جنين- حين دقت ساعة الصفر، لم تكترث قوات الاحتلال الإسرائيلي بنتائج عمليتها العسكرية، فقصفت عبر طائراتها سيارة تمر بين جموع المواطنين وعديد من المركبات عبر الشارع العام وسط مدينة جنين، قُرب ما يعرف محليا بـ”دوار البطيخة”، فقتلت شابين داخل مركبتهما التي تفحَّمت من شدة القصف والنيران التي التهمتها بالكامل.

فعند التاسعة من مساء أمس السبت، تمكنت إسرائيل من اغتيال الشابين رأفت محمود دواسي وأحمد وليد أبو عرة، القائدين بكتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بعد محاولات عديدة باءت بالفشل لاعتقالهما أو تصفيتهما.

ولم يتم التعرف بداية على جثماني الشهيدين، وتداول مواطنون ووسائل إعلام محلية أسماء عدة، بيد أن قوات الاحتلال وأدواتها الاستخبارية كانت تعرف ماذا فعلت ومن اغتالت، لتعلن لاحقا أنها اغتالت مقاومين بارزين في حماس مسؤولين عن تخطيط وتنفيذ عمليات مقاومة ضد الاحتلال.

مجاهدان حتى آخر رمق

وفي بيانها الذي نعت فيه الشهيدين، ووصل الجزيرة نت نسخة منه، أكدت كتائب القسام أنهما كانا “مجاهدين قساميين لهما دور جهادي كبير”، وقالت إنهما مسؤولان عن التخطيط والتنفيذ لعدة عمليات “نوعية”، أبرزها تفجير عربة النمر العسكرية خلال اقتحام جيش الاحتلال مدينة جنين يوم 27 يونيو/حزيران الماضي، مما أدى لمقتل جندي إسرائيلي وإصابة آخرين.

كما نفذا، حسب بيان الحركة ومقطع فيديو نشرته، الكمين الثلاثي عبر تفجير 3 عبوات ناسفة قرب الجدار الحدودي مع الداخل المحتل عام 1948 في قرية المطلة شمال شرق مدينة جنين يوم 23 يوليو/تموز 2024، وأصيب بها -حسب فيديو المقاومة- ضابط إسرائيلي وجنديان، إضافة لعملية قتل الجندي الإسرائيلي يهوناتان دويتش قرب قرية عين البيضاء في الأغوار الشمالية يوم 11 أغسطس/آب الجاري.

وقالت الكتائب -في البيان- إن “دماء قادتها الشهداء لن تكون إلا إيذانا بشلال الدم القادم للمحتل عبر المزيد من العمليات النوعية التي سينفذها مجاهدو القسام من كل محافظات الضفة الغربية المحتلة بإذن الله”.

من جهته، قال جيش الاحتلال -في بيان له نقلته وسائل إعلام- إن الاغتيال “للمخربين”، حسب وصفه، تم عبر نشاط مشترك بين الجيش وجهاز الأمن العام، وذكر أن الشهيد أحمد أبو عرة كان ضالعا في عمليات مقاومة أخرى، ولعب دورا محوريا في صناعة العبوات الناسفة، بينما وصف الشهيد رأفت دواسي بأنه مسؤول في البنية التحتية العسكرية لحماس بمنطقة جنين.

ومن أمام مشفى جنين الحكومي، انطلقت عند العاشرة من صباح اليوم الأحد مَسيرة تشييع الشهيدين، وجابت شوارع المدينة التي أعلنت الحداد العام، حيث حمل المشيعون جثامين الشهداء على الأكتاف وهتفوا تمجيدا للشهداء، وسط دعوات للانتقام لهم، بينما أطلق المقاومون الأعيرة النارية بالهواء، ليتم بعد ذلك نقل كل شهيد لمسقط رأسه، حيث خرج المشيعون بالآلاف في كلتا القريتين.

مقاوم يحظى بالإجماع

وفي بلدة عقابا قرب مدينة طوباس شمال الضفة الغربية، ولد الشهيد أحمد وليد أبو عرة (28 عاما)، لأسرة عرفت بتدينها، بين 10 أبناء، حيث يعمل والده سائقا لشاحنة نقل كبيرة، وأمه ربة منزل.

