.

و لم يتوقف النشاط السياسي لهذه العائلة المؤثرة، حيث عادوا للحياة السياسية عبر مظلة حزب صغير آخر أُسس عام 1998 أيضا. لكنه بقي غير مؤثر بأعداد قليلة من المرشحين، وهو حزب سلطة الشعب، الذي فاز بانتخابات 2007 بنسبة 39% من الأصوات، ثم حلته المحكمة الدستورية عام 2008 بعد اتهامه بمخالفات في الانتخابات.

وعادت أسرة شيناوات للواجهة مرة ثانية، عندما وصلت إلى رئاسة الوزراء شقيقة ثاكسين، ينغلاك شيناوات، عام 2011، لتصبح أول امرأة تصل هذا المنصب السياسي المهم بتاريخ البلاد، قبل أن تُعزل منه بعد مظاهرات طالت لفترة في بانكوك، في 7 مايو/أيار 2014، وشارك فيها من يوصفون بأنهم أكثر ولاء للنظام والتقاليد الملكية.

وبعد تلك الفترة من إبعاد للتيار الذي تقوده عائلة شيناوات عن دوائر السلطة، عاد الحزب والعائلة للمرة الثالثة برئاسة ابنة ثاكسين، بايتونغتارن شيناوات (39 عاما)، في انتخابات 2019 بحصوله على 136 مقعدا برلمانيا لكنه ظل معارضا.

ثم جدد الحزب الحضور في 2023 بإحراز 28.8% من الأصوات، لتقود الابنة الائتلاف الحاكم حاليا بثوب حزب جديد باسم “فيو تاي” (من أجل تايلند)، وهو الثالث من الأحزاب التي تقودها شخصيات من عائلة شيناوات خلال العقود الماضية.

واليوم هو ثاني أكبر الأحزاب في البرلمان التايلندي بـحيازته على 141 مقعدا من مجموع 500، لكن ومرة أخرى عُلق قضائيا عمل بايتونغتارن كرئيسة للوزراء في الأول من يوليو/تموز الماضي، وتواجه -هذه الأيام- محاكمة ثانية بسبب مضمون مكالمة هاتفية مع الزعيم الكمبودي هون سين.

و يرى مواطنون وإعلاميون تايلنديون أن رجل الأعمال ثاكسين شيناوات ورغم الجدل والانقسام السياسي بشأنه وتوجهات حزبه إلا أنه مازال له قوة في المشهد السياسي التايلندي، يمتد عبر تيار سياسي وحزب حاضر.

 

كمبوديا تشن ضربات على بلدة حدودية في تايلاند

بانتظار الأحكام

ويأتي حكم التبرئة لثاكسين شيناوات ليكون الأول بين 3 أحكام تترقبها عائلته ومؤيدو حزبها، ففي يوم 29 أغسطس/آب الجاري  يُنتظر النطق بالحكم على ابنته بايتونغتارن التي لم يمض على توليها السلطة سوى عام واحد.

وهو الحكم الذي يطرح احتمال إقالتها من قبل المحكمة الدستورية بسبب انتهاك مزعوم لأخلاقيات العمل السياسي على خلفية محادثة هاتفية مسربة مع الزعيم الكمبودي هون سين، حيث قيل إنها بدت في تلك المكالمة متواضعة أمامه -بنظر منتقديها- في أعقاب أزمة الحدود بين تايلند وكمبوديا الأخيرة، ليتولى نائب رئيس الوزراء، سوريا جوانغرونغرانكيت، منصب القائم بأعمال رئيس وزراء تايلاند.

لكن بايتونغتارن تقول: إن ذلك الاتصال الهاتفي كان محاولة لنزع فتيل أزمة دبلوماسية تحولت لاحقا إلى نزاع مسلح استمر 5 أيام.

وكانت بايتونغتارن الملقبة بأونغ إنغ، قد أصبحت أصغر رئيسة وزراء بتاريخ تايلند وثاني امرأة تشغل هذا المنصب بعد عمّتها ينغلاك شيناوات، كما شغلت منصب وزيرة الثقافة منذ 30 يونيو/حزيران 2025.

ومن المقرر النظر في قضية ثالثة تترقبها عائلة شيناوات يوم 9 سبتمبر/أيلول القادم، في الدائرة الجنائية للمحكمة العليا لشاغلي المناصب السياسية، وتتعلق بادعاءات حول “تمارض” ثاكسين والعلاج الطبي الذي تلقّاه في مستشفى الشرطة العامّ أثناء احتجازه لمدة 6 أشهر عند عودته من منفاه.

وستركز المحكمة على ما إذا كان العلاج الذي تلقاه ثاكسين يتبع البروتوكولات القانونية، وما إذا كانت حالته تستدعي مثل هذه الرعاية، ولا يُعرف هل سيواجه سجنا لفترة معينة أم ستتم تبرئته؟

مستقبل العائلة السياسي

ويتوقع الباحث في معهد الأمن والدراسات الدولية في جامعة تشولالونغكورن التايلندية، ثيتينان بونغسوديراك، أنه “إضافة إلى قضيتي ثاكسين شيناوات بتهمة تشهير ملكي مزعوم ومخالفة ظروف سجنه بعد عودته من منفاه، فإن حقبة عائلة شيناوات التي ظلت حاضرة في الحياة السياسية التايلاندية على مدار الـ25 عاما الماضية آخذة في الانتهاء”.

وفي ظل ركود اقتصادي متزامن في البلاد، “ستكون السياسة التايلاندية غير مستقرة في الأسابيع المقبلة، ومن المرجح أن تتغير الحكومة سواء مع أو دون إجراء اقتراع جديد”.

لكن المشهد يظل مفتوحا على احتمالات كثيرة، فثمة محللون يرون أن أسرة شيناوات ليست حالة منعزلة بل جزءا من تيار في المجتمع التايلاندي، ففي الانتخابات الأخيرة قبل عامين حصل حزبهم على نحو 11 مليون صوت، وقد يظهر قادة جدد له ولهذا التيار، وربما يتأسس حزب رابع يحاول التقدم مجددا في انتخابات مقبلة.

شاركها.
Exit mobile version