سلطت صحيفة الغارديان -في تقرير- الضوء على حياة العمال والطلبة في غزة الذين يعتمدون على مبادرة “مركز الأمل”، وهي سلسلة غزية الأصل من “المساحات المشتركة” للعمل على الإنترنت وإكمال الدراسة في ظل الحرب الإسرائيلية على القطاع.

ووصفت محررة الصحيفة جوهانا بهويان المبادرة بأنها “شريان حياة” يُلهي 1300 عامل في مناطق متعددة هي غزة ومصر ولبنان عن مصائبهم، ويوفر لهم دخلا يستعينون به على شح الوظائف.

وفي غزة بالتحديد، لطالما حد الحصار البري والبحري الذي تفرضه إسرائيل  منذ 17 عاما من الفرص الاقتصادية، ودفع ذلك ما لا يقل عن 12 ألف عامل في القطاع إلى العمل الحر عبر الإنترنت، وفقا للأمم المتحدة، وقد أدى القصف الإسرائيلي والحرب المستمرة السنة الماضية إلى انعدام فرص العمل تقريبا، وفقا لتقييم أجرته منظمة العمل الدولية.

مركز الأمل

وتشكل مبادرة مركز الأمل مجموعة من المساحات المشتركة المجانية للعمل أسسها صلاح أحمد وفادي عيساوي في يناير/كانون الثاني 2024 بخيمة في رفح بهدف توفير بيئة آمنة وعملية للعاملين عن بُعد والطلاب عبر تقديم خدمات الإنترنت والكهرباء، وتوسعت بعدها إلى دير البلح وخان يونس بينما دمر الموقع الأول بقصف إسرائيلي.

ويعتمد العاملون على منصات العمل عن بعد مثل آب وورك ومستقل، ولكن اتصال الإنترنت الضعيف والمتقطع، وعدم تفهم الزبناء أحيانا، يصعبان العمل أكثر، كما أن اقتراب وقت الشتاء سيقلل من فعالية الألواح الشمسية التي يعتمد عليها المركز.

“الانتظار دون فعل أي شيء يُحطم الروح”

وافتتح التقرير قصص المكافحين بتجربة فريدة الغول التي اختارت أن تتطوع معلمة للغة الإنجليزية، تصب “الصمود” في قلب 50 طفلا “أملا بإلهام مجتمعها”، ومن ثم تنتقل لوظيفتها الثانية مترجمة حرة بالمركز في دير البلح، وتعمل 6 ساعات يوميا تحت تهديد القصف مقابل 200 دولار بالشهر تخصم منها آب وورك  10%، بينما تفرض شركات تحويل العملات رسوما تتراوح بين 20 إلى 30%.

ونزحت فريدة من الشمال مضطرة تاركة وراءها أبويها، واستشهد 300 من أفراد عائلتها جراء الحرب، ولكنها مصرة على الإنتاج رغم هذه الصعوبات.

وفي عملها، تتبادل فريدة وزملاؤها الخمسون الأدوار على سلك الشاحن والكهرباء المحدودة، وتتيح لها ساعة من الشحن العمل 4 أو 5 ساعات فقط، وعلى طاولة قريبة منها في الخيمة، يعمل رائد الأعمال وليد الإكي بالتسويق لشركتين.

بعد تخرجه من الجامعة، أسس وليد عملا تجاريا خاصا به في مجال التسويق، ولكن الحرب غيرت مسار حياته بشكل جذري، وخلال الأشهر الأولى كان وليد وعائلته في تنقل مستمر بين المناطق التي يفترض أنها آمنة، مثل مدينة الزهراء، ومع ذلك، تعرضت المدينة للقصف، وقال وليد “لقد دمرت المدينة بأكملها على رؤوسنا، وانهار 24 مبنى أمام أعيننا”.

ورغم المخاطر التي واجهها وعائلته في الشهور التي تلت، قرر وليد العودة للعمل، فها هو يخبئ خلفيته عن عملائه تارة خوفا من أن تؤثر على فرصته في الحصول على العمل، ويلاحق مواعيد التسليم التي لا ترحم تارة أخرى، وعندما تنقطع الكهرباء، يحاول إرسال التحديثات إلى عملائه عبر تطبيق الواتساب أو الذهاب إلى مقهى قريب ودفع ثمن الإنترنت.

وحتى عندما تتيسر مقومات العمل جراء جهود صلاح وفادي والعاملين الآخرين في المركز، يواجه العديد -بمن فيهم وليد- صعوبة في الوصول إلى أرباحهم، فقد دمرت الحرب فروع البنوك وأجهزة الصراف الآلي، وتوقفت شركة باي بال عن تقديم خدماتها لجميع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وتتقاضى محلات الصرافة رسوما تتراوح بين 15 و30% حسب الطلب.

ولكن يبقى للعمل -حسب تعبير وليد- دور أساسي في تحسين صحته النفسية، إذ إن “الانتظار دون فعل أي شيء يُحطم الروح أكثر من أي شيء آخر”.

“الحياة لم تتوقف مع بداية الحرب” لطلاب غزة

وأشار التقرير أن إلى فترات عمل المركز، بسبب محدودية الموارد، تنقسم إلى 4 أجزاء: فترة مخصصة للعاملين عن بُعد، وفترتان للعمال المستقلين، وأخرى للطلاب، وأكد مؤسسا المركز، صلاح وفادي، على ضرورة دعم العاملين والطلاب لمساعدتهم في تحقيق أحلامهم ومواجهة التحديات التي تعترض طريقهم، سواء من خلال التعليم أو العمل الحر.

ويقطع عثمان شبير طالب علوم الحاسوب في الجامعة الإسلامية ساعتين يوميا للوصول إلى مركز الأمل لحضور محاضراته عبر الإنترنت، وكان من المفترض أن يُتِم دراسته السنة الماضية بيد أن الحرب حالت دون ذلك.

وبالرغم من عدم تأكده من مستقبله الأكاديمي أو الوظيفي، يصر عثمان على ضرورة التعليم للحصول على فرصة عمل بعد التخرج، خاصة وأن الكثير من الشركات المحلية ترفض التوظيف إلا بشهادات جامعية، وقال “هذا هو الخيار الوحيد أمامي، علينا أن نعيش ونكسب لقمة العيش ونحقق أهدافنا، الحياة لم تتوقف مع بداية الحرب”.

ويواجه طلاب آخرون في غزة عقبات مشابهة، حسب التقرير، ومنهم آية عصام وهي في سنتها الأخيرة في كلية طب الأسنان، ولا تعرف هي وزملاؤها متى سيصبح الوضع آمنا في غزة لتتمكن الجامعة من تنظيم التدريبات الميدانية اللازمة للتخرج، وقالت عصام “من الصعب أن تكون لك أحلام كبيرة في غزة،  لكن من حقي في هذه الحياة أن أكمل دراستي، كان لدي حلم بمستقبلي”.

واختتم التقرير سرده لأمثلة “الثبات” في غزة بقول فريدة “بالرغم من كل شيء، والله سأجد الطريق لأغرز الأمل في نفسي ومن حولي، وسنعلم العالم معنى الصمود”.

شاركها.
Exit mobile version