القاهرةـ تعد الخطة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة أحد أبرز المشاريع الإقليمية الطموحة، التي تسعى لتخفيف آثار الحرب ومعاناة سكان قطاع غزة المستمرة، الذين أنهكتهم الأوضاع الإنسانية القاسية.

وتستهدف الخطة إعادة إعمار غزة بطريقة شاملة تجعلها قادرة على استيعاب 3 ملايين نسمة بحلول عام 2030، وتتضمن مشاريع إعادة بناء المنازل المدمرة، وتحسين البنية التحتية، وتطوير القطاع الصناعي والزراعي، إضافة إلى تحديث المؤسسات الصحية والتعليمية.

كما تشمل المرحلة الأولية توفير مساكن مؤقتة للنازحين وإعادة تأهيل الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي.

ورغم أن الخطة تحمل رؤية واضحة وطموحة، فإن الإدارة الأميركية رفضتها أمس، رغم إقرارها في قمة عربية طارئة عُقدت في القاهرة مؤخرا، حيث تقف الخطة أمام تحديات وعقبات سياسية واقتصادية كبيرة، أبرزها غياب أي ضمانات تمنع الاحتلال الإسرائيلي من استهداف المشروعات الجديدة، فضلا عن التعقيدات السياسية المتعلقة بمستقبل إدارة القطاع.

دعم عربي ودولي

أكد السفير المصري السابق لدى تل أبيب حازم خيرت أن الخطة المصرية تمتاز بكونها عملية ومحددة، وتحظى بدعم واسع من 22 دولة عربية شاركت في القمة الطارئة.

وأشار خيرت إلى أن الدعم لا يقتصر على الدول العربية فقط، بل يمتد ليشمل العديد من الدول الإسلامية، بالإضافة إلى مشاركة منظمات دولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الإسلامي، مما منح الخطة مصداقية كبيرة.

وأوضح أن الخطة المصرية تقدم بديلا واضحا لخطة ترامب التي سبق طرحها، لكنها تواجه معضلات جوهرية تتعلق بدور حركة حماس ومستقبل سلاح المقاومة في غزة، وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن “إسرائيل سترفض أي دور لحماس، وستستخدم ذلك ذريعة لاستمرار العمليات العسكرية، بالمقابل، فإن حماس لا يمكنها التخلي عن السلاح طالما ظل الاحتلال قائما، مما يفرض البحث عن صيغة جديدة توازن بين المطالب الدولية والواقع الفلسطيني على الأرض”.

كما أشار خيرت إلى أن هناك حاجة لتسويات سياسية وبراغماتية تتيح إيجاد حلول لهذه الإشكالية، حيث يمكن التوصل إلى تسوية تُبقي المقاومة الفلسطينية ضمن إطار سياسي منظم يمنع عودة الحرب مجددًا.

ويرى أن أحد التحديات الأخرى يتمثل في رفض الحكومة الإسرائيلية لهذه الخطة، خاصة في ظل سيطرة اليمين الإسرائيلي الذي وصفه بأنه “حالة ميؤوس منها”، حيث يسعى إلى تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية، بل إنه يطمح إلى إزالتهم بالكامل لو سنحت له الفرصة.

ورغم كل هذه التحديات، يعتقد خيرت أن هناك فرصا للضغط على الإدارة الأميركية للقبول بالخطة، خصوصا أن الدول العربية تمتلك أوراقا اقتصادية وسياسية يمكن توظيفها لإقناع واشنطن بجدوى المشروع المصري.

البيان الختامي للقمة العربية: السلام هو خيار العرب الاستراتيجي

مشروع متكامل

يرى الأكاديمي المصري وأستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة الإسكندرية أحمد فؤاد أنور أن الخطة المصرية “نجحت في تحويل الشعارات إلى مشروع متكامل يبث الأمل في نفوس سكان غزة، الذين يعانون أوضاعا إنسانية متردية”، وأشار إلى أن أحد أبرز بنودها يتمثل في مطالبة إسرائيل بالمشاركة في تمويل إعادة الإعمار وفق مبدأ “جبر الضرر”.

ورغم أن إسرائيل قد تطالب بتعويضات مقابلة، فإن حجم الأضرار التي لحقت بالقطاع يجعل هذه المطالب غير واقعية مقارنة بحجم الكارثة الإنسانية التي تسبب فيها الاحتلال، بحسب رأيه.

كما أكد أن الخطة المصرية أظهرت قدرة الدول العربية على التوافق حول مشروع كبير مثل إعادة إعمار غزة، رغم التجاذبات السياسية التي تحكم مواقف بعض الدول.

وشدد المتحدث على أن الدعم العربي للخطة ظهر بوضوح في موقف الدول التي أيدتها، فضلا عن الدعم السريع من مجلس الوزراء السعودي، وهو ما يعزز -كما قال في حديثه للجزيرة نت- من مصداقية الخطة ويجعلها بديلا جديا عن أي خطط دولية أخرى قد تضر بالقضية الفلسطينية.

انتقادات وتحديات

في المقابل، يرى الأكاديمي المصري والخبير في الصراع العربي الإسرائيلي محمد سيف الدولة أن ثمة معضلتين أساسيتين تعيقان تنفيذ الخطة المصرية:

  • أن الخطة بُنيت على فرضية خاطئة تفترض أن الإدارة الأميركية السابقة كانت ترغب في تحسين أوضاع الفلسطينيين في غزة، حيث يؤكد سيف الدولة أن هذا التصور ساذج، لأن واشنطن لم تسعَ يوما لحل الأزمة الإنسانية في القطاع، بل كانت تسعى لتنفيذ مخططات تهجير غير معلنة.
  • تعامل الخطة مع مستقبل فصائل المقاومة الفلسطينية، حيث إن هذه الفصائل لن تقبل بأي حال من الأحوال التخلي عن سلاحها، وهو ما يجعل تنفيذ الخطة محل شك كبير، خاصة في ظل تجارب تاريخية مثل مجازر صبرا وشاتيلا التي وقعت بعد خروج المقاومة من بيروت عام 1982.

وانتقد سيف الدولة أيضا عدم تحميل إسرائيل مسؤولية الدمار الذي لحق بالقطاع وعدم مطالبتها بدفع تعويضات، مشيرا في حديثه للجزيرة نت إلى أن ألمانيا لا تزال تدفع تعويضات عن “الهولوكوست”، بينما لا يُطالب أحد إسرائيل بتحمل نفقات إعادة إعمار غزة.

كما تساءل عن جدوى الحديث عن عجز مالي عربي في تمويل الخطة، في حين أن الدول العربية قادرة على استثمار مئات المليارات في الولايات المتحدة، مشددا على أن الدول العربية تمتلك أوراق ضغط مهمة، لكنها لا تملك الإرادة السياسية لتوظيفها ضد السياسات الإسرائيلية والأميركية.

معضلات التطبيق

يرى أستاذ الاقتصاد السياسي عبد النبي عبد المطلب أن “أكبر عقبة أمام تنفيذ الخطة المصرية هي عدم توفر الإجماع العربي المطلوب لدعمها، فضلا عن رفض الولايات المتحدة لها، مما يجعل من الصعب تنفيذها على أرض الواقع”.

وأضاف أن غياب الاستقرار في القطاع يمثل مشكلة أساسية تمنع المستثمرين العرب والأجانب من المشاركة في إعادة الإعمار، خاصة في ظل غياب رؤية واضحة لإدارة القطاع مستقبليا.

وأشار المتحدث إلى أن رأس المال الفلسطيني في الداخل والخارج يمكن أن يكون أحد أهم روافد تمويل إعادة الإعمار، مضيفا في حديثه للجزيرة نت أن “ثمة دعما متوقعا من مؤسسات دولية مثل البنك الدولي والبنك الأوروبي والبنك الآسيوي”.

شاركها.
Exit mobile version