وعُرف بتدينه وحبه للمسجد وملازمته له، وفي مدارس عقابا تلقى تعليمه الأساسي والثانوي، ولم يكمل تعليمه الجامعي، إذ التحق بسوق العمل وتعلم مهنة طلاء المنازل وبرع في العمل بها في بلدته وداخل الخط الأخضر.

ويوصف أبو عرة -حسب حديث قريبه زيد أبو عرة للجزيرة نت- بأنه شاب “ذو أخلاق عالية ومحبوب بين أقرانه وأهالي بلدته الذين تجمعهم به علاقات طيبة، وحظي بإجماع الكل، خاصة أنه عُرف بتجاوزه للفصائلية في نضاله ومقاومته”.

وبرز أبو عرة في أول عملية نفذها ضد الاحتلال في منطقة شارع 60 في الأغوار الشمالية في يوليو/تموز 2023، وأصيب خلالها مستوطن إسرائيلي “وفاجأت هذه العملية كثيرين، خاصة أهالي قريته والمقربين منه، فلم يكن أحد يعرف أو يتوقع ذلك”، يقول المتحدث قريب الشهيد.

وبعد ذلك، بدأ الاحتلال بمطاردته، إذ اعتقل بداية والده ووالدته وشقيقه للضغط عليه من أجل تسليم نفسه، وسط تهديدات بتصفيته، لكنه كان يرفض تسليم نفسه.

ونجا أبو عرة -الذي تزوج منذ نحو 6 سنوات وأنجب طفلتين- في سبتمبر/أيلول 2023 من محاولة اعتقال واغتيال استهدفته بعد محاصرة الاحتلال لعدة ساعات منزلا كان بداخله في قريته عقابا، حيث اعتُقل شقيقه محمد واستشهد مواطن أمام مزرعته يدعى عبد الرحيم غنام. ورغم انتقاله لمدينة جنين ومخيمها، فإنه ظل يستهدف الاحتلال بعملياته بين أقصى الشرق في الأغوار وعند الحدود شمال جنين.

ولم يسبق أن اعتقل الاحتلال الشهيد أبو عرة، لكن اعتقل 3 من أشقائه، بينما تعرض هو وبعض إخوته للاعتقال لدى أجهزة السلطة الفلسطينية.

ولا يزال شقيقه محمد (45 عاما) معتقلا لدى الاحتلال منذ العام الماضي، وسبق أن اعتقل عدة مرات كانت أقساها عام 2001 حين أصيب برصاص الاحتلال ومكث لنحو 6 سنوات في الحبس الإداري المتواصل.

وتأثر أبو عرة باستشهاد ابن قريته وقريبه الشيخ مصطفى أبو عرة (62 عاما) داخل سجون الاحتلال قبل أسابيع قليلة، وشارك هو ومقاومون آخرون من كتيبة جنين في بيت العزاء الذي أقيم له في القرية.

المقاوم التاجر

وُلد الشهيد رأفت محمود دواسي (28 عاما) في قرية سيلة الحارثية غرب مدينة جنين لعائلة ملتزمة مكونة من الوالدين و5 أشقاء هو الأوسط بينهم.

وحمل رأفت اسم جده لوالده، ونشط منذ نعومة أظفاره بالعمل مع والده في محالهم التجارية، إذ تعمل عائلته بقطاع الأدوات المنزلية على مستوى واسع بمحافظة جنين.

وفي مدارس قريته سيلة الحارثية تلقى “الشيخ رأفت” -كما يلقبونه- تعليمه الأساسي والثانوي، ورغم عدم إكماله دراسته الجامعية، فإنه برع في التجارة والعمل مع عائلته، وعرف بتدينه الشديد ولزومه الدائم للمسجد الذي نال عبره وسام الشرف بحفظ القرآن الكريم، مما أفضى إلى محبة الناس له واحترامه.

شاركها.
Exit mobile